اليمن: إحدى البلدان النامية "المباحة أراضيها" لإجراء الاختبارات التجريبية للشركات المصنعة للأسمدة والمبيدات المحرمة عالمياً

اليمن: إحدى البلدان النامية "المباحة أراضيها" لإجراء الاختبارات التجريبية للشركات المصنعة للأسمدة والمبيدات المحرمة عالمياً

* د. حسين مثنى العاقل
منذ سبعينيات القرن الماضي، ومعظم أراضي البلدان النامية الأكثر فقراً وتخلفاً والأقل نمواً اقتصادياً في قارتي أفريقيا وآسيا، تمثل أهم المناطق المباحة والمشاعة للشركات العالمية والإقليمية المصنعة لمختلف أنواع المركبات الخاصة بالعناصر الكيماوية لإنتاج أسمدة مخصبات التربة الزراعية، وإنتاج مركبات المواد السمية الخاصة بالحشرات الزراعية وغيرها، وذلك لإجراء تجاربها الاختبارية وقياس نتائج ما سيترتب بعد ذلك من عمليات استخدامها على التربة وصحة الإنسان.
وحتى لا يتهمني المتخصصون في هذا الشأن بعبثية التحدث عن هذه الظواهر الخطيرة والمرعبة والمدمرة، بدون اعتمادي على مراجع علمية وتقارير دولية ومحلية رسمية، تؤكد حقيقة ما ذهبت إليه، فإنني ألتمس منهم العذر مقدماً، بسبب ظروف قهرية وتعسفية يمكنهم معرفتها من الهامش المرفق. ولأن صحيفتنا الغراء "النداء" فتحت لقرائها صفحة خاصة بالبيئة، فقد ارتأيت أن أساهم بما أستطيع طرحه كحق وواجب يستلزم بالضرورة أن يثار كقضية تقلق الجميع، وكمهتم ومتابع لبعض ما يحدث ويستجد من مظاهر التخريب والإبادة الرسمية والمتعمدة لمكونات البيئة الطبيعية في الجمهورية اليمنية، وهذا التعبير لا أرميه جزافاً، ولكن القائمين على الأوضاع الاقتصادية، يدركون صحة وحقيقة ما يرتكب من جرائم فظيعة، يقوم بها عدد من التجار (السماسرة) اليمنيين، الذين للأسف وجدت فيهم شركات إنتاج الأسمدة والسموم القاتلة ضالتها المناسبة في استغلال جهلهم وغباء جشعهم المادي غير المشروع، لتمنحهم عقود التوكيلات التجارية مقابل حصولهم على ما تيسر من فتات الصفقات المحرمة، التي يعتبرونها بحسب انحطاط ضمائرهم الوطنية وفساد قيمهم الأخلاقية على أنها مكاسب جاءت إليهم حسب مزاعمهم "من فضل ربي".
وفي هذا السياق: دعونا نناقش بعض الأسرار الخفية التي (ربما) يجهلها حكام الدول النامية، وتغيب كما نتوقع عن بال رجال السياسة الاقتصادية فيها، الذين وجدوا أنفسهم (بقدرة قادر) مستحكمين على إدارة شؤون الوزارات والمرافق الاقتصادية، وخصوصاً وزارات "الزراعة والتجارة والتخطيط والتنمية" وغيرها.. فكيف تمارس تلك الشركات تجاربها السرية واختباراتها الخفية في أراضي حقول تجاربها؟
قبل الإجابة: تجب الإشارة إلى أن الشركات العالمية المنتجة للأسمدة والمبيدات، لا يمكن أن تسمح لها قوانين وأنظمة البلدان المنتمية إليها والواقعة تحت إشرافها ورقابتها، أن تجري تجارب الاستخدامات على منتجاتها من المركبات الخاصة بالعناصر الكيماوية في أراضيها وعلى تربتها الزراعية وعلى المحاصيل الغذائية بمختلف أنواعها، مهما كانت درجة الضرورة لذلك، وبالذات المركبات الكيماوية الخطرة والمحرمة دولياً. فتضطر الشركة المصنعة نتيجة تلك الضوابط والتشريعات القانونية، إلى البحث عن أغبياء وضعفاء النفوس المصابين بأمراض اللهث وراء غنائم المال الحرام، فتسارع لتعقد معهم صفقات التوكيلات التجارية كمحليين لاستيراد وتسويق شحنات السموم والمبيدات والنفايات والملوثات المدمرة، ليتولوا بسذاجتهم وفوضوية سلوكهم إدخال بضائع الموت إلى أسواق بلدانهم المباحة والمفتوحة حدودها وموانئها، وذلك بحسب "النظم المتبعة"، وعادة "الرزق يحب الخفية" التي أشرنا إليها في عدد الأسبوع الماضي.
وما هو معلوم في هذا الأمر، أن خبراء الشركات المنتجة يراقبون بدقة حركة تصدير شحنات السموم والمبيدات والأسمدة، ويرصدون مسارات دخولها إلى أسواق البلدان النامية، ومنها "اليمن"، ولهم وسائلهم الخاصة في متابعة عمليات التوزيع والاستخدام. وبعد التأكد من طرق استخدام تلك المركبات الكيماوية، التي يجهل التجار المستوردون لها مخاطرها وعواقب ويلاتها ومآسيها الوخيمة، في أراضي البلدان المباحة والمستهترة سلطاتها الرسمية من عدم حرصها على مراقبة منافذها وحماية أراضيها من كوارث الخراب الشامل! يستمر الخبراء التابعون للشركات المصنعة في مراقبة الوضع عن كثب، إلى أن يحين التوقيت المناسب بالتحرك إلى البلدان المستوردة، وذلك بهدف القيام بعمليات جمع عينات التربة ومنتجات الخضروات والفواكه، وإجراء قياس مستوى التغيرات الطارئة عليها، فضلاً عما سيترتب على هذه التغيرات والاختلالات من تأثيرات وانعكاسات سلبية على التربة الزراعية، وأيضاً على الأحوال الصحية والنفسية لسكان البلدان "الضحية".
والمثير للدهشة: أن الشركات المنتجة والمصدرة لمواد الموت والخراب، من شدة حرصها وإنسانيتها المجردة من الأخلاق، تستغل العلاقة السياسية والاقتصادية القائمة بين دولة موطنها ودولة استخدام موادها الكيميائية، فترصد مبلغاً ضخماً من المساعدات على هيئة معونات استشارية، تقدم للدولة النامية، بحيث يتم تحديد عمل المستشارين والخبراء في توظيف تلك المعونة والمساعدات الاقتصادية، والمهام المناطة بهم، سواء كان ذلك بصورة رسمية بين حكومتي البلدين، أو بواسطة الهيئات والمنظمات المهتمة أساساً بدعم المشروعات التنموية المقدمة للبلدان المتخلفة والفاسدة.
وبكل ترحيب وكرم حاتمي وإشادة بعلاقة الصداقة النموذجية، يباشر الخبراء مهامهم الاستشارية بإجراء البحوث والدراسات، وفحص عينات التربة والمنتجات الزراعية من المناطق التي تأكدوا فعلاً من تعرضها لاستخدام تلك المبيدات أو الأسمدة المحرمة. ومن خلال هذه العمليات تدرس النتائج وتستخلص الاستنتاجات بما يحقق الأهداف المرجوة من تجارب المواد السامة والمركبات الكيماوية. وبهذه الأساليب السرية والخفية، التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فإن معظم الشركات المصنعة للموت هي بدرجة رئيسية شركات "إسرائيلية –صهيونية"، أو شركات عالمية لها توجهات استراتيجية بعيدة المدى، ترعاها وتدير مهامها ومقاصد مراميها راكز بحثية وعلمية كبرى، سنحاول عرض بعض أهدافها حسب فهمنا المتواضع، في العدد القادم إن شاء الله.
ملاحظة هامة:
في مقال لجمال سيلان عبارة عن تحقيق رائع منشور في صحيفة "رأي" العدد 533، صادر بتاريخ 23 مارس، تحت عنوان "المبيدات.. الطريق الأسرع إلى الموت" ص5، جاء فيه ما يلي:
"حيث يؤكد الدكتور عبدالرحمن ثابت -أستاذ السميات بجامعة صنعاء- أن 1024 مادة كيماوية تستخدم على المزروعات في اليمن، وأن 80? منها يستخدم على مزروعات القات. مشيراً إلى أنه أعد قائمة ب89 نوعاً من المبيدات الخطيرة من ضمن 1024 نوعاً، وأن هذه القائمة لم تطبق حتى الآن، موضحاً أن هذه المبيدات مصنعة من 98 شركة خارجية ومستوردة من 48 بلداً"!
فماذا عسانا أن نعلق على هذه الجريمة أيها الأتقياء والشرفاء، التي يرتكبها تجار الموت ووكلاء استجلاب الخراب والإبادة لشعبكم، والهلاك لمكونات بيئات أرضكم اليمنية؟
* أستاذ الجغرافيا المساعد -جامعة عدن
معتقل سياسي في السجن المركزي –صنعاء

تحية
الدكتور حسين العاقل من خلف قضبان السجن المركزي صنعاء يعبر عن أصدق معاني الشكر وعظيم التقدير والاحترام للموقف الأخوي والنقابي والأكاديمي لزملائه رؤساء الخمس نقابات بالجامعات الحكومية بمطالبتهم المشروعة رئيس الجمهورية بالإفراج عنه، ويأمل ألا يتعرض هذا الحق للتسويف، أو بشروط تعسفية وضمانات تجارية، بينما التهمة سياسية وكيدية على قضايا تتعلق بحقه في التعبير وإبداء الرأي المكفول دستورياً، وليس على قضايا جنائية.