عيد بأية حال عدت يا عيد

في زمن مضى، وفي كل زمن، سيبقى "شايلوك" اليهودي شخصية مرابية منتقمة، وقد أجاد الكاتب والأديب المسرحي الإنكليزي "ويليام شيكسبير" (1564-1616م) تصويره في رائعته الدرامية "تاجر البندقية".

حقًا، بالأمس كان "شايلوك" فردًا في المجتمع الفينيسي، واليوم يوجد في فلسطين المحتلة ألف ألف "شايلوك"، يغتصبون أرضها، ويدمرون منازلها على رؤوس ساكنيها، ويشردون أهلها من منطقة إلى أخرى، وفي قطاع غزة يقتلون خدجها وأطفالها ونساءها وشيوخها، ويدمرون المستشفيات، ويفرضون الحصار على دخول المواد الغذائية، وفي الضفة الغربية يقتحمون المنازل، ويطاردون الشباب في الأحياء من زقاق إلى آخر، وينتهكون المقدسات في القدس الشرقية، ويضعون السواتر الحديدية والحواجز أمام المصلين، لا يحترمون مشاعر الدول العربية والإسلامية، ولا يقدرون حقوق الإنسان، ولا يضعون اعتبارًا للمواثيق و القوانين الدولية، وقرارات مجلس الأمن، والمبادرات الدولية من أجل السلام، منها مبادرة السلام العربية في مؤتمر القمة العربية المنعقد في بيروت، في 27 مارس 2002م، والتي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، بشأن السلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، والهادفة إلى إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 4 يونيو 1967م، وعودة اللاجئين، والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل. للأسف لم ترَ المبادرة النور، والتطبيع مايزال قائمًا خارج الأطر المنصوص عليها في المبادرة.

وما يحدث هو ابتكار ماسوني صهيوني لتطبيع جديد من خلال الاتفاق الإبراهيمي، محوره الأديان الثلاثة، نسبة إلى إبراهيم (عليه السلام) أبي الأنبياء والرسل، رغم أن اليهود -كما جاء في القرآن الكريم- يعتبرون قتلة الأنبياء والرسل بدون حق، ولا يؤمنون بدين، في قوله تعالى: "ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (آل عمران: 112)، وفي قوله تعالى: "أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقًا كذبتم وفريقًا تقتلون" (البقرة: 87)، وفي قوله تعالى: "... قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين (البقرة: 91).

في واقع الأمر، إن التطبيع تحت عنوان الاتفاق الإبراهيمي في الجوهر ليس له علاقة بالدين أو الأديان الثلاثة، وإنما يعتبر بحد ذاته مخرجًا أو تنصلًا من أي التزامات أو مبادرات للتطبيع من أجل السلام وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، قضية العرب المركزية.

ومن هذا المنطلق، أؤكد أن ما يتشدق به العدو الإسرائيلي المحتل ومعه الإدارة الأميركية إنما هو وسيلة للاستفراد بكل دولة عربية على حدة، وهنا مكمن الخطورة على هذه الدول والمنطقة عمومًا.
ويرى مراقبون أن تطبيع الدول العربية مع العدو الإسرائيلي المحتل وفقًا للطريقة المذكورة، إنما يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، والتوسع في المنطقة قليلًا قليلًا، بغية السيطرة على مقدراتها وجزرها وممراتها الاستراتيجية، فضلًا عن إنشاء قناة بن غوريون المنافسة لقناة السويس، وتغيير المعالم العربية، والمقرر أن تمتد من سواحل الهند الغربية إلى البحر الأبيض المتوسط، والغاية الكبرى من كل هذه المسائل المذكورة تتمثل بتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد وصفقة القرن والهيمنة العالمية كما رسمتها الماسونية الصهيونية الرامية لكبح الصين وشركائها في مجموعتي شنغهاي والبريكس من المنافسة في الجانب التجاري والاقتصادي، والسعي الدؤوب لتعديل النظام العالمي الأحادي القطبية نحو عالم متعدد الأقطاب.
نعود مرة أخرى إلى موضوعنا المتعلق بالعمل الدرامي "تاجر البندقية" الذي يحاول من خلاله الكاتب المسرحي "شيكسبير" توضيح ممارسة اليهود الممجوجة في المجتمعات الأوروبية، ممثلة بشخصية "شايلوك".. على أية حال، لم يصدر الحكم لصالحه في القضية التي رفعها في المحكمة ضد تاجر البندقية "أنطونيو"، والتي كان ثمنها حياة هذا التاجر النبيل، وجاء الحكم مبعث حبور أهالي البندقية.

اكتسب هذا العمل الادبي الدرامي الشيكسبيري الرائع صيتًا وشهرة عالمية بما حمله من مغزى ومضمون، بينما في المقابل خضع هذا العمل لنقد اليهود اللاذع لشخصية "شيكسبير"، كما حاولوا جاهدين التشكيك بأعماله الأدبية، فلم يفلحوا.

الجدير بالذكر، أن المجتمعات الأوروبية -حسب المؤرخين- قاست قرونًا عديدة من دسائس اليهود وفسادهم، وهي عادة متأصلة في جيناتهم.
والشيء بالشيء يذكر، إنه قبل أن يهاجر اليهود إلى العالم الجديد (الولايات المتحدة الأميركية)، حذر الكاتب والفيلسوف والدبلوماسي والسياسي "بنجامين فرانكلين" (1706-1790م)، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية، من خطر اليهود على المجتمع الأميركي، وأكد نصحه بأن يُستبعدوا بنص الدستور قائلًا: "إن اليهود لن ينهجوا مُثلنا العليا ولو عاشوا بين ظهرانينا عشرة أجيال، فإن الفهد لا يستطيع أبدًا أن يغير جلده الأرقط... إن اليهود خطر على هذه البلاد إذا ما سمح لهم بحرية الدخول فإنهم سيقضون على مؤسساتنا وسيطيحون بالمستوى الخلقي وإفساد الذمة التجارية، وخنق الشعب ماليًا واستعباده كما دأبوا عمله في المجتمعات الأخرى... الخ".

لسوء الطالع، دخلوا إلى الولايات المتحدة الأميركية على مراحل، وتمكنوا من التوغل في المؤسسات الإعلامية والشركات والبنوك، حتى ظفروا بمركز صنع القرار، وأصبحوا الآمرين الناهين.

في ما يتعلق بالمنطقة، فلا سبيل يرتجى لأي حل، فكل ما يجري حاليًا أن الإدارة الأميركية تحاول إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" بإيقاف الحرب مؤقتًا لحفظ ماء الوجه أمام شعوب العالم المطالبة بوقف الحرب الغاشمة، لكنه يصر على مواصلة الحرب في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، ناهيك عن رفضه لحل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، تعيشان معًا جنبًا إلى جنب.

وبالتالي لا شيء يدل على حل أو انفراج في الحاضر، وستظل التوقعات والمواقف غامضة والمأساة قائمة، وربما يحدث في الأيام القادمة تطورات نحو الأسوأ في المنطقة إذا ما استمرت الأوضاع الراهنة تراوح مكانها.
في حقيقة الأمر، إن ظهور المقاومة الباسلة بمعنويات عالية، وصمود الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة في بداية طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر 2023م، ورفض كل من مصر والأردن محاولات التهجير القسري للفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، كان بمثابة توجيه صفعة للإدارتين الإسرائيلية والأمريكية، لم يتوقعانها. وبالتالي، خابت مساعيهما وقلبت الأمور عاليها سافلها.

خالص دعائنا وسلام الله مقرونًا بتحايانا من سويداء قلوبنا للمقاومين البواسل والشعب الفلسطيني الأبي في القطاع والضفة والقدس الشرقية، على صمودهم الأسطوري دفاعًا عن الأرض والعرض أمام الأسلحة الأميركية الحديثة التي يمطرها العدو الصهيوني فوق رؤوسهم، مما تسبب عنها حسب آخر إحصائية بأكثر من 33 ألف شهيد، جلهم من الخدج والأطفال والنساء وكبار السن والأطباء والمسعفين والصحافيين والعاملين في مراكز الإغاثة من ناحية، وبحدود 76 ألف جريح من المواطنين من مختلف الفئات العمرية أكثر من نصف عددهم إصاباتهم بليغة من ناحية أخرى. ولم يكفّ العدو الإسرائيلي المحتل عن صلفه، بل يواصل مجازره وتدميره طالما أن إمداد السلاح الأميركي لم يتوقف.

ويحضرني في هذه الأوضاع المأساوية أن أقدم بعض أبيات من الشعر للشاعر د. وليد قصاب، تعبيرًا عن هذه الأحوال:
في غزة نبت الشموخ وأثمرا
وتجاوزت أغصانه هام الذرى
وزها الإباء وراح يعزف لحنه
فشدت به شفة المدائن والقرى
الصامدون الصابرون جبينهم
أبدًا لغير الله لن يتعفرا
أرذال أهل الأرض قد جمعوا لهم
جوعًا وتشريدًا وموتًا أحمرا
لكنهم نحو السماء رؤوسهم
والله ينصر من به استنصرا
لا يسلم المجد الرفيع قياده
طول المدى إلا فتاه الأصبرا

جوهر القول:
لك سلام الله يا غزة والضفة والقدس الشريف وكل شبر من الأراضي المحتلة ومقاوميك البواسل والشعب الفلسطيني الصامد دفاعًا عن الأرض والعرض، وتحمل مشاق المجاعة والعسف والدمار والمذابح البشرية التي يرتكبها العدو الصهيوني المحتل على مدار اليوم، والغريب أن تلك الأفعال غير الإنسانية لم تحرك ضمائر الغرب، أم أن سياسة المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين التي يمارسها الغرب، مقصورة بالذات لخدمة الربيبة إسرائيل؟