صنعاء 19C امطار خفيفة

الحدود والجدود

كان جدّي علي الحاج، الذي امتدّ به العمر إلى مائة وإحدى وثلاثين سنة، يجسّد بتفكيره وعفويته روح الأزمنة التي كانت فيها القيم الإنسانية تعلو على الاعتبارات الجغرافية والسياسية. لطالما ردّد بثقة وإيمان: "الله موجود والحدود تراب..".

 
لكن لا يا جدّي الطيّب، فالحدود اليوم أسلاك شائكة وسجون ورصاص، والهويّات والجنسيات قوانين جائرة حرمت الملايين من العيش بسلام.
هناك ملايين الأشخاص الذين ماتوا في عرض البحر بحثًا عن إقامة أو موطئ قدم. وهناك ملايين آخرون وقعوا بين الفراغات القانونية والهويّاتية للدول، فنُفي كثير منهم، ليس فقط في براري هذه الدول وعلى حدودها المقفرة، بل كذلك في مياهها الإقليمية ثم في المياه الدولية، ليعيشوا سنوات طويلة على متن السفن والقوارب بلا أرض تستقبلهم، ولا مكان مستقرّ يمكنهم أن يطلقوا عليه اسم بيت أو وطن.
وهناك ما يزيد على اثني عشر مليون عديم جنسية يعانون الأمرّين، بدءًا من فقدان الهوية وما يرافقه من عذابات نفسية وروحية. هذا عدا الكثيرين من ضحايا العنصرية والهويات الضيقة، الذين يموتون ببطء، معذّبين، حزانى، وتائهين في أعماق أرواحهم. وهكذا يغدو من اخترع فكرة "الحدود" الجغرافية، ومن شيّد مؤسسات "الهجرة والجوازات"، مسؤولًا -لا عن تمزيق الجغرافيا فحسب- بل عن صناعة كبرى مآسي الوجود الإنساني، إذ حوّل رحابة الأرض على اتساعها إلى مربعات ضيقة تخنق البشر والحيوانات.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً