شهدنا مؤخرًا واحدة من أكثر جولات التصعيد حساسية في تاريخ المنطقة: إسرائيل تهاجم عمق إيران، وتضرب منشآت نووية، بينما طهران تردّ بصواريخ وطائرات مسيرة، ثم تهدأ العاصفة فجأة. العالم يصفق للتهدئة، و"النظام الإيراني" باقٍ بمؤسساته، وصواريخه، وأذرعه الممتدة.
لكن يبقى السؤال الحارق:
ماذا لو لم تكن إيران؟
ماذا لو أن المشروع النووي هذا كان بيد دولة عربية؟
هل كانت ستُمنح نفس "فرصة الردع والتحجيم"؟
هل كانت ستخرج من الحرب بنظامها السياسي سليمًا، ومشروعها قائمًا ولو بنصف قوته؟
الإجابة، بكل مرارة، هي: لا.
مشروع نووي عربي؟ مستحيل أو مستهدف!
لو أن دولة عربية امتلكت مشروعًا نوويًا – أو حتى طموحًا نوويًا صريحًا – فإن ما ينتظرها ليس سوى واحدة من ثلاث نهايات مأساوية:
1. غزو عسكري شامل، على غرار العراق عام 2003، بذريعة "منع السلاح النووي"، حتى لو لم يكن موجودًا أصلًا.
2. حصار خانق حتى الانهيار الداخلي، كما حصل مع ليبيا حين تخلّت طوعًا عن برنامجها النووي مقابل وعود لم تُحترم.
3. تفتيت ممنهج، سياسيًا وطائفيًا وجغرافيًا، كما جرى في السودان والعراق وسوريا واليمن، حين بدأت بعض الدول العربية تحاول بناء مشاريع ذات سيادة.
بينما إيران – برغم توسّعها ونفوذها وسلوكها العدائي – لا تزال تُعامل كدولة ينبغي احتواؤها لا إسقاطها.
لماذا؟ لأن النظام الدولي لا يخشى إيران كما يخشى وحدة العرب ومشروعهم، ولا يرى أن مشروع طهران، برغم خطورته، يُهدد "المنظومة الدولية" بنفس الطريقة التي يخشاها من يقظة عربية حقيقية.
إسرائيل... وازدواجية التعامل
إسرائيل نفسها تعلم أن أي مشروع عربي قوي – نووي أو غيره – يحمل في طيّاته خطرًا إستراتيجيًا على وجودها، أكثر مما تراه في المشروع الإيراني الذي بات مكشوفًا ومراقبًا ومطوّقًا بأذرع الردع.
ففي الحالة العربية، الخطر لا يأتي من "سلاح نووي محتمل"، بل من إمكانية بزوغ إرادة عربية موحدة، وهذا ما لا تُطيقه تل أبيب ولا عواصم القرار العالمي.
ولهذا، لو كانت الحرب الأخيرة بينها وبين دولة عربية تملك مشروعًا نوويًا، لكان السيناريو مختلفًا تمامًا:
ضربات أولى تُجهز على القواعد والبنية التحتية بالكامل.
حملات دولية لتجريم النظام العربي المستهدف.
تواطؤ إعلامي لتصوير المشروع على أنه تهديد "إرهابي".
وربما تدخل بري وإسقاط النظام.
بينما مع إيران، تكتفي إسرائيل بعمليات دقيقة، وتُبقي على "الملالي" في المشهد، مع تحجيم الطموح النووي فقط، دون تفكيك النظام أو اقتلاع أدواته.
أين الخلل إذًا؟
الخلل في الحقيقة ليس فقط في المعايير الغربية أو الحسابات الإسرائيلية، بل في الداخل العربي نفسه.
لا مشروع عربي موحد يفرض توازن ردع.
لا نظام إقليمي متماسك يردع التدخلات.
لا قيادة عربية جريئة تضع خطوطًا حمراء وتدافع عنها.
والأخطر: لا وعي شعبي يطالب بمشروع مستقل، بل تم التلاعب بوعي الجماهير حتى باتت تعتبر المشروع العربي وهمًا، والمشاريع الإيرانية والتركية بدائل مقبولة!
الخلاصة: الدرس القاسي
الدرس واضح وقاسٍ:
المشروع العربي غائب، لذلك يُعامل العرب دائمًا كأهداف لا كأطراف.
أما من يملك مشروعًا – مهما كان خطيرًا – فالعالم لا يسعى لإزالته بالكامل، بل لإدارته واحتوائه.
فهل من يملك الشجاعة ليبني مشروعًا عربيًا مستقلًا، يكون للعرب فيه دور وموقع؟
أم سنظل نكتفي بمقاعد المتفرجين في مسرح تتصارع فيه المشاريع من حولنا... بينما نحن بلا مشروع؟