العنصرية قاتلة، واليمن ليس ملكاً لقبيلة ولا حكراً على سلالة
قرأتُ منشور لأحد الأصدقاء الكتّاب، وهو دكتور ومثقف أكنّ له كل التقدير والاحترام، صُعقتُ حين لم يجد مايُدين به جماعة الحوثي سوى أنهم من "آل البيت"، ليُعمّم القبح على كل من ينتمي إلى هذه السلالة، ويكتب أن "آل البيت شر محض" منذ 1400 عام وحتى اليوم، من موريتانيا غرباً إلى جمهوريات آسيا الوسطى ودول جنوب شرق آسيا، حيث عاش ويعيش الكثير من الهاشميبن الكرماء الصالحين المتواضعين، الذين لايعرفون السياسة، ولايعرفون الحوثي وربما لايعرفون اليمن، ولاشاركوا في مآسينا وأزمتنا ومطيطنا المطين بطين..
بدا لي ماقرأته لحظة سقوط أخلاقي ومعرفي لاتليق بكاتب يزعم الانتماء لصف النخبة، ولا بغيره ممن يتبنى نفس الخطاب والسقوط الأخلاقي.
من الخطير جداً أن يتحوّل رفض جماعة سياسية مسلحة إلى خطاب كراهية يستهدف سلالة أو عرق بعينه، فهي نزعة خطيرة ومدمرة، لاتهدد فقط الهاشميين، بل تضرب صميم النسيج الوطني، وتفتح أبواب الفتنة الطائفية والعِرقية على مصراعيها، بل منزلقات سحيقة عرفنا نتائجها في بلادٍ أخرى حين انطلقت كرة الثلج ولم يستطع أحد إيقافها، رأينا كيف احترقت راوندا بالكراهية العرقية، وكم مزّقت الطائفية لبنان والعراق وسوريا، وكيف دفع مسلمو البوسنة أرواحهم بسبب التاريخ والهوية، وكيف سُحقت الأقليات في ميانمار باسم النقاء العرقي والديني..!!.
هل نريد لليمن أن يحترق في ذات المسار، هل يكفي أن الحوثي هاشمي حتى نكفر بالدم اليمني الذي يجري في عروق ملايين اليمنيين من أصول هاشمية، بعضهم قاوم الحوثي وضحى بكل شيء، مهجرا من ارضه ومنزله وقبيلته وبيئته، وبعضهم دفع حياته ثمنا في هذا الطريق على يد الحوثيين وجنودهم المنتمين لكل القبائل اليمنية بدون استثناء..
لقد عاشت اليمن قرونا من التعايش العفوي، لافرق بين القبيلي والقاضي والهاشمي وبقية شرائح المجتمع اليمني، الكل أبناء أرض واحدة، يختلطون ويتصاهرون ويعيشون في قرى ومدن واحدة دون أن يسأل أحد غيره عن أصله وفصله..
صحيح أن جماعة الحوثي أشعلت نيران العنصرية عندما رفعت شعار "الولاية" وسعت إلى تكريس الاصطفاء السلالي، لكن الخطأ لايُواجه بخطأ أكبر، ولابتعميم القبح..
المطلوب من النخب أن تُدين هذه العنصرية لا أن تقلدها وتجاريها في الاتجاه المعاكس، أن تجرّم التمييز لا أن تكرّسه كواقع مأزوم، أن تنتصر لفكرة المواطنة المتساوية لا أن تنكفئ على ذاتها وتشجع دعوات التشظي والكراهية.
هل نحارب الحوثي لأنه هاشمي.. الصحيح لا، بل نحاربه لأنه انقلب على الدولة، وسرق الوطن، وأهان الجمهورية، وشرّد الشعب، وأشعل الحروب، أما الهاشمي الذي لم ينتمِ لهم، أو وقف ضدهم، أو التزم الصمت ولم يشارك فعالياتهم وعقيدتهم، فكيف نحمّله وزر غيره..!!
الانتصار على الحوثي لايكون بإحياء لغة الطعن في الأنساب، بل بهزيمته أخلاقيا وقيمياً، وتقديم نموذج وطني جامع يتسع للجميع دون إقصاء أو انتقام أو ثأر، فاليمني لايحتاج من يُذكّره بأصل وفصل خصمه، بل من يُذكّره بأصل قضيته ومايناضل من أجله، قضية الدولة والمواطنة والسيادة والحرية..
مانحتاجه اليوم هو خطاب يُعلي من قيمة الإنسان اليمني كمواطن له حقوق وعليه واجبات، لا كحامل لسلالة؛ يحاربها او يستميت في سبيلها، خطاب يؤمن أن الوطن ليس ملك لقبيلة، ولا حكر على سلالة، ولا إرث لتيار او أسرة، بل ملك لكل اليمنيين، دون تمييز في العرق أو القبيلة او الدين أو المذهب أو المنطقة، فالدين لله والوطن للجميع كما قال الزعيم المصري الوطني مكرم عبيد باشا..
الرد على عنصرية الحوثيين لايكون بتعميم الكراهية على كل من يشبههم في الاسم أو النسب، بل بتحويل تلك العنصرية إلى وصمة يخجل الناس من رفعها، لا تكرارها بمظهر مقلوب.
علينا أن نعي جيداً أننا نقف اليوم على حافة كارثة وطنية، وأن نار الكراهية إذا اشتعلت فلن يكون الحوثي نهايتها بل بدايتها، وحينها لن تبقي ولن تذر، ولن تفرّق بين من بدأها ومن ردّ عليها، فلنقف جميعا في صف اليمن، لا في صف الدم، ولنقل بصوتٍ واضح، لا للعنصرية، لا للتعميم، لا للانتقام، لا للثأر الجماعي، نعم لليمن، وطن ومواطنة، وإنسان يستحق الحياة دون النظر إلى عرقه وسلالته او لون بشرته..
اخيرا، من اللافت وبصراحة موجعة ومؤلمة أن كل من يحاول العبث بهذه الجزئية الحساسة في بناء الأوطان والحفاظ عليها، وتحويل الصراع السياسي إلى خطاب عرقي أو طعن سلالي، هم في الغالب من الإخوة المحسوبين على حزب الإصلاح أو من المقرّبين منه رغم وجود الكثير من الهاشميين العلماء الفضلاء في قيادته، في حين لم نلحظ ذات الحدة والتعميم والإصرار على هذا المنزلق الخطير في خطاب ومقالات معظم الأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى، رغم انهم الاعلم من غيرهم بالنهي الشرعي وأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم في محاربتها والتحذير منها، كقوله تعالى (إن اكرمكم عند الله أتقاكم)، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم مخاطباً بني هاشم (لايأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم)، وهم الأقدر على مقارعة الحوثيين في استحقار عنصريتهم الطائفية المقيتة، وتشذيب خطابهم السلالي..