وإلى قلع العيون وقطع الألسن و.. !

وإلى قلع العيون وقطع الألسن و..!

* منصور هائل
توعد طلاب (جامعة الإيمان) باقتلاع عيني طارق الفضلي القيادي في "الحراك الجنوبي"، ورمي "جثته للكلابـ" في حال صدقت تصريحاته التي هدد فيها بانتزاع لسان كل من الشيخ عبدالمجيد الزنداني وعبدالكريم الإرياني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية.
وحسب بعض الصحافة والمواقع الالكترونية، كان الفضلي عبر عن أسفه لموقف الزنداني المرتهن للسلطة، وقال إنه "يبيع ويشتري بلحيته الحمراء".
وأضاف: ليس الزنداني وحده، فهناك الأحمر والإرياني، وقال: "فليعِ الأحمر والزنداني والإرياني وغيرهم ما يخرج من رؤوسهم جيداً. لدينا من يرد عليهم سواء بالكلام أو بالقول أو بالكتابة أو بالفعل، وسوف تطالهم يد الجنوب، وسوف نخرس ألسنتهم إذا لم نقطعها فسننتزعها من مكانها ونعلقها في شوارع الجنوب إذا لم نعلق رؤوسهم".
وبقطع النظر عن صحة هذه الكلام من عدمه، فإن المناخات المحمومة والمسمومة بأدخنة الحروب والحرائق، هي التي فتحت أبواب جهنم التي نشهد، وهيأت الفرص لاجتماع كل هذه الحراب وانصهارها في حربة واحدة جاهزة ومتحفزة لقطع لسان العقل وجز رأس العقلانية والحداثة في أي مكان كان من اليمن.
الواضح أنها مرحلة خفوت صوت الاعتراض العقلاني على جوقة الذهان العصابي العربيدة والمتفلتة في صنعاء وأبين وفي معظم الأرجاء.
واللافت أن التصريحات السابقة هي أكبر وأكثر ما يتردد في المحافل و"المقايلـ"، وعلى نحو لا يشهد على خروج البلاد من مرحلة اللاجريمة، حيث تفقد الجريمة معناها، ويكون القتلة متبطلين والضحايا صامتين، إلا لكي تلج إلى مرحلة قلع العيون، وجز الرؤوس والتمثيل بالجثث ورميها للكلاب.
وليس ثمة ما يمكن استخلاصه من هذا المعطى في بلاد لم تعرف الخلود إلى الراحة على فراش هدنة طويلة قط، بقدر ما انخرطت في سلسلة متدافعة من الحروب المهلكة، حتى أصبح شأنها لا يختلف عن شأن "شخص يتبرع (دون تكليف من أحد) بإحياء حفلة لتقطيع أجزاء من جسده بسكين حادة لهدف واحد: تسلية الآخرين، حيث تصبح هذه البلاد عظيمة ليس نتاج إنجاز، بل بفضل كارثة"*.
وتكبر الجوقة، وتتضاعف مع تفاقم الشعور بكثافة وكثرة الأحداث، ومع المهرجانات والمؤتمرات وحفلات استثارة الذاكرة وتمجيد طقوس العنف و(الموت والدم)، وغلق الشوارع والمساحات العامة، وتصعيد الزحمة والاكتظاظ والتوتر، ورفع مستوى الشعور بالكارثة وتعويد الناس الإقامة على حافتها. وإلى أنكى وأفظع من ذلك تذهب الأمور حين يتكشف المنطق (الحاكم) في صورة من لا يجيد غير التوحم بكارثة، ولا يستطيع إخراج أفضل ما لديه إلا في ظلالها وضمن تمخضاتها.
وتختزن لغة التوحش هذه طاقتها التدميرية الفظيعة من توسلها بالمقدس لتبرير "الوحدة" أو "الانفصالـ" من قبل أطراف عجزت تماماً عن إنجاز "الوحدة" وأطراف غير قادرة بالمرة على إنجاز "الانفصالـ"، فهي دون هذا وذاك نظراً لطبيعتها البدائية التي جعلتها أقرب إلى الجماعات والعصبيات والعصابات المستنفرة لممارسة أعمال القتل على الهوية والنهب بلا حدود، وقطع الطريق وملاحقة بعضها بالثأر، والارتهان لوسائل ومفردات بدائية عند حل المشكلات أو إبرام التسويات في ما بينها.
ومع انحدار جميع (هؤلاء) إلى محشرة التكفير والتكفير المضاد، والتهديد بقلع الأعين وبتر الألسن والتنكيل بالجثث، وتبرير كل تلك الفظاعات بالسعي إلى إنجاز المستحيل، وجب القول: "تباً للمستحيلـ"، فقاطع الطريق لا يمكن أن يبني مخفر شرطة.
< هامش: راجع الزميل رياض رمزي أبواب 2001.
mansoorhaelMail