صنعاء 19C امطار خفيفة

احتجاجات النساء في عدن: عودة الفعل الشعبي من قلب المعاناة

ما شهدته ساحة العروض في عدن، أمس، يُعد مشهدًا لافتًا أعاد إلى الأذهان الحراك الشعبي اليمني، الذي بات غائبًا أو مُغيبًا منذ فترة طويلة، إذ خرجت مئات النساء في تظاهرة حاشدة، تنديدًا بتردي الأوضاع المعيشية والخدمية، وعلى رأسها أزمة الكهرباء المتفاقمة التي تشهدها المدينة منذ أعوام، وللمطالبة بتحسين مستوى المعيشة، ووقف الانهيار في الخدمات الصحية والتعليمية والمياه.

 
لكن ما يجعل هذا المشهد مختلفًا ومؤثرًا هو كونه أول حراك نسوي بهذا الحجم والزخم داخل اليمن منذ سنوات، بل أكثر من ذلك، أنه انطلق من قلب عدن، المدينة التي يُفترض أن تكون عاصمة مؤقتة لليمن الكبير وللحكومة المعترف بها دوليًا. وقد جاء هذا الحراك بعد دعوات نسائية على وسائل التواصل الاجتماعي، تحولت معها المبادرات الفردية إلى فعل جماهيري حقيقي.
تظاهرة نسوية في عدن ( منصات التواصل)
هذا الحراك النسائي ليس مجرد احتجاج مطلبي، بل هو تعبيرٌ وطنيٌّ نقي، يعكس حالة وعي جديدة تنبع من إدراك أن الصمت لم يعد خيارًا، ولا ينبغي له أن يكون، وأن الوطن بحاجة إلى من يُعيد له صوته وسط الفوضى والانقسامات والتجاذبات السياسية.
 
إن عودة الفعل الشعبي المطلبي في الداخل اليمني بعد انقطاع طويل، وبصوت نسائي هذه المرة، تُعيد الاعتبار لفكرة المواطنة والكرامة، وتؤكد أن التغيير يبدأ من الناس، لا من النخب المغلقة على ذاتها. فأي حراك شعبي مطلبي هو في جوهره صوت وطني حقيقي، لا يطالب بالخدمات فقط، بل يعبّر عن الانتماء، والأمل، والرغبة في بناء دولة ترعى مواطنيها. ليس هناك شك في أن هذا الحراك النسوي سيمتد ويتطور، وربما يمهّد الطريق لوعي مدني جديد يُعيد تصويب المسار الوطني نحو أفق أكثر عدالة وكرامة.
 
صحيح أن بعض الأصوات ظهرت تشكك أو تُقلل من أهمية هذه الوقفة النسائية، أو تحاول التشويش عليها عبر الحديث عن "اختطافها" من قبل هذا المكون السياسي أو ذاك، إلا أن مثل هذه الانتقادات لا قيمة حقيقية لها. فالجميع يعلم أن الحركة النسوية اليمنية، بطبيعتها الجامعة، لطالما لعبت دورًا محوريًا في التقريب بين المكونات المختلفة التي تنتمي إليها النساء، وهو ما عجز عنه كثير من الرجال في ميادين السياسة.
 
ولو أُتيح للنساء مجال حقيقي داخل مكوناتهن السياسية والاجتماعية والمدنية، لرأينا أثرًا إيجابيًا ملموسًا على مستوى الوطن ككل. لكن يبدو أن النساء في اليمن اليوم بحاجة أولًا إلى انتزاع حقوقهن من داخل مؤسساتهن وأحزابهن، لا أن ينتظرن اعترافًا أو دعمًا من الرجال. والأهم من ذلك، أنهن قادرات على فرض هذه الحقوق بالوعي المتنامي والتنظيم المتصاعد والإصرار الذي هو أساس كل نجاح، وهذا الحراك خير شاهد ودليل.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً