مؤسسة دواجن حضرموت.. نهب برعاية أمنية

مؤسسة دواجن حضرموت.. نهب برعاية أمنية
مؤسسة دواجن حضرموت.. نهب برعاية أمنية

كانت تنتج بيضًا لكل أبناء حضرموت، وباتت اليوم تبيض ذهبًا لمسؤولي شركة استثمارية استأجرت مرفقًا اقتصاديًا حكوميًا قبل سنوات، وحولته إلى ملكية خاصة.

ما سبق ملخص لقضية فساد كبيرة، بطلتها شركة السنابل المحدودة، ويشترك في تفاصيلها مسؤولون رفيعون في الدولة وأجهزتها الأمنية.. وتدور أحداثها في محافظة حضرموت، وتحديدًا بمنطقة فوه ابن سيناء بالمكلا، حيث مشروع مؤسسة الدواجن، الذي كان ينتج 15 مليون بيضة سنويًا.

في العام 1988، قدمت الحكومة الدنماركية، منحة مالية قدرها ستة ملايين دولار، إلى حكومة اليمن الديمقراطية الشعبية، حينها، وذلك لإنشاء مشروع لإنتاج البيض والدواجن، بمدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، وهو المشروع الاقتصادي الهام الذي تأسس في العام ذاته.

مصنع الأعلاف
مصنع الأعلاف

وبعد عقد كامل من تأسيس المشروع، وتحديدًا العام 1998م، تم تأجير المزرعة لشركة السنابل المحدودة المملوكة حاليًا للشيخ أسامة باوزير، بمبلغ زهيد بلغ مليونًا وثلاثمائة ألف ريال سنويًا، ولمدة 25 عامًا، انتهى في يوليو الماضي.

تبلغ مساحة المزرعة نحو 342 فدانًا، وبلغ حجم الإنتاج في ذروته 15 مليون بيضة في السنة، وبطاقة إنتاجية وصلت إلى 32 ألف كتكوت في العام. وتضم مصنعًا لإنتاج الأعلاف، وثلاجة مركزية سعتها التخزينية مليون بيضة.

كانت مزرعة الدواجن بحضرموت أحد روافد الأمن الغذائي في حضرموت، حيث كانت تغطي السوق المحلية بالبيض والدواجن.

عقب سيطرة تنظيم القاعدة على مدينة المكلا العام 2015، تعرض مشروع مزرعة الدواجن، للنهب والتخريب، وبعد تحرير المحافظة العام 2016، جرت محاولات لاستعادة نشاط المشروع، الذي كان يعمل فيه أكثر من 200 شخص، لكن عراقيل كثيرة حالت دون ذلك، أبرزها تداعيات الحرب التي اندلعت في البلاد منذ مارس 2015م. واستمر عمل الشركة يتراجع بصورة ملحوظة.

 

من الدواجن إلى التطوير العقاري

أحد هناجر المزرعة عند تفكيكها
أحد هناجر المزرعة عند تفكيكها

في أكتوبر 2019، أعلنت شركة السنابل التحضير لنقل المزرعة إلى موقع جديد، والبدء في التطوير العقاري لموقع المزرعة الحالي، وعرفت عن نفسها حينها بأنها "شركة استثمارية مقرها عدن وحضرموت، تعمل في مجال الدواجن والتطوير العقاري".

شرعت الشركة بتفكيك هناجر المزرعة ومرافقها العامة، وبيعها كخردة، على الرغم من أن أصول المزرعة مملوكة للدولة، مثلما هو الحال بمساحتها الجغرافية الشاسعة التي بدأت الشركة المستأجرة بتخطيطها كأراضٍ للسكن، وعرضها للبيع. كل ذلك تم دون أن تتحرك أية جهة رسمية، وكأن البلد بات مستباحًا من قبل الجميع.

تربط باوزير رئيس مجلس إدارة الشركة ومالكها، علاقة طيبة بقيادات رفيعة في حضرموت، بينهم عضو مجلس القيادة الرئاسي ومحافظ حضرموت السابق فرج البحسني، مثلما تربطه علاقة مصالح مشتركة مع قيادات أمنية وسياسية أخرى في المحافظة، لكن ذلك لا يبرر الصمت إزاء التصرف بأموال الدولة وممتلكاتها.

نهاية العام 2019، تقدم مكتب الزراعة بحضرموت، بدعوى قضائية ضد شركة السنابل بتهمة الاعتداء على أموال الدولة، لكن محكمة الأموال العامة بالمحافظة أصدرت حكمًا ابتدائيًا لصالح شركة السنابل، وتضمن الحكم أيضًا إلزام مكتب الزراعة والري بدفع مليون ريال للشركة، مقابل مخاسير إجراءات التقاضي التي استمرت حتى سبتمبر 2022.

مثل الحكم صدمة لمكتب الزراعة والري، الذي قدم استئنافًا للحكم الذي اعتبره في رسالة وجهها للنائب العام، حصلت "النداء" على نسخة منها، مليئًا بالعيوب والمخالفات والأخطاء القانونية.
أرفق مكتب الزراعة طلب الاستئناف بعريضة توضح الأسباب، وقدمه لنيابة الأموال العامة المعنية وفقًا للقانون برفع ملف القضية إلى محكمة استئناف حضرموت. لكن النيابة تواطأت مع شركة السنابل، وارتكبت مخالفة قانونية تستدعي المساءلة من قبل النائب العام.

جانب من الأرض الكبيرة للمزرعة
جانب من الأرض الكبيرة للمزرعة

حصلت "النداء" على الخطاب الموقع من رئيس نيابة استئناف الأموال العامة بمحافظة حضرموت، المرفوع إلى رئيس محكمة استئناف حضرموت، بتاريخ 9/10/2023، قال فيه "إن نيابة الأموال العامة تكتفي بالحكم الابتدائي الصادر، وتعتبر قيد الاستئناف كأن لم يكن". وبررت إبطال استئناف مكتب الزراعة بأنه جاء بناء على توجيهات النائب العام.

توجه مكتب الزراعة بشكوى إلى النائب العام، قال فيه إن إبطال النيابة للاستئناف، يعني "إفلات المدعى عليه من العقاب، والتفريط بملك الدولة الذي يستدعي حمايته والدفاع عنه من قبل كل ذي صفة" وفقًا لمذكرة مكتب الزراعة بتاريخ 19/10/2023م، والتي تضمنت مطالبة النائب العام بمخاطبة محكمة استئناف حضرموت بوقف النظر في القضية حتى تقديم الاستئناف، وتوجيه رئيس نيابة الأموال العامة بتقديم عريضة الاستئناف.

لا شيء من ذلك تحقق حتى اليوم، فيما الشركة انتهت من تخطيط وتجهيز قرابة ألف قطعة عقارية مخصصة للبناء السكني مساحة كل أرضية 15م في 12م، وبسعر 40 ألف ريال سعودي لكل قطعة (نحو 60 مليون ريال)، وبمبلغ إجمالي يزيد عن 60 مليار ريال.

تحدث كثيرون عن لوبي كبير وقف وراء نهب أراضي وممتلكات مزرعة الدواجن بحضرموت، وترددت أسماء قيادات من الوزن الثقيل قي الدولة، وتحديدًا في القطاع الأمني الذي يقول البعض إنه الراعي الرسمي لنهب ممتلكات وأراضي الدولة في حضرموت، التي ينتظر أبناؤها تحقيقات شفافة وعلنية للمتورطين ومحاسبتهم.

حيث إن الأمر لا يقتصر على مشروع الدواجن وحسب، بل يمتد ليطال أرضية الإرسال الإذاعي بفوه المكلا، وأرضية حرم المعهد الصحي في المنطقة نفسها، وأراضي جامعتي حضرموت والأحقاف، والحديقة المقابلة لمعسكر شرطة أمن ساحل حضرموت، والمجمع التربوي، وغيرها الكثير، وفقًا لرسالة وجهتها شخصيات اعتبارية في حضرموت، بينهم برلمانيون وقيادات سياسية ومدنية وشخصيات اجتماعية، إلى رئيس الجمهورية ورئيسي البرلمان والحكومة، والنائب العام، ورئيس الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني.
وتضمنت الرسالة التي حصلت "النداء" على نسخة منها، المطالبة بوقف الاعتداء على أراضي وممتلكات الدولة بحضرموت من قبل "بعض السلطات" التي تسعى لتوزيعها كأراضٍ شخصية بدلًا من استغلالها لإقامة المشاريع العامة.

وحملت الرسالة قيادات الدولة المسؤولية الدستورية لإيقاف "هذا العبث من خلال إصدار توجيهات صريحة وواضحة".

فهل يستجيب مجلس القيادة الرئاسي، وبقية السلطات المعنية، لمطالبات أبناء حضرموت، أم أن سياسة التعامل مع البلد كضيعة خاصة مستمرة إلى أجل غير مسمى؟