صنعاء 19C امطار خفيفة

سينما بلقيس (الجحملية)

سينما بلقيس (الجحملية)
سينما بلقيس بتعز (منصات التواصل)
إهداء إلى طفولة الأصدقاء...
وإلى محسن الحميقاني رحمه الله، الذي كان كلما يلتقي بي يقول لي "قل إسكندر" وهو يبتسم بمحبة، فأجيبه: "إسندل".
كانت التذكرة بريالين ونصف.
كنا صغارًا، لا نملك الريال ولا النصف، لكننا نملك الحيلة، والصبر، والفرح.
نجلس عند بوابة السينما، نراقب الداخلين، نعدّ الدقائق، ننتظر أن يلين قلب الحارس، فيفتح الباب ولو قبل عشر دقائق من نهاية الفيلم.
فنندفع راكضين، كأننا دخلنا قصرًا،
نجلس على الأرض في الصف الأول، والظل على الجدار يتحرك بتحركنا،
والفرحة تعترينا، رغم أن الفيلم على وشك الانتهاء.
لكن اليوم مختلف.
اليوم عيد،
ونحن نرتدي أفضل الثياب،
وجيوبنا ممتلئة بريالات العيد،
والسعادة تغمرنا كما لم تغمرنا من قبل.
الفيلم هندي: السلاسل وشاكا.
البطل سينتقم من "جبار"، ونحن نعرف ذلك مسبقًا،
لكننا نريد أن نراه يحدث أمام أعيننا، ولو ألف مرة.
أن نشارك البطل في ضرب المجرم،
أن ننتصر معه، أن نحزن لحزنه،
أن نخرج من السينما ونحن نشعر أن الحق لا يُهزم.
نمشي بزهو في الطريق إلى سينما بلقيس:
أنا وسمير، وخلفنا هاني، وإسكندر، وناصر.
نمشي والضحكة مرسومة على خدودنا،
نمشي بمرح،
ولا نخاف أن تتسخ ثياب العيد،
كأننا نحمل في جيوبنا أكثر من الريالات... نحمل الحلم.
ندخل السينما قبل العرض،
نأخذ كراسي متجاورة، مرصوصة،
ويحلّ الظلام فجأة،
وتنطلق الصافرات من هنا وهناك،
فرحةً ببدء الفيلم، تختلف عن صافرات سينما خالي "طفي لصي".
نندمج مع الفيلم كأنه حقيقة، لا تمثيل.
نتأثر بظلم البطل،
نغضب، نهمس، نشدّ قبضاتنا، نمدّ أيدينا الصغيرة كأننا نضرب معه،
ثم ننتشي حين ينتقم،
نصفّر، نصرخ، نصفّق.
نخرج قبيل المغرب،
وقمصاننا مفتوحة مثل البطل، وبقطرات عرق تنساب مثل اللؤلؤ، ووجنتانا طرية بالعرق.
نجرّب قوتنا، كأنها ازدادت بعد مشاهدتنا له.
وسمير يقفز قفزة البطل بخفةٍ وزهو، ونحن لا نستطيع تقليدها،
فنضحك، نركض بفرحٍ طفولي.
نصل إلى بيت سمير،
ندخل المطبخ، نأكل ما وجدنا،
فأمه "زيتونة" تفرح لأكلنا عندها،
تقدّم لنا الأمل بابتسامتها وحنوّها،
كأمٍّ لنا جميعًا.
كان بيت سمير مفتوحًا لأطفال الحارة،
ما أحلى البيوت التي تُطعم الأطفال،
وتفرح بلعبهم قربها،
كأنها تقول لهم:
"هنا، لا أحد جائع، لا أحد غريب، لا أحد وحيد".
***
مرت السنوات،
ولم تعد الصداقة كما كانت،
ولا نحن كما كنّا.
لكن في القلب،
مازالت صداقتنا تعرض ذكرياتنا،
كلما اشتدّ بنا الحنين.

الكلمات الدلالية