اليمن إلى أين؟

استطاعت أطراف الحرب الداخلية اليمنية تكييف اليمنيين مع حالة الحرب، حتى وإن أعلن الراعيان الإقليميان الرئيسيان (السعودية وإيران) نهاية حربهما الإقليمية.

والآن يبدو أن السعودية وعمان، بالتضافر مع إيران، ستجلبان الأطراف المحلية إلى صيغة انتقالية يعمل بموجبها الحوثيون و"الشرعية" على أخذ اليمن إلى "حل نهائي"!

السعودية وعمان والبحر هم جيران اليمن.

البحر الأحمر صار منطقة نفوذ أمريكية منذ السبعينات، وخاصة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. والسعودية هي الجارة الشمالية وعمان الجارة الشرقية. والدولتان، بركم خبرات نصف القرن الماضي، تدركان أن استقرار اليمن هو مصلحة وطنية لأي منهما.

ولئن بدت البديهيات جلية لدى السلطنة منذ قيادة السلطان قابوس رحمه الله بلاده إلى السلام والاستقرار عبر معالجة ملف ظفار منتصف السبعينات، فإن المملكة استغرقت ستة عقود وعدة حروب، أخرها عاصفتها الغشوم، لإدراك أن الحرب ومقاربة "الدولة الحاجز" هما سياستان بائدتان انتهت صلاحيتهما مع أفول الحرب الباردة مطلع تسعينات القرن الماضي.

ماذا سيفعل اليمنيون؟

الحوثيون يفترض أنهم الرابح الأول، فالحرب التي شنتها السعودية ومعها الإمارات (وتحالف عربي) قوته في مناطق سيطرته، لكنها حجمته وطنيا فأغلب الأرض والمياه لا تخضع لسلطته بل لخصومه.

والأهم أن مزايا اليمن الاستراتيجية تقع في معظمها في جنوب وجنوب غرب اليمن حيث لا تصل قوة الحوثيين فعليا. والمغزى أن انخراط الحوثي في أي تسوية هو مصلحة أكيدة له، إلا إذا أراد مملكة الإمام منقوصة بدون "شرعية الإمام يحيى"!

يبدو الحوثي محظوظا قياسا إلى "الشرعية" التي يلخص حالها مجلس القيادة الرئاسي!

يضم المجلس نظريا رجال السعودية والإمارات. والقاسم المشترك بين هؤلاء هو "الحوثي".

عدا ذلك فإن المصالح والطموحات الشخصية والفئوية جعلت من "شرعيتهم" حديث خرافة! وإذا حيدنا السعودية والإمارات فإن معسكر الشرعية هو لقمة سائغة في متناول الحوثي.

سيكون على السعودية، بالتحالف مع عمان، إقناع حليفتها- نظريا- الإمارات بنصح "المجلس الانتقالي" بعدم عرقلة "صيغة" التسوية. سيعني ذلك البدء بالتفكير بالخيارات الواقعية واسقاط ما تأكد استحالته منذ 9 سنوات: دولة جديدة أو "مستعادة" في الجنوب.

اليمن على وشك الخلاص إذ اتعظت النخب والقوى اليمنية من محنة العقد الماضي (2013-2023) وأولها أن الحل لا يكون بتركيبة سحرية تقررها فئة في فندق في شرقي العاصمة حتى لو أضفى عليها الرعاة، عربا وعجما، شرعية إقليمية ودولية (مخرجات الحوار الوطني)، ولا يتحقق عبر استيلاء جماعة على عاصمة اليمنيين وخوض "حروب استرداد" جنوبا وشرقا وغربا، بمظنة أنها تستعيد حكما اغتصب قبل 6 عقود، ولا في محاولة الإفلات من "شمال" متغول عبر استعادة "دولة" ذابت مع دولة الشمال في كيان جديد قبل 3 عقود اسمه "الجمهورية اليمنية".