صنعاء 19C امطار خفيفة

صلاة على الرصيف

وصلنا إلى المنفذ في الظلام، كما يُولد الرجاء وسط تعبٍ لا يُرى.

صلاة الفجر أُدّيت على رصيف الانتظار. أكثر من سبعة باصات أفرغت أجسادًا ترتجف، ووجوهًا لم تنم.

كانت البرودة تلسع الصمت، ولا مسجد، ولا طعام، ولا ماء، ولا حتى اعتذار... وكأن ذنبنا الوحيد أننا يمنيون.

كان ثوب العمرة في الحقيبة، أبيض كنية القلب، لكن القلب نفسه بدأ يتسخ بالخذلان.

الأعين تتبادل نظرات تشبه الأسئلة: هل هذا حقيقة؟

أحد المسافرين يردد دعاءً بالسر، يخاف أن يكون التذمر حرامًا، لكنه لا يملك غيره.

آخر يسند جسده على الحافلة، لا ليستريح، بل كي لا ينهار.

وثالث يصرخ بصمت نحو موظف لا ينظر إليه.

ورابع يشتم بهمس يائس...

"كل ما نريده أن تُعاملونا كأناسٍ ذاهبين إلى بيت الله... لا كأرقامٍ تتعطّل عند المعابر".

المعاملة متعالية، تتجاهل شوقنا، وتتغافل عن أعمارنا التي جاءت إلى هذا المكان تمشي على أملٍ ومالٍ محدود.

رائحة التعب اختلطت بالبرد، والخوف من تأخّر الدخول صار أثقل من كل تعب.

لا أحد يشرح، لا أحد يُطمئن... فقط أوراق تُفحص، ووجوه عابسة لا ترى فينا سوى عبء عابر.

قال أحدهم، بصوت غاضب مهزوم:

"نحن نُعامَل كحيوانات".

لكن وسط الجفاف، ظهرت حياة صغيرة:

بدأ المسافرون يجمعون ما في حقائبهم من فتات الطعام؛ علبة تمر هنا، قوارير ماء هناك، الكعك، وبعض اللبن، والبسكويت، والخبز.

فرشوا ما توفر على قطعة كرتون، وتقاسموا لقيماتٍ لم تكن تكفي، لكنها كانت تُشبع القلب... وربما أكثر بركة من موائد بعضهم.

وعلى الكرسي الأمامي، كانت هناك عجوزٌ تلفّ جسدها بلحاف باهت،

ترتجف من البرد، وتُتمتم بالفاتحة، بينما الدموع تسيل على تجاعيد وجهها.

لم تبكِ من وجع الركبة، بل من وجع الكرامة.

كان صوت بكائها لا يُسمع، لكن صداه ظلّ يرنّ في القلوب التي لم تتبلّد بعد.

ثم نادونا للنزول جماعةً، كالخراف.

اصطففنا على رصيفٍ جانبي بجوار غرفة ضيقة.

دخلنا واحدًا تلو الآخر، بلا سؤال، ولا شرح، ولا خيار.

لم يُفسّر لنا نوع اللقاح، ولم يُعرض علينا.

وقفنا في صفٍّ طويل، يلتف كطابور الخراف حين تُساق نحو سياج المزرعة.

لا حوار، لا حتى كلمة "مرحبًا".

الحقنة كانت أبسط ما في الأمر.

قال أحدهم بعدما عاد إلى الباص، صامت الوجه، غائر العينين:

"حتى العافية هنا تُمنح دون كرامة".

ورغم كل شيء...

حين أُذِّن للفجر، رفعت يدٌ متعبة وضوءها بماءٍ بارد، فصلّت على إسفلت الطريق البارد.

ثم همست، دون أن يسمعها سوى من فوق السحاب:

"اللهم اجعل هذه النية أثقل من كل المعابر".

الكلمات الدلالية