ماذا يقولون عندما يسمعون؟

هل يضحكون؟
هل يغضبون؟
ماذا تكون ردود أفعالهم حيال ما يقال عنهم أو لهم؟ إن على صعيد المسؤولية التي تحملها، أو تلك التي تتناولها كأشخاص، فتخلط بين ما هو عام وخاص!

لفتت نظري الصورتان اللتان أنزلهما في صفحته فؤاد الجنيد: أحمد بن مبارك ومعين عبدالملك، وهما السلف والخلف على كرسي الحلاق إن صح التعبير!
لا أدري، هل استخدم الفوتوشوب في إلباس الاثنين نفس الملابس؟ أو أنها حقيقية، لا يهم الأمر إلى الحد الذي يشغلنا عما هو أهم.. التعليق الذي أورده فؤاد وأوحى به من خلال الملابس الموحدة، أن الاثنين يتشابهان، هذا على صعيد "الفشل الذي رافق معين، والفشل القادم مع بن مبارك"!
الذاكرة الشعبية لها تخريجاتها في أمر المسؤولية، لكنها معظم الأحيان يشطح بها أفراد يذهبون بعيدًا، فترى أحدهم يبالغ -ربما نشوة القات- يقول لك:
إن أحمد بن مبارك متزوج أخت معين عبدالملك! طيب إذا كان هذا حقيقيًا، فأين الاندهاش فيه؟ يتزوج أخت معين أو أخت أي يمني، هي مسألة شخصية يفترض ألا يدخل ضمن تقييم أي إنسان يجلس على كرسي المسؤولية.

الصورة والتعليق أوحيا إليّ بهذه السطور، فقد سألت فورًا:
ترى ما هو رد فعل المسؤول حيال ما يقال؟
بعضهم يطنش متكبرًا كما هو حال علي محسن عندما وصف الشعب اليمني بأنه "شعب غاغة"! وآخر يستفيد مما يقال على صعيد مراجعة النفس ومعرفة اتجاهات الرأي العام حيال الوظيفة العامة، وآخر يبتسم للنكات ورسوم الكاريكاتير حياله كمسؤول:

علي عنتر أكثر مسؤول يمني ردد الشارع النكات عنه.. منها أنه ذهب إلى الاتحاد السوفيتي للدراسة، سكن لدى أسرة روسية ليتقوى في اللغة، كما قالت النكتة إن مندوبًا من وزارة الدفاع في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ذهب إلى موسكو يطلع على أحوال "الرفيق علي عنتر"، وتقدمه من عدمه في الدراسة، طرق الباب فإذا بسيدة روسية تظهر وتسأله: من تشتي! وفي آخرها قيل إن السفارة يومها بعثت ببرقية إلى عدن تبشر القيادة بنجاح عنتر واحتلاله الترتيب الثالث في قائمة الناجحين، باركوا للرفيق تفوقه، وكان السؤال:
بين كم من الرفاق؟ قيل:
بجانبه اثنان آخران، المدرسي والسبورة!
كان علي عنتر رجلًا بسيطًا، وكل صباح عندما يأتي إلى مكتبه يكون أول سؤال عن آخر نكتة! واشتهر بالقول:
هاذيك الأيام لم نكن نفهم ما يقول!
عندما قالوا له: كيف أصررت على طرد عبدالفتاح، والحين تشتيه يعود وبإلحاح!
كان تلقائيًا علي عنتر، فقد تم إلقاء القبض على طالب مستجد في أحد المعسكرات، لأنه شتم الرفيق...
عندما جيء به إليه، سأل:
أيش قلت؟
تردد
أصر عليه أن يقول إذا يريد إطلاق سراحه، قالها:
"سبيت لك عارك"، رد علي عنتر وبسرعة:
"... عارك"، وأمر بإطلاق سراحه..
جمال عبدالناصر كان يسأل كل صباح عن آخر نكتة، الرجل كان يقيس اتجاهات الرأي العام..
هنا، اشتهر السلال بتلقائيته، على سبيل المثال، عندما طالبه أصحاب ذمار بميناء مثل أصحاب الحديدة، رد في الخطاب الجماهيري:
عليكم البحر وعليّ الميناء..
أما تلك العجوز التي شكت إليه "جنون" ابنها، فرد عليها:
"أنتي معك مجنون، أنا معي خمسة مليون"!
ويحضرني هنا حسن بديهة المشير:
ذكر الصديق والزميل أنور العنسي أنه في الأردن، وإبان وثيقة العهد والاتفاق، تلك التي سماها لي الشيخ عبدالله بن حسين، في حوار لي معه لمجلة "الدولية"، "وثيقة العهر والنفاق"، وفي الفندق صادف الملك حسين وعلى يمينه علي عبدالله صالح وعلى يساره علي سالم البيض، كانا يهددان بعضهما بكلام قوي، جعل أنور بعد مرورهما يذهب إلى المشير، ليقول له:
"الحرب قادمة".
سأله ببرود:
ما الذي حصل؟
حكى له أنور...
رد المشير:
وأنت ما عليك؟
كيف ما عليّ؟
قال المشير:
أنت داري ما هي الدعممة؟
أدري، قال أنور.
وداري ما هي " البوراد".
نعم أدري.
قال السلال:
لوما ترجع صنعاء اطلب من زوجتك أن تعصر شوية دعممة وقليل بوردة وتخضبهم وشربت ونمت.
أضاف بحسرة:
يا بني هذا هو تاريخ اليمن!
في البوست الذي أنزله فؤاد الجنيد كلام مؤدب، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأعراض والكرامات مصانة، ولكل منا حق انتقاد أكبر مسؤول في البلاد، لكن أن نشتمه كشخص ونعرض كرامة أهله لما يسيء، لا وألف لا..
لا أدري ما هي ردة فعل كل من معين وبن مبارك.. وأدري أن ما كتبته هنا ليس بإيعاز من أحد، ولا ما قد يفسره ضيقو الأفق دفاعًا عن أحد، لا..
على أن عليَّ الإشارة إلى مسألة شخصية تخص صاحبها، لكن ما نشر عن أن بن مبارك متزوج أخت معين، غير صحيح كليًا.

دعاني أحمد عوض بن مبارك، وهو صديق من لحظة أن كتبت عنه في الثورة ذات صباح، بعد أن دعاني الزميل عبدالله حزام لحضور ندوة أو ختامها في الجامعة، استمعت لبن مبارك، أعجبني طرحه، وتمنيت في ما بعد لو أنه ظل مدرسًا في الجامعة، لكن السياسة تستهوي الناس وعلى رداءتها! يعجب كثيرين بريقها؛ البريق الذي تكتشف في آخر لحظة أنه رماك على قارعة الشارع.

تلقيت ذلك المساء دعوة لحضور عرس نجله، وبالفعل حضرت إلى تلك القاعة القريبة من محطة قرقر في فج عطان...
مددت يدي لبن مبارك الذي انتحى بي جانبًا، قال ضاحكًا:
أنا أدور على شيخنا ولم أعرف أنك أنت؟
قلت:
كيف؟
قال:
سألت عن شيخ قدس، قالوا عبدالرحمن بجاش.
استغربت أيضًا، قال:
أنا متزوج من قدس..
وانتهت الحكاية إلى هنا.