صبرًا آل الشيباني

الأكاديمي الراحل ياسين سيف عبدالله الشيباني
الأكاديمي الراحل ياسين سيف عبدالله الشيباني (شبكات تواصل)

قال عز من قائل: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلًا". وقال عز من قائل: "كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون"، وقال سبحانه: "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" صدق الله العظيم.

بكى البكاء فأبكاني وأشجاني

على فقيد من الأصحاب شيباني

مصيبة فجرت بركان أحزاني

وصيرتني غريبًا بين خلاني

تلقيت نبأ وفاة المغفور له بإذنه تعالى الصديق البروفيسور ياسين سيف عبدالله الشيباني، من قبل صديقنا المشترك الأستاذ عبدالرحمن بجاش، يقول لي من وجع إلى وجع، هكذا تتزاحم علينا الأوجاع، فواحد من رفقة عشاق صنعاء القديمة غادرنا، حيث كنا نزورها بين الحين والآخر، ونذرع حاراتها وأزقتها وبساتينها شبرًا شبرًا، الفقيد وكل من الأصدقاء عبدالكريم الرازحي وحسن عبدالوارث ومحمد عبدالوهاب الشيباني، نتناول وجبة الإفطار (برعي وزحاوق مع الجبنة والزلابيا).

فقلت بأن حشرجة صوت الأستاذ عبدالرحمن قد أبكتني:

بكى البكاء فأبكاني وأشجاني

على فقيد من الأصحاب شيباني

مصيبة فجرت بركان أحزاني

وصيرتني غريبًا بين خلاني

ولسان حالي يقول ما قاله الشاعر:

صرخ النعي معزيًا بوفاته

فصعقت كيف أقول في مرثاته

وهو الذي يعلو بكل شمائل

عن قول ما يحكي قليل صفاته

لم يبقَ في قلمي سوى أناته

ونواح أحرفه وجهشة ذاته

لقد نحر الحزن كلماتي، وجمدها في حنجرتي، وأفقدني ملكة الكتابة، وأعجزني عن صياغة مرثاتي، وأفقدني كل طاقاتي، وحولني إلى كتلة صماء لا حراك بها، فقلمي تجمد عن شجي نواحه، وجفني نضب عن مدرار دموعه، وكلماتي كُفِّنت في كلمة تنوح، وحرف يحترق، وتعبير يبكي، وبيان يشهق، وألفاظ تهطل شجىً وحزنًا. صمت الحرف وانتحر، غاض الدمع واختنق، مات الكلام واحترق...

وما الموت إلا سارق دق شخصه

يصول بلا كف ويسعى بلا رجل

تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته جوار النبيين والشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، وعصم قلوب أهله بالصبر والسلوان وأعظم لهم الأجر وجبر مصابهم.

لقد رحل عن دنيانا رجل غير عادي، عالم وفقيه في القانون الدولي وأستاذ مادة القانون الدولي في جامعة صنعاء. فمثل رحيله خسارة كبيرة ليس على أسرته وذويه وأبنائه وزوجته، ولا بالنسبة لنا نحن أصدقاءه ومحبيه، بل خسر الوطن عالمًا نحريرًا وفقيهًا في القانون الدولي له العديد من المؤلفات والدراسات والبحوث التي نشرت في الصحف والدوريات المحكمة، وأغنت مكتبتنا القانونية اليمنية.

كان الفقيد رحمة الله تغشاه يتمتع بشخصية كاريزمية لا يسع من يقابله مرة واحدة إلا أن يخرج بانطباع عن رجل استثنائي متواضع، كان هاشًا باشًا للكبير والصغير لا تفارق الابتسامة وجهه الصبوح.

وخير ما أختتم به هذه المرثاة أن نتناول سيرته الذاتية باقتضاب شديد على النحو التالي:

الفقيد من مواليد الحجرية، تعز، في ٢١ محرم ١٣٧٩ هجرية، 26/7/1959، متزوج وله ثلاثة أبناء: بنتان وولد.

التعليم: كان من أوائل الجمهورية في الثانوية العامة، وحصل على شهادة الليسانس حقوق، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1982 (وكان ترتيبه الثاني على دفعته).

وحصل على درجة الماجستير (دبلومي القانون العام والخاص) بتقدير جيد جدًا، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1987.

ونال درجة الدكتوراه في القانون الدولي العام، بتقدير ممتاز، مع التوصية بطباعة الرسالة وتبادلها مع الجامعات العربية والأجنبية، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1997.

عمل معيدًا، ثم مدرسًا ثم أستاذًا مساعدًا، فأستاذًا مشاركًا بكلية الشريعة والقانون، جامعة صنعاء.

الخبرات: عمل مستشارًا ثقافيًا في سفارتنا بالقاهرة وفي سفارتنا بواشنطن.

في مجال التدريس: قام بتدريس المواد التالية لسنوات طويلة:

- مادة القانون الدولي العام.

- المنظمات الدولية.

- حقوق الإنسان.

- القانون الدولي الإنساني.

في الجانب الإداري:

- مستشارًا قانونيًا لجامعة صنعاء (1997-2000).

- رئيسًا لدائرة التطوير الأكاديمي (2000-2002).

- مساعدًا لنائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية 2003.

- قائمًا بأعمال نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية 2004.

- منتدبًا إلى وزارة التعليم العالي، ومستشارًا ثقافيًا بسفارة اليمن بواشنطن (2004-2008).

- رئيسًا لقسم القانون الدولي العام (2012-2015).

المؤتمرات والورش:

حضر العديد من المؤتمر والندوات العلمية وورش العمل في الداخل والخارج خلال أكثر من 30 سنة من خدمته في الجامعة.

البحوث والأوراق العلمية:

- المحاكمة العادلة، منشورات منظمة مواطنة لحقوق الإنسان بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، صنعاء، 2019.

- النيابة العامة ودورها في حماية حقوق الإنسان، منشورات منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، صنعاء، 2019.

- الشرطة وحقوق الإنسان، منشورات منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، صنعاء، 2019.

- نصوص ومصطلحات قانونية باللغة الإنجليزية، جامعة صنعاء، مكتبة الصادق، صنعاء، 2019.

- الإطار القانوني لمجتمع المعرفة، وزارة الخطيط والتعاون الدولي بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، صنعاء، 2004.

- الديمقراطية والفقر، حالة اليمن، منتدى البحوث الاقتصادية، المؤتمر الاقتصادي الثاني صنعاء، 2004.

- دليل الى المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان في القانون اليمني والدولي، اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، صنعاء، 2002.

- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأثره على الاتفاقيات الدولية، الندوة الوطنية الأولى لحقوق الإنسان، مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، صنعاء، 1998.

- الأمن القومي العربي، ونظم الأمن الإقليمية الجديدة، بحث مقدم الى ندوة: مستقبل العلاقات العربية بعد تحرير الكويت، مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية، جامعة الكويت، الكويت، 1997.

- مواجهة العدوان في القانون الدولي، دراسة في مدى فعالية نظام الأمن الجماعي الدولي في ميثاق الأمم المتحدة، دار سلامة، القاهرة، 1997.

وقبل عام تقريبًا شرفني الفقيد بدعوة لحضور محاضرة ألقاها في منظمة مواطنة لحقوق الإنسان التي ترأسها الناشطة الحقوقية الأستاذة رضية محمد عبدالملك المتوكل، كان موضوعها عدم دستورية النيابات والمحاكم الجزائية، وأنها صدرت بقرار سياسي لمواجهة المعارضين للنظام، وهي محاضرة سوف أبحث عنها وأعيد نشرها بغية تعميم الفائدة، حتى يتم إصلاح هذا الاعوجاج القضائي، كما تناول عدم دستورية مجلس القضاء الأعلى.

وقد شارك في الندوة والمداخلات المختصون من الفقهاء والمحامين والقضاة الأجلاء، ومنهم الفقيه القانوني القاضي العلامة عبدالعزيز البغدادي. وقد دلل على ما توصل إليه بمواد دستورية، وأوصى بمعالجة الأوضاع، وطالب بتصحيح أوضاع النيابات والمحاكم الجزائية في الجمهورية التي لم تنشأ وفقًا للدستور، وإنما بقرارات جمهورية.

رحم الله الفقيد، وجعل أهله وذويه من "المبشرين" "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون".

أحر التعازي وأصدق المواساة لأسرته وأصدقائه وتلامذته ومحبيه.

الأسيف/ حسن حمود الدولة