الجبل الأمريكي يتمخض عن ولادة فأر ميت في مجلس الأمن

تقبل أمريكا الدولة العظمى، بل الأعظم حتى حين آخر، أن تضع نفسها موضع التابع والخاضع للسياسات الإسرائيلية، ولا يهمها ما يقال عنها بأن سياساتها نحو فلسطين يقررها اللوبي الصهيوني، وليس الإدارة الأمريكية التي تستأسد على كل الدول، بما فيها روسيا الاتحادية والصين الشعبية وحلفاؤها الأوربيون، وأنها تتقزم وتحبو أمام أقدام إسرائيل.

لقد قاومت أمريكا مساعي نخبة "المجتمع الدولي" الأعضاء في مجلس الأمن، بالاستخدام المتكرر لحقها في النقض كدولة دائمة العضوية في المجلس، ضد قرارات طالبت بوقف مستدام للنار في غزة لأسباب إنسانية. البعد الإنساني ليس له أي اعتبار لديها منذ بدء قصف غزة والتجويع والتهجير القسري لسكانها، وهذا يفسر فشل الوفد الوزاري للقمة العربية -الإسلامية الذي زار واشنطن كآخر عاصمة من عواصم الدول الدائمة العضوية في المجلس، في تعديل الموقف الأمريكي لقبول قرارات القمة بكل ما فيها من ضعف وهوان. وظيفة مجلس الأمن الرئيسة هي الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، بعبارة أخرى، إسكات كل مصادر النيران القاتلة، وبخاصة تلك الصادرة عن محتل ومعتدٍ وتوسعي، ولكن عندما يتصل الأمر بإسرائيل فإن أمريكا تفرغ المجلس من أهدافه، وتصيبه وظيفيًا بالشلل، ولا مانع لديها أن تقف منفردة في المجلس، لأن مصالح إسرائيل أهم لديها من معاناة الفلسطينيين، ومن فاعلية الأمم المتحدة.
ولطالما حذرت المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة من كارثة ومجاعة وشيكتين في غزة بسبب استمرار الحرب. السيدة جوليت توما أو طعمة قالت لـ"راديو أربعة"، إحدى إذاعات الـ"بي بي سي": "نحن الآن في نقطة حرجة، حيث يعيش ربع سكان غزة في مجاعة، وهذا نتيجة مباشرة للحصار، وأن ما هو مطلوب الآن هو وقف إنساني للنار، وزيادة المساعدات الإنسانية إلى القطاع".
الأمم المتحدة تقدر أن غزة تحصل فقط على 10% من احتياجات سكانها للغذاء. أما منظمة الصحة العالمية فقد ذكرت أن موظفيها رأوا غزاويين ينتظرون الموت، أما الأونروا فقد أكدت أن معظم سكان غزة ينامون جوعى. القرار المنتظر صدوره اليوم الجمعة 22 ديسمبر، لن ينص على وقف مستدام للنار لاستمرار معارضة أمريكا للوقف، ولدعمها لمجازر إسرائيل في غزة بالسلاح والاستطلاع والخبرة التي ستستمر حتى يشفي نتنياهو غليله ويطفئ نار حقده على المقاومة الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني بتدمير كل غزة وقتل قادة مقاومتها أو استسلامهم وتقديمهم إلى المحاكمة كما صرح بذلك عدة مرات. في هذا الشأن نتذكر ان نتنياهو لم يستجب لدعوات متكررة من واشنطن يعلم أنها لذر الرماد في العيون، ليقلل من أعداد الضحايا المدنيين الذين تزداد أعدادهم، ولم تقل، وقد فاقت العشرين ألف شهيد، بمعدل 267 شهيدًا يوميًا، منذ 7 أكتوبر التحريري المجيد.

 

بُعد آخر للعدوان

السيدة بولا بيتانكور، مقررة الأمم المتحدة لحقوق النازحين، سلطت الضوء على هدف آخر من حرب نتنياهو بقولها بأن "إسرائيل تسعى إلى تغيير التركيبة الديموغرافية لغزة بشكل دائم، وأن استمرار عملياتها العسكرية وأوامر الإخلاء هدفها ترحيل أهالي غزة". إن الهدف النهائي هو احتلال غزة بشكل دائم، وهذا هو وراء ما يُزعم بوجود خلاف بين بايدن ونتنياهو حول منطق الأخير بأنه لن يسمح بوجود "فتحستان" التي تريد القضاء على إسرائيل على مراحل، ولا ببقاء "حماستان" حية لأنها تريد القضاء على إسرائيل دفعة واحدة.

 

الممكن الأمريكي يسود

بعد 75 يومًا من المعاناة، سيعمل مجلس الأمن ضمن الممكن الأمريكي/الإسرائيلي وحده، وهو التصويت على دخول مساعدات إنسانية فقط، وليس على وقف مستدام للنار كما كان نص القرار الأصلي الذي استبدل بنص لـ"الدعوة لخلق الظروف لمثل ذلك"، وهذه الظروف ستقررها إسرائيل وفق استراتيجيتها المعلنة والمضمرة في غزة وفلسطين بشكل عام.
وفوق ذلك، رفضت واشنطن أن يتضمن القرار إنشاء آلية للأمم المتحدة لمراقبة المساعدات إلى غزة، لأنها لا تريد لهذه الآلية أن تحل محل المراقبة الإسرائيلية لما يصل إلى غزة من عون إنساني ووقود. أمريكا المنحازة 100% للعدوان لن تغير موقفها في ضوء مع ما تعلمه من امتناع عربي عن ممارسة أي ضغط عليها لتغيير موقفها الذي تقبله جل الأنظمة العربية كسياسة غير خاضعة حتى للنقاش، وهي لا تحسب للضجيج الإعلامي العربي أي حساب، لأن المهم لديها هو السياسات. وعدم تفكير الدول العربية وجامعتها في "ما بعد".
مندوبة أمريكا في مجلس الأمن رفضت أن ينص القرار على استخدام كل الطرق البرية والبحرية والجوية لنقل المساعدات، ولم يكن أمام الدول الأعضاء الأخرى سوى القبول مضطرة أو غير مضطرة بعبارة "كل الطرق الممكنة" كبديل. غير معروف الآن ما إذا كانت أمريكا ستصوت لصالح القرار أم أنها ستمتنع عن التصويت كي يمرر، ولهذا الموقف دلالته في تشجيع إسرائيل على عدم الالتزام به، وبالنتيجة لا تواجَه بأي اعتراض أو لوم من أمريكا.