4 لجان تحذر أوباما من الاعتماد فقط على "الدعم والتدريبـ" لقوات الحكومة اليمنية التي لم تعد "محل ثقة"

4 لجان تحذر أوباما من الاعتماد فقط على "الدعم والتدريبـ" لقوات الحكومة اليمنية التي لم تعد "محل ثقة"

ما هو شكل التدخل الأمريكي القادم في اليمن؟
> محمد عايش
تستمر الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في التحضير للمواجهة مع تنظيم القاعدة على الأرض اليمنية، مع تضارب في الأنباء بشأن الطبيعة التي ستتخذها هذه المواجهة من ناحية ما إذا كانت أمريكا ستتدخل بفرق عسكرية أو تنفذ قواتها عمليات مباشرة ضد أهداف في اليمن، أم ستكتفي بالمواجهة عبر الجيش اليمني.
قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال ديفيد بترايوس، أكد، الأحد أن بلاده لا تنوي إرسال قوات برية إلى اليمن، مشيرا إلى أن واشنطن تعتزم فقط رفع الدعم المادي الذي تقدمه للحكومة اليمنية.
وقال بترايوس في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» الأميركية إن الولايات المتحدة تنوي مضاعفة مساعداتها الأمنية لليمن، من 70 مليون دولار إلى أكثر من 150 مليون دولار. وأوضح أن وزير الخارجية أبو بكر القربي «أوضح تماماً أن بلاده لا تريد قوات برية أميركية هناك».
وعما إذا كانت هناك خطط لإرسال قوات إلى هناك، قال «لا، بالطبع، نريد دوماً أن تتعامل الدولة المضيفة مع مشاكلها بنفسها، نريد المساعدة، فنحن نقدم مساعدة».
غير أن تصريحات بترايوس قد تكون استجابة فقط لاشتراطات من قبل الحكومة اليمنية على واشنطن بأن تكون عمليات الأخيرة في أراضي اليمن سرية، وألا يتم الإعلان عن أي عمل عسكري لفرق أمريكية خاصة في أي وقت، تلافيا لما قد يلحقه ذلك من أضرار سياسية داخلية على نظام الرئيس علي عبدالله صالح.
ولذلك جاءت تأكيدات الجنرال الأمريكي بعد أيام قليلة على تصريحات وزير الخارجية الدكتور أبو بكر القربي، التي عبر فيها بخطاب عالي اللهجة عن رفض اليمن تواجد أي قوات أجنبية على أراضيه، قائلا إن القوات المسلحة والأمن اليمنيين هما من سيقوم بمهمات محاربة الإرهاب.
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية سارعت، عقب تصريحات القربي، إلى نفي وجود نوايا لدى واشنطن لتجاوز السيادة اليمنية والتدخل عسكريا، وقال الناطق باسم البنتاغون براين ويتمان، الخميس، إن بلاده تحترم "سيادة اليمن" وإن الجيش الأمريكي سيركز على "توفير المعلومات الاستخباراتية والتدريب لمساعدة اليمن على محاربة مسلحي القاعدة"، وأردف أن "اليمن حكومة ذات سيادة تماما مثل باكستان. ونريد العمل مع مسؤولين حكوميين بالطرق المفيدة لهم".
لكنه لم ينفِ وجود قوات عسكرية كليا إذ قال عن الوجود العسكري الأمريكي: "أستطيع أن أصف ذلك الوجود بأنه متواضع نسبيا، ولكنني لن أخوض في التفاصيلـ".
تصريحات القربي وتطمينات واشنطن جاءت بعد تقارير إعلامية، تستند إلى مصادر استخباراتية وعسكرية أمريكية، تحدثت عن
استعدادات فعلية لفرق من الجيش الأمريكي لتنفيذ عمليات في اليمن، بينما أكدت تقارير أخرى أن فرقا أمنية قد أرسلت بالفعل وأنها تمارس منذ مدة أنشطة متعددة في البلاد بينها عملية القصف التي استهدفت عناصر القاعدة في مديرية المحفد بمحافظة أبين نهاية ديسمبر الماضي.
مؤشرات، على أكثر من صعيد، ترجح أن واشنطن لن تستغني عن إرسال قوات وفرق خاصة لملاحقة القاعدة في اليمن، خصوصا في ظل التشكيكات المتزايدة من قبل دوائر رسمية أمريكية بجدوى الاعتماد فقط على دعم الحكومة اليمنية ماليا وعسكريا في هذه المهمة، وذلك بالنظر، طبقا لهذه الدوائر، إلى عدم فاعلية الحكومة وأجهزتها الأمنية، إضافة إلى افتقار صنعاء لـ"الجدية" المطلوبة في الحرب على الإرهاب.
ففي يوم الأربعاء الماضي حثت 4 لجان من اللجان المهمة داخل الكونجرس الرئيس أوباما، بعدم الاعتماد على المساعدات العسكرية فقط، قائلة إن التجربة أثبتت أن الاكتفاء بالدعم والتمويل للحكومة اليمنية "هو أمر بالغ الخطورة" إذ إن هذه الحكومة باتت "فاقدة الثقة" و"محاصرة من قبل القاعدة" طبقا لنص رسالة وجهتها هذه اللجان إلى أوباما.
وتعزو تقارير غربية أسباب انتشار القاعدة في اليمن، وتحول البلاد إلى ملاذ آمن للتنظيمات المتطرفة، إلى عدم تعامل صنعاء مع مشكلة الإرهاب كـ"أولوية"، إضافة إلى الفساد الذي يعيشه النظام الحاكم ووجود زعيم على رأسه يعطي الأولوية لـ"مصالح عائلته" طبقا لصحيفة "نيويورك تايمز" نقلا عن عسكريين أمريكيين.
بينما كانت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية حذرت، بداية الأسبوع، من خطورة تسليم حكومة اليمن أي معونات أو دعم عسكري، كما رأت، في افتتاحية لها، أن قيام أمريكا وبريطانيا بتدريب أي فرق يمنية خاصة لمكافحة الإرهاب سيكون "سلاحا ذا حدين" لأن الحكومة يمكن أن تستخدم هذه الفرق ضد معارضيها الذين تتعمد وصفهم بـ"الإرهابيين" و"حلفاء القاعدة"، في إشارة من الصحيفة إلى الحراك الجنوبي والمقاتلين الحوثيين الذين تربط التصريحات الرسمية في اليمن بينهم وبين تنظيم القاعدة.
وتكاد معظم التناولات الإعلامية، أو التقارير المتخصصة الصادرة عن مراكز غربية، تجمع على التقليل من شأن أي "دعم عسكري" أو "مالي" لليمن في حل مشكلة الإرهاب، بينما تتحدث أيضا عن التدخل العسكري الأمريكي المباشر باعتباره حلا قد "يخلق المزيد من المشاكلـ" في بلد يعيش أزمات وانهيارات مختلفة وعلى أكثر من صعيد.
هذا الواقع يخلق حالة من الإرباك لدى الأمريكيين بشأن ما عليهم فعله حتى الآن مع اليمن: «لا أعتقد أن لدينا استراتيجية للتعامل مع اليمن؛ لكن أعتقد أن لدينا بعض الاستجابات. وهناك صعوبة في التعامل مع ذلك نظرا لأن المشكلات التي تعاني منها اليمن ضخمة للغاية لدرجة أنك تتوقف تقريبا قبل أن تبدأ" كما تحدث إدموند هول، السفير الأميركي لدى اليمن خلال الفترة من عام 2001 حتى 2004.
وبرأي "النيويورك تايمز"؛ لا تشكل المساعدات العسكرية الاستخباراتية، التي اتضحت في الضربات الجوية الأخيرة على مواقع التدريب التابعة لـ«القاعدة»، النطاقات التي ينبغي على الإدارة الأمريكية التعامل معها في اليمن، بل ينبغي أن تطور الإدارة "خطة متماسكة للتعامل مع الفقر المدقع والفساد المستشري في اليمن، بحسب ما ذكره دبلوماسيون سابقون وخبراء من خارج البلاد، يقولون إن هذه المشكلات هي السر في انجذاب الإرهابيين إلى اليمن".
ويظل احتمال التواجد الأمريكي بفرق عسكرية وأمنية هو الاحتمال الأرجح، بالنظر إلى طبيعة ما أصبحت تعنيه المعركة مع الإرهاب في اليمن بالنسبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي يواجه انتقادات شديدة من خصومه الجمهوريين تتهمه بالتخلي عن سياسات "مكافحة الإرهابـ" والتهاون بشأنها ما أنتج خطرا متزايدا على أمن الولايات المتحدة خصوصا بعد إفشال محاولة تفجير الطائرة الأمريكية ليلة عيد الميلاد من قبل النيجيري القادم من اليمن عمر الفاروق عبدالمطلب.
وحين اتهم أوباما رسميا، بداية الأسبوع الماضي، القاعدة في اليمن بالتخطيط لاستهداف الولايات المتحدة، معبرا عن النوايا الحازمة لإدارته لمواجهة هذا التنظيم، فقد بدا للمراقبين كما لو كان ذلك إعلانا رسميا من الرئيس الأمريكي بالحرب، ولكي يخفف الحزب الديمقراطي من حدة انتقادات الجمهوريين وتأثيرهم على الرأي العام لا أقل من أن يقدم أوباما على تحقيق "انتصارات" كبيرة ضد قاعدة اليمن في هذه المرحلة، وهي الانتصارات التي بالتأكيد لن يحققها مجرد مساعدة الحكومة اليمنية العسكرية والأمنية؛ بل فرق خاصة من الجيش الأمريكي، كي، على الأقل، يكون النصر كاملا أمام الرأي العام الداخلي في أمريكا.
ولواشنطن تجربة في تنفيذ العمليات العسكرية في اليمن كشف عنها مؤخرا، وطبقا لتقرير قدمته إلى الكونغرس، لجنة خدمة أبحاث الكونجرس الأمريكي، ففي أعقاب هجمات 11 سبتمبر من عام 2001، سمح الرئيس علي عبدالله صالح لمجموعة صغيرة من القوات الخاصة الأمريكية وعملاء المخابرات المركزية بالتواجد في اليمن لمحاربة تنظيم القاعدة.
وفي نوفمبر عام 2002 سمحت الحكومة اليمنية للولايات المتحدة بتوجيه ضربة صاروخية ضد مقاتلين من القاعدة في صحراء مأرب، أسفرت عن مقتل 6 بينهم أبو علي الحارثي، الذي ساهم في التخطيط لتفجير المدمرة كول.
كما تواترت التكهنات بأن الولايات المتحدة كان لها دور في الهجمات الصاروخية ضد تنظيم القاعدة في أبين الشهر الماضي، وعندما طلب من روبرت وود المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية تأكيد أو نفي ذلك الدور رفض التعليق لكنه قال "أستطيع أن أقول لكم إننا نتعاون مع الحكومة اليمنية والحكومات الأخرى حول العالم في محاربة تنظيم القاعدة".
وينبغي التأكيد هنا على أن مجرد "الدعم والتدريبـ" للقوات المسلحة اليمنية كان أصلا موجودا منذ سنوات، والحديث عن اكتفاء الأمريكيين بزيادة هذا الدعم، يتناقض وحقيقة وصولهم إلى الفشل أصلا في برامج الدعم السابقة بدليل تنامي أنشطة الإرهاب واطراد ضعف القوات الحكومية أمامها، ما يعني أن الصخب الأمريكي القائم الآن لا ينطوي إلا على ما هو أكبر من مجرد زيادة الدعم، وهو التدخل بقوات مباشرة، ولكن محدودة إلى حد ما.