في الوقت الذي تعاني فيه حضرموت معاناة حقيقية في أبسط مقومات الحياة، تُهدر الأموال بين الهضبة والساحل على فعاليات عبثية وتجمعات لا تسمن ولا تغني من جوع، وكأن معاناة الناس ليست جزءًا من أولويات من يملكون القرار أو المال.
تلك المليارات التي تصرفها مكونات كالحلف والانتقالي على مظاهر استعراض القوة وزيادة التوتر والشحناء والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد، تُصرف في وقت لم يعد كثير من بيوت الحضارم يجدون ما يسد رمقهم، ويكتفون بوجبة أو وجبتين في اليوم إن استطاعوا.
حضرموت اليوم ليست في حاجة إلى الاستقطابات السياسية ولا الفعاليات الصاخبة التي لا مردود لها سوى المزيد من التمزق والانقسام. حضرموت بحاجة إلى رغيف خبز في يد طفل، وسقف يؤوي أسرة لا تجد مأوى، وحبة دواء لمريض يتلوى من الألم. كان الأولى أن توجه هذه الأموال الطائلة نحو إنعاش آلاف الأسر الفقيرة التي يكفيها القليل لتنهض وتعيش بكرامة. كم من بيت كان سيستنير لو وُضعت هذه المليارات في موضعها الصحيح؟ كم من طفل كان سيلبس، ويتعلم، ويأكل، لو جرى توزيع هذا المال بعدل ووعي ومسؤولية؟
حضرموت لا ينقصها المال بقدر ما ينقصها الإخلاص في توجيهه. تلك الأموال التي تهدر على المظاهر والاستعراضات كان يمكن أن تُحدث ثورة إنمائية حقيقية لو وجدت من يصرفها بضمير ويضع معاناة الناس أمام عينيه. أما الاستخفاف بآلام الفقراء وصرف المليارات على الفارغ، فلن يؤدي إلا إلى اتساع الهوة بين السلطة والشعب، وزيادة الاحتقان الاجتماعي الذي بدأت ملامحه تتسع في كل بيت وشارع.
إن ما يحدث في حضرموت ليس فقط أزمة فقر، بل أزمة ضمير، أزمة رؤية، وأزمة قيادة تضع معاناة الناس في آخر قائمة الأولويات. حضرموت تستحق الأفضل، وتنتظر من أبنائها ومكوناتها أن يكونوا على قدر المسؤولية، فيصرفوا المال في موضعه، ويعيدوا الاعتبار للإنسان قبل الكرسي، وللحياة قبل السياسة.