صنعاء 19C امطار خفيفة

العنف المُوَجّه في الحرب اليمنية

تتقاتل في اليمن أطراف عديدة، من بقايا الدولة إلى مليشيات انقلابية، بالإضافة إلى تشكيلات نظامية وشبه نظامية، وجماعات مسلّحة متنوعة. وفي خضم هذا الاقتتال، يبرز تساؤل مهم حول طبيعة العنف المُمارس فيه: هل هو عنفٌ منفلت وأعمى، أم عنفٌ موجَّه بأنماط وضوابط سلوكية معيّنة؟ وهذا ما قد يجعله يختلف عن سياقات عنف أخرى، كتلك التي حدثت وتحدث في العراق وسوريا.

 
القبيلة في اليمن، كما في العراق وسوريا، تقاتل بعضها بعضًا، وتقاتل من أجل بعضها، وتقاتل مع من يدفع، سواء أكان قويًا أم ضعيفًا، ولا تتورع عن مبادلة العنف بالعنف، أو ممارسته كسلوك متوارث في بنيتها. لكن ما يميّز العنف في اليمن لدى مختلف الأطراف هو وجود أنساق رمزية عميقة الجذور تحكم سلوك المتحاربين، وهو ما يسمّيه عالم الاجتماع بيير بورديو "الهابيتوس القيمي"، أي الطريقة التي نعتاد أن نكون عليها؛ كيف يتصرف الإنسان ويفكر ويشعر ويتذوّق الأمور بناءً على البيئة الاجتماعية التي نشأ فيها، سواء أكان قبليًا أم مدنيًا.
 
هذا الهابيتوس يمنع تحويل العنف السياسي والعسكري إلى عنف رمزي وجسدي يمسّ الأضعف في المجتمع، كسبي النساء وإذلال الأسرى، وهو منظومة من القيم الداخلية تُمارَس كأمر بديهي، لا كقرار أخلاقي واعٍ. وفقًا لبورديو، فإن الهابيتوس ليس مجرد وعي فردي، بل منظومة إدراكية ومواقف متجذّرة تنظم السلوك بطريقة غير واعية، فينفذها الفاعلون دون إدراك واضح لدوافعهم الحقيقية.
 
إذن، ما يمنع الحرب في اليمن من أن تتحوّل إلى عنف رمزي وجسدي كما حدث في بلدان عربية أخرى -من سَبْيٍ، أو لطم، أو حلق شوارب ولحى- ليس فقط طبيعة الصراع أو مستوى تحضّر المجتمع، بل هو وجود حدود غير مرئية تُنتجها العلاقة بين الهابيتوس الجمعي ورهانات المتحاربين. هذه الحدود تفرض ضوابط على السلوك حتى في غياب القانون، وتُمارَس بشكل منتظم، حتى في ظل الفوضى وانعدام السيطرة.
لكن يبقى السؤال: من أين جاء هذا "الهابيتوس"، أو تلك الأنماط السلوكية التي توجه العنف في اليمن؟ هذا السؤال يُحيل بالضرورة إلى تاريخ السبي في اليمن، سواء في العصور القديمة أو في الحقب الإسلامية المختلفة. فهل شهدت اليمن خلال تلك الحقب التاريخية شكلًا من أشكال السبي؟

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً