صنعاء 19C امطار خفيفة

عثمان عميرة ودور لا ينسى

عثمان عميرة ودور لا ينسى
عثمان عميرة

في خمسينيات القرن الماضي كان عثمان عميرة من شباب تهامة اليساريين. هاجر إلى السعودية، وكان إلى جانب مساوى أحمد الحكمي، ومحمد علوي الجفري. والتحق بهم إبراهيم صادق بعد طرده مع من يمثلون الاتجاه الماركسي.

السندباد اليمني الخال محمد عبدالواسع حميد في مذكراته "يتذكر" أثناء إقامته القصيرة في السعودية لقاءه بهذه المجموعة، وآخرين كثر.
عنوان مذكرات الواسع "يتذكر"، من أصدق العناوين. فالخويل ذاكرته متسعة اتساع حفظه للشعر. ودوره في الحياة العامة. ورحلاته السندبادية "يتذكر" هذه المفردات الفعل المضارع يصل إلى 446 صفحة.
سوف أقرأ فقط ما يتعلق بالفقيد الكبير "المنسي" عثمان ظافر عميرة، ورفاقه الذين التقاهم العم الوحدوي والمناضل الكبير والحفاظة الأشهر محمد عبدالواسع حميد.
يقول في صفحة 98: "وكان هناك من معارفي أحمد أمين عبدالواسع نعمان.. من الكتاب عند شولق، وعثمان عميرة الذي توظف بعد الثورة في البلدية.. وعلي عمر النابهي الذي لايزال موظفًا في بيت هائل سعيد".
وبعد كلام طويل: "ذات يوم جاءني محمد علي علوي الجفري من جفارية الحديدة، وقد تعرفت عليه في عدن عامي 52 و1953. قال لي: قدم من القاهرة مسفرًا الأستاذ إبراهيم صادق. هل تعرفه؟ قلت سمعت بشعره وحفظت مقطوعات من أشعاره"، ويورد المقاطع ما شاء الله عليه.
قال لي سُفر بتهمة أنه شيوعي بالبنطلون والقميص. ويذكر وصول الشيخ علي حسين الوجيه. فأخبرته عن إبراهيم صادق. قال أعرفه من الحديدة. فأخبرته أني قد جمعت له مائتين وخمسين ريالًا قيمة تذكرة سفر وخمسمائة ريال ليذهب إلى عدن.
يضيف: "ولكن إبراهيم صادق كان مغامرًا أكثر منا، وكان خياليًا، وكان معه دفتر قد كتب فيه اللائحة الداخلية للثورة". "إذا كان هناك ثورة في اليمن فيجب أن تقوم في الشهر نفسه، إن لم يكن في اليوم نفسه ثورة في السعودية، لكيلا نؤذى".
يضيف ورأيه دقيق وصائب: هذا صحيح، ولكنه خيال.
وتعرفت أيضًا إلى مساوى أحمد الحكمي. وكان معه تابعية سعودية، وشقيقته متزوجة من أحد السعوديين.
كان يجمعنا في غرفة إدارة وكالة التربية والتعليم. وفي الطابق الأسفل المخابرات. لم تكن قوية فظللنا أسبوعًا كاملًا. نناقش إبراهيم صادق حول اللائحة الداخلية، وحول ما يشبه الدستور. وكان يقول: جيزان ونجران وعمان من اليمن. وبعد ثلاثة أيام أقنعناه بأن يتنازل عن عمان، ونوافق له نحن على جيزان ونجران. وذات يوم قيل لي: إنه قد ألقي القبض على إبراهيم صادق، ومحمد علي علوي الجفري. وفهمت أن وراء ذلك المفوضية اليمنية.
وقد أرسلا مخفورين إلى مطار الحديدة. "أرسلا إلى تعز وسجنا في الشبكة، وألقي القبض على مساوى لمدة خمسة عشر يومًا. كانوا يسألونه عن صاحب الشجة التي في جبينه. ويشير إلى أن مساوى لم يكن يريد الوشاية به.
استرسلت في سردية الخويل عن جانب من إقامته في جدة، ولقائه بعثمان عميرة والنابهي، وأكثر لمساوى الحكمي ومحمد علي الجفري وإبراهيم صادق، وقد تصرفت في السرد المرسل مع الحفاظ على جوهر القصة.
لنعد إلى سيرة المناضل المنسي عثمان عميرة، عرفته بعد الثورة إنسانًا شديد الخجل، جم التواضع، نقي الضمير، طاهر اليد.
رأس بلدية الحديدة بعد الثورة، وكانت أرض الحديدة بعد الثورة تحديدًا مصدر ثراء العشرات، وبالأخص في عهد علي عبدالله صالح الذي حولها إلى إقطاعيات لأتباعه، وتعويضات لمن نهبت أراضيهم في مناطق أخرى.
بعد الثورة الشبابية -ثورة الربيع العربي- كنت والعزيز أحمد كلز في زيارة لساحة الثورة في تعز، وطرح علي مقترح زيارة عثمان عميرة في الحديدة. وكان مريضًا، فوصلنا لنفاجأ بالخبر المفجع؛ خبر وفاته.
كتبت عنه حينها، وللأسف لم أعثر على ما كتبته.
في السيرة التي دونتها إحدى بناته أشارت إلى عمله في البنك الأهلي السعودي قبل الثورة، والذي تحول إلى البنك اليمني بعد الثورة.
في العام 1962 عين عثمان مديرًا عامًا لبلدية الحديدة، فأنشأ أول سوق تجاري "أنموذجي" وحديث في شارع الخادم الوجيه -حارة اليمن، وبنى أول حديقة: "حديقة الشعب"، و"شارع الميناء"، وسعى لبناء أول نادٍ رياضي لكرة القدم "ملعب الشهيد العلفي"، كما عمل مديرًا للجمارك والضرائب. ثم عمل في الورشة المركزية في الميناء لصناعة قطع الغيار. كما عين مديرًا عامًا لمكتب الاقتصاد. وكلها في مدينة الحديدة.
شارك في المقاومة الشعبية. وكان له دور مشهود في الدفاع عن الثورة والجمهورية بكفاحه السياسي والتزامه اليساري.
ورغم الوظائف الكاثرة والمهمة أيضًا التي شغلها عثمان عميرة، إلا أنه عاش كريمًا نزيهًا. ومات عفيفًا.
تتغشاه رحمة الله. وكان الأب البار لأبنائه وأسرته الكريمة، وأبناء شعبه ورفاقه في التجمع الوحدوي الذي كان مسؤوله الأول في الحديدة.

الكلمات الدلالية