فلسطين أيقونة كفاحية عربية وعالمية في الألفية الثالثة

بعد نوم عربي عميق ويأس من تغيير الأمر الواقع في فلسطين المحتلة، هب شجعان الأمة في 7 أكتوبر 2023 لتغييره وقلب معادلاته. من كان يتوقع أو يصدق أن الفلسطيني الذي قاسى من اللجوء وبطش ووحشية الاحتلال الإسرائيلي وإنكار حقه في الوجود على أرضه الذي تحول بعد عدوان إسرائيل عام 1967، إلى إنجيل صهيوني -توراتي ملخصه أن فلسطين يهودية -توراتية، وبأن الاحتلال سيبقى إلى الأبد ترجمة لمقولة لهرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية الأوروبية: "القوة فوق الحق"، التي ترجمها عمليًا ديفيد بن جوريون، أول رئيس لوزراء دولة الاحتلال، بقوله: "حدودنا تقف حيث تقف دباباتنا".

إسرائيل ككيان وظيفي لخدمة الاستراتيجيات الغرببة في المنطقة وفي العالم، زرع بالخديعة وبالكذب وبالتواطؤ البريطاني وبإرهاب ثلاث منظمات صهيونية مسلحة سلبت الحق الذي اعترف به هرتزل من صاحبه، وأعلت عليه القوة عمليًا. كان إنشاء الكيان عام 1948 فرصة ذهبية لأوروبا للتخلص من أقلية دينية كانت تكرهها وعاش معظمها في معازل "جيتوهات"، كبشر غير مرغوب في بقائهم، وسميت سياساتها التحقيرية والتمييزية لهم بالعداء للسامية التي لم يعرفها اليهود العرب ومن استضافوهم من اليهود الفارين من محاكم التفتيش في إسبانيا بعد سقوط الحكم العربي فيها عام 1492.

قبل عدوان 1967 كانت إسرائيل تتمنى الحديث إلى أي زعيم عربي أو مصافحته ولو في غرفة مغلقة، وبعد أن اشتد عودها رأت واشنطن أنها جديرة بأن تصبح حليفًا لأمد طويل تعتمد عليه أكثر من أولئك الذين تجمعها بهم في المنطقة مصالح أعظم في النفط والاقتصاد والتسليح. هذا التحالف أغوى إسرائيل بالزعم أن الفلسطيني لا يستحق وطنًا ولا دولة، وأنه يمكن أن يظل محتلًا من قبلها أبد الدهر، وأن كل ما يمكن أن تتفضل به إسرائيل عليه من "تنازل" هو منحه حكمًا ذاتيًا مقيدًا تحت هيمنتها لا يسمى دولة، لأن الدولة نافية لشرعية الكيان، وتذكر العالم بقرار تقسيم فلسطين عام 1947 إلى دولتين، وبأن إسرائيل دولة ناقصة الشرعية إن لم تكن فاقدة لها بالكامل لعدم تطبيقها هذا القرار. اكتساب الشرعية بالقوة والأباطيل ظل مسلك دولة الاحتلال، وكان ولايزال رفع علم فلسطين في شارع الشيخ جراح بالقدس المحتلة، على سبيل المثال، عملًا استفزازيًا للمستعمر ولدولته، يقاوم رفعه بالقوة. لقد ووجه رافعو علم فلسطين بعنف مزدوج من جيش الاحتلال ومن الغرباء "الجونيم" القادمين من أوروبا وأمريكا، طلبًا لعيش رغيد تدعمه الولايات المتحدة ماليًا بما لا يقل عن 20 مليار دولار سنويًا.

أمريكا وعدة دول أوروبية تنصاع لسياسة واشنطن في العداء لشعب فلسطين وحقوقه المشروعة، وتراوغ في تحديد موقف واضح من حقه في الحرية والاستقلال وتقرير المصير والدولة. لم يعانِ أي شعب كمعاناة الفلسطيني الذي لا يرتوي لسرقة الاحتلال مياهه، وعندما يزرع لا يحصد، لأن صهيونيًا أمريكيًا أوأوكرانيًا الخ.. سيقلع ما زرع. للمستعمرين عداء عميق مع شجرة الزيتون الفلسطينية، أحد رموز وجوده، والتي تقتلع عمدًا من حين إلى آخر أمام وسائل الإعلام التي لا تحرك دولها الغربية شفاهها بكلمة استنكار أو إدانة.

لقد أحرق المستعمرون قرية حوارة في الضفة الغربية المحتلة، ودفن الغرب كله رأسه في الرمال. هذه الدول الجبانة لم تستنكر لحظة واحدة نظام الأبارتهايد الصهيوني، ولم تطالب بوقف استعمار الأراضي المحتلة، ولم تفرض أية عقوبة على كيان ينتهك حقوق الإنسان الفلسطيني ليل نهار. ولذر الرماد في العيون فرضت بعضها عقوبات سخيفة على مستوطنين بحرمانهم من دخول أراضيها، ولم تفرضها على دولة الاستيطان وحاميته وممولته.
وصف الأسقف الجنوب إفريقي الراحل ديزموند توتو، بعد زيارته للأراضي المحتلة، نظام الأبارتهايد الإسرائيلي بأنه أسوأ بكثير من نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا قبل زواله عام 1994.

الفلسطيني لن يستسلم لليأس، وسيقاتل حتى تحرير وطنه، وهذا واجبه وحق مشروع له أقرته الأمم المتحدة عام 1979. وبرغم كل نكبات القضية، ومنها الانقسام الفلسطيني، فإن فلسطين ستنتصر، والمستعمر الأبيض لن يبقى محتلًا إلى الأبد، لأن من الحقائق التي لا تقبل الدحض، أن موازين القوى متغيرة دائمًا، وستصبح لصالح فلسطين طال الزمن أو قصر.
كتب أوجين أونيل، الكاتب المسرحي الأمريكي، عام 1931: "لن يصبح سارق المكان مالكًا له مهما فعل".
على إسرائيل أن تقرأ التاريخ جيدًا.