رحيل كريم قبل الأوان

كريم...
أيها العابر بين حروفك مثل طيفٍ يعرف دروب النور،
ها أنت تغادر فجأة،
دون موعد مُسبق!
في صنعاء...
حيث احتميت من رياح الزمن،
أطفأت نبضك ذبحةٌ غادرة
لم تمهلك لتقول لنا وداعًا!
يا من كنتَ حين تجلس بيننا،
تجعل للحوار دفء المودة والمواقد،
وللكلمة ظلّ شجرة،
وللخلاف نكهة اتفاقٍ مؤجل!
أيها الشاعر المتفرد الذي قاوم الحياة
كما يقاوم الطائرُ العاصفة،
ها هي العاصفة الكبرى قد أخذتك،
وتركت لنا فراغًا
يمتد كصحراء لا نهاية لها!
سلامٌ عليك...
في رحلتك الأخيرة،
سلامٌ على قصائدك التي ستبقى تتنفس،
وعلى ابتسامتك التي ستظل
تطل علينا من ذاكرة الضوء!
ها هي القصيدة اليوم يثقل كاهلها الحزن، ويضيق بها صدر الورق، بعد أن رحل عنّا الشاعر والأديب كريم الحنكي، من كان للكلمة بين يديه حياة، وللمعنى في قلبه دفء، وللحق في فكره موقف راسخ، كقامة أدبية سامقة، وشاعرًا يمزج بين الرؤية العميقة والحس الإنساني الرفيع.
برحيله فقدنا إنسانًا يسبق الشاعر فيه، ووداعةً تسبق الحرف، وابتسامةً تحاول أن تصالح العالم رغم جراحه الفاجعة، ومن كان في حضوره شيء من الدفء الذي يطمئن الروح!
لكن سلطان الموت، في لحظة خاطفة، قرر أن يضع نقطة النهاية مبكرًا، فجاء خُفية لم يطرق الأبواب، بل يتسلّل مثل ظلّ الليل، وخطف من بيننا كريم الذي كان يضيء لنا العتمة، هنا في صنعاء عاصمة الروح، تلك المدينة التي احتمى بها من صخب العواصف، حتى أسلم روحه فيها إثر ذبحة صدرية!
لكن مثل كريم فإن رحيله لا يُقاس بفقد جسد، بل بفقد نافذة كانت تطل منها أرواحنا على أفق أرحب، فقد كان يكتب وكأنه يزرع في صميم الحياة بذور خلود، لذلك سيبقى اسمه بيننا كما تبقى القصيدة على لسان قارئها بعد أن يُغلق الكتاب، وسيبقى معنا شعورًا أن العالم صار أقل دفئًا منذ أن غاب، تاركًا وراءه فراغًا لا يملأه سوى الصمت الثقيل.
برحيل الحنكي فقد اليمن الكبير اليوم أحد مبدعيه الكبار، شاعرًا وأديبًا ومثقفًا حقيقًا صاحب مواقف وطنية ثابتة وواضحة لا تقبل التأمل مُنذ اليوم الأول للعدوان الغاشم على بلدنا قبل عقد من الزمن يوم صمت واختار أغلب المثقفين اليمنيين الصمت والسكوت تحت مبرر الحياد، رفع كريم صوته عاليًا رافضًا العدوان والتدخل الأجنبي، مباركًا وداعمًا قرار مواجهة الغزاة المعتدين من قبل القيادة الثورية والسياسية في صنعاء!
سلامٌ عليك يا كريم الخُلق والأخلاق، أيها العابر بين الكلمات والأحلام، الذي علّمنا أن الكلمة يمكن أن تكون بيتًا وأن الشعر يمكن أن يكون وطنًا.
سلامٌ على روحك يا كريم الأمجاد، ولتظل الكلمة التي أحببتها شاهدة على أنك كنت هنا، وأنك مررت بيننا شاعرًا، أديبًا، وصديقًا لن يتكرر.
خالص العزاء والمؤاساة لآل الحنكي وفي مقدمتهم سعادة السفير الصديق العزيز: عبدالله الحنكي شقيق فقيدنا الراحل، ولكل أصدقاء ومحبين شاعرنا المرحوم، رحمة الله عليه ورضوانه، وأسكنه فسيح جناته، وعظم الله أجرنا جميعًا.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.