البيسمنت: بأي ذنب أغلق؟!

صورة جماعية في مؤسسة البيسمنت(منصات التواصل)
صورة جماعية في مؤسسة البيسمنت(منصات التواصل)

لم أتخيل أبدًا أنه ستأتي لحظة يكون فيها علينا أن نعود من باب البيسمنت، لأن أحدهم أصر على إغلاقه!

لأنه لم يدر في ذهن سبأ الصليحي عندما أسسه، أنه أسس وافتتح صالة للرقص الشرقي المحرم!

أول مبنى كنا كل خميس نذهب إليه بني كما لو كان لمنتدى البيسمنت من حيث التصميم الجميل الذي يتناسب مع أنشطته:
موسيقى
فنون تشكيلية

مؤسسة البيسمنت(منصات التواصل)
مؤسسة البيسمنت(منصات التواصل)

كل أنواع الإبداع رأيناها على جدرانه ذات الأحجار البارزة الجميلة، واستمعنا إلى شباب مثل الورد يؤلف ويغني في ساحة "التغيير"، يبدع ويبدع ويقول للآخرين:
ها نحن شباب اليمن يمكن لنا أن نكون مثل الآخرين!
مع الوقت عندما بدأت آثار 11 فبراير تتلاشى مع الريح، تلاشوا هم أيضًا، وراح كل منهم في اتجاه!
كان باديًا للعيان أننا نخسر...
كانوا شبابًا يتطلعون إلى المستقبل الذي أوصدت الأبواب في وجهه، ليذهب هو الآخر ولن يعود، هكذا بدا الأمر يتكشف شيئًا وشيئًا...
تلك الفترة الحميمة التي قاد البيسمنت فيها باقتدار عدنان السقاف، وفيها سمعنا وشاهدنا وشاركنا حتى أتت اللحظة التي طلب فيها مالك المبنى الجميل إخلاءه، وذلك حقه.

في مبنى على شارع الخمسين، خصص البديل من قبل شقيق سبأ، لكننا جميعًا مشاركين ومحبين ومشجعين، قلنا إن المكان ضيق، والبوفيه تحديدًا كان أضيق، سيجبر ضيقها الشبان والشابات على أن يحشروا فيه..
تم استئجار مبنى في الحي السياسي من طابقين، وعاد نشاط البيسمنت من جديد:

موسيقى عذبة، جرى تحريمها في ما بعد، وصارت تلغى من أية فعالية، وبمبرر واحد أن الموسيقى رجس من عمل الشيطان!

إحدى الفعاليات الثقافية في مؤسسة بيسمنت(منصات التواصل)
إحدى الفعاليات الثقافية في مؤسسة بيسمنت(منصات التواصل)

وعملت إدارة البيسمنت على فصل النساء عن الرجال، ونظر الأمر من قبل جمهور البيسمنت، على أن ذلك أمر عادي، لا مشكلة فيه..
الذي أعرفه أن كل فعالية يتم الاستئذان مقدمًا لإحيائها، وليس في الأمر مشكلة..

المشكلة فرضت نفسها في لحظة طلب مالك المبنى إخلاءه، ليتوقف النشاط من جديد...

ذهب سبأ مضطرًا إلى حيث الرزق في بلاد الله الواسعة، عندما ضاقت البلاد بما رحبت عن الذين ينحتون الصخر بحثًا عن اللقمة الكريمة المغمسة بعرقهم وكدهم وتعبهم.

كان البيسمنت قد قوى عوده ليستمر، وظل سبأ يراقب مولوده بإعجاب من البعد..

أنشطة البسمنت (أرشيف)
أنشطة البسمنت (أرشيف)

كل خميس نسمع عن فعالية جديدة، نذهب إليها ببراءة، وليس بنية سوء مسبقة، شعر يشنف أسماعنا يلقى من قبل أصحاب الشعر، محاضرة حول أمر مهم، احتفاء بكتاب، غياب موسيقى تفهم الجميع غيابها غصبًا عنهم..

استعراض كتاب، صهيب يدرب الجمهور على كيفية الاستفادة من الجمكانة في الحفاظ على أوراقك ووثائقك، ياسين رحمة الله عليه يحاضر حول معمار صعدة وصنعاء وشبام، هواة التصوير ومحترفوه يعرضون لقطاتهم، الغابري ينظم معارض من إبداعاته، مؤرخًا للبلاد كلها بعدسته، فتيات هن بناتنا وأخواتنا يعرضن لوحاتهم ليسمعن ما يقول الجمهور عن عملهن الجميل. آلاء القدسي الصغيرة تعرض خربشاتها الأولى بالريشة الطفلة...

أفلام وثائقية عن زبيد وصنعاء وكوكبان... نشاط يخفف من الوجع العام والخاص. تذهب إلى البيسمنت بهمومك، فتخرج مبتسمًا لما رأيت، وإن لم تشبع بما قدم في الصالة، فهناك المكتبة الهادئة التي تحتضنك للقراءة.

نشاط إنساني بريء تتمناه أن يستمر كل يوم، لكن الخميس ظل يطرز مشاعرنا بما يحمله إعلان البيسمنت الأسبوعي، فنحس أن الدنيا لاتزال بخير.

ينتقل البيسمنت إلى مقر جديد...
يظل جمهوره يلتزم بالذهاب لكي يظل النور هاديًا للأقدام على الطريق..
فجأة يغلق البيسمنت! ويتحول إلى مجرد شقة في عمارة لا عنوان لها!

السؤال الكبير:

لماذا؟
ما هي الجريمة التي ارتكبها القائمون عليه والمشاركون، وكل فعالية يتم أخذ الإذن لها مسبقًا؟!
في هذه البلاد عادة لا أحد يجيب على لماذا؟
عليك أن تتقبل، تصمت..
يبدو أن المكارثية بشعارها مرت من هنا "قولوا ما تريدون، نفعل ما نريد"... ومن قرأ وأبدع لُبِج!
بأي ذنب قتلت؟
لم يجب أحد على ذلك حتى اللحظة..
الآن يعود الخميس يتيمًا ونحن نختنق، أين نذهب لنشنف أسماعنا، ونروي عيوننا؟!
أين نتنفس؟
لأن لحظة أخرى ربما تأتي ومعها تغلق كل النوافذ..
هنا نموت...
ولا عزاء لنا..