علي العاضي: ثمة قيادي.. ثمة إنسان

الراحل علي العاصي (النداء)
الراحل علي العاصي (النداء)

الإدارة علم وفن وإنسان.. أحد النادرين، كان ذلك الرجل رحمه الله. تعرفت عليه من خلال أبينا اللواء يحيى الكحلاني، أحد أبطال السبعين، وزميل عبدالرقيب عبدالوهاب.

كان كلما جلس إليه، وتأتي الصحافة على لسانه، يقول للكحلاني:

أنا أحترم المساح وبجاش.

ذات مساء، وكنا يومها لا نتعاطى القات -أيام مجد الكرة- نقضي معظم مساءاتنا في النادي، وعلى مدرج الظرافي الغربية.

ذهبنا إليه، استقبلني بما أحرجني من كلام عالي التقييم، وسأل عن المساح..

كنت أعرف علي العاضي شكلًا..

بالصدفة كنا في نادي الخريجين وراء فندق الزهراء، أيام سلطان زيد ومحسن الرداعي، ذلك المساء كان البردوني يحاضر، لم أتذكر ما قال، أثار تساؤل العاضي، أتذكر رد البردوني:

يا علي أنا عليّ أتكلم ولست وزارة العدل أو قسم الشرطة!

تكررت زياراتنا له..

ذات مرة خاطبنا:

أنا بحاجة إلى مدير مكتب، رد الكحلاني:

تمام.

خرجنا...

عدنا إلى النادي، وقد اقترحت فلانًا من الزملاء..

ذهبنا به اليوم الثاني، فسلمه المكتب.

ذات صباح مبكر، ذهبنا إليه حوالي التاسعة، وجدناه ولم نجد مدير المكتب، سأله اللواء يحيى:

أين فلان؟

رد، وكان العاضي جادًا على الدوام:

هو يحضر عند العاشرة!

ومدير عام المؤسسة الاقتصادية العسكرية يحضر عند السابعة صباحًا..!

وإذا أتى من يريد المدير العام، يسأله:

المدير موجود؟

يرد بنزق، شوفه داخل...

صمتنا..

قال يحيى: استبدله بغيره.

قالها العاضي:

أنا أترك الشخص حتى يضيق هو! حدثت نفسي:

وهذا أسلوب آخر في الإدارة.

ذلك ما حصل..

تقدم صاحبنا برسالة:

أطلب نقلي إلى حظيرة الأبقار..

أشر عليها العاضي:

ينقل إلى حيث طلب ويجد نفسه..

عاد يطلب النقل إلى حظيرة الفرع في تعز، وافق العاضي:

أوافق..

في أمسيات رمضان في دار الرئاسة، كان صوته عاليًا، وذات مرة احتد في الكلام، علق الرئيس:

سأحرجك يا علي، البصل طلبت من الناس زراعته في البيضاء، وظل بين التراب، رد العاضي:

أنتم السبب في عجزنا عن بناء المخازن!

المؤسسة أنشئت أيام الحمدي، كان الهدف منها نبيلًا، جاء من حوّلها إلى منافس للرأسمال الوطني، ومصدر رزق للوبي الفساد الذي قتل البلاد، ولايزال أولاده يعمرون المشهد.

أيامه لبسنا أجمل البدلات وبأسعار رخيصة، كانت المؤسسة تشتري النسيج من سوريا، ويخاط في رومانيا حسب آخر خطوط الموضة. بدلة عرسي لم يصدق أحد أنني اشتريتها من معرض المؤسسة، ظل كل من رآها يصر أنني اشتريتها من معرض الخرباش! مكتبة جميلة، كرسي ودولاب، وماسة، وتوابعها بألف وخمسمائة ريال يومها!

نجف الكريستال، السجاجيد الصينية الضخمة... مؤسسة ضخمة ومهيبة، ولكن..

ذات أربعاء طلب مني أن أذهب إليه، كان أحمد سيف القدسي، مدير فرع المؤسسة، أمامه، أشار إليَّ بالجلوس، سمعته يذكر له عددًا معينًا من الكباش والسمن وكيس رز أو أكثر، ولم أفهم المعنى، لكنني أدركته ظهر الخميس عندما رافقته إلى منزل مدير الفرع، هناك كان مدراء الإدارات ورؤساء الأقسام، تغدينا..

عرفت أن ذلك تقليد استنه علي العاضي كل خميس، أن كل أسبوع يستدعي أحد المدراء ليكون الخميس عنده، ويحرص على أن يتم كل أسبوع حضور عدد من الموظفين، تعلمت درسًا جديدًا جدًا في الإدارة "ضرورة أن يكون المسؤول إنسانًا"، وإلا مع مرور الوقت يتحول الجميع إلى مجرد آلات!

بعض أسابيع كان يخرج بالجميع لقضاء بعد الظهر والغداء خارج صنعاء.

كان علي العاضي نزيهًا، إداريًا محنكًا، قياديًا نادرًا، قادرًا على الابتكار، يمتلك روح المبادرة، والإداري الجامد عليه أن يتحول إلى جدار.

صفات لا يريدها ولا يتعامل بها ومعها لوبي الفساد..

ذات نهار، همس صديق في أذني:

صاحبك انقلب بالسيارة على الطريق بين الحديدة وصنعاء..

عبث أحدهم بالسيارة، ذلك ما قيل يومها..

رحم الله علي العاضي..

لترقد روحه بسلام..