عدن

اليوم خرجت ليلًا بعد عزلة وضعت نفسي فيها منذ عقد.. خرجت ورأيت وسمعت وعلمت.. وجدت نفسي في عالم جديد غريب عليّ، وبعيد عن غربتي.. وعني، لم أتبين حقيقة انفعالي بما رأيت.. كأنني سائح ركب قطار الزمن من الوراء وإلى الأمام... أو بين بين.. قد يكون الغيب حلوًا، إنما إنما إنما الحاضر أحلى.. رأيت ناس هذا الزمن الجديد.. أبناء الألفية الثالثة..

ودخلت في فنادق المائة دولار لليلة الواحدة.. وشربت النيسكافيه وقطعة جاتوه بعشرة آلاف ريال...! ولم أرَ أحدًا أمامي.. ولا رأيت وطنًا ورائي.. في زحام قاحل كما يقول شاعر الشعر والشعراء محمود درويش.. ما أشدَّ غربتي وقسوة زماني وفداحة ما فقدت.. وأعثر عثراتي.. هل أنا في أناي؟ أم أنني خارج عني وعن عدن التي ظننت أني أعرفها؟ غريب أنا وغربتي تتباشع وتتقاذفني ظنوني وظنون غيري. ليس ثمة خطأ في الحساب، غير أنني فعلًا قد عشت أكثر مما ينبغي.. ورأيت من الأزمنة أكثر مما يرى! ودخلت في مرآة نفسي لأخرج من دنياي، أولها وآخرها.. ما كان ينبغي أن أمتد في العمر كل هذه المسافة، وكل هذا الوقت.. يا له من إهدار للزمن والمسافات.. وقصور المحاسبة ذهابًا وإيابًا في زمن كثير التناقض بين ما كان، وما ينبغي أن يكون... وما قد فات.

حل الملل الشديد وغمر البهجة، وسعادة البحث، والاندهاش... لم كتبت لنا رحلة التيه التي لا تنقضي أو تصل إلى أي معنى؟ ولم ندور في نفس دائرة اللغز الذي ليس له أي حل؟ لم يتفاقم عجزنا عن التفسير؟ وإلى متى، ومن أي اتجاه نتوسل الإنقاذ؟