قمة المعادلة الصفرية

الحديث عن القمة سأعود إليه ريثما أعرج على تفاصيل هامة ذات صلة بالموضوع.
أولًا: غزة خلقت واقعًا على الأرض قلب كافة الموازين والمفاهيم على أرضية ومحتوى النظام اللادولي المتنكر لمبادئه التي صاغتها كل الدول ليتفرد بها طرف بعينه طابعه استعماري امبريالي بحت.

ثانيًا: انقسم العالم خلال مفاجأة غزة المذهلة كما لم ينقسم من قبل، وبطريقة عرت الغرب تحت هيمنة أمريكا، ليفيق من سكرته بعيدًا عن زيف ما يدعون.
ثالثًا: بات العالم أمام مستجد مغاير جوهرًا لما سبق كضرورة وصيرورة تاريخية يعزز مطالب صياغة مشروع نظام عالمي جديد بعيدًا عن هيمنة طرف بعينه جوهره وممارساته وانحيازاته استعمارية امبريالية بحتة باتت الضرورة والمستجد الغزاوي على الأرض يستدعي ذلك يرفض من خلال رفض شعب فلسطين أي مشاريع لا تلبي حقوقه واستعادة أرضه ودولته كاملة السيادة... شاء من شاء وأبى من أبى كما كان يردد الراحل ياسر عرفات.
رابعًا: بدأت الروح تدب من جديد لمفاهيم استعادة مفاهيم ومعاني التحرر الوطني والسيادة الوطنية بعيدًا عن هيمنة الغرب... فها هي إفريقيا تقلب لفرنسا ومحتويات كتابها الرديء ووشاحها الاستعماري لترتدي رداءً وطنيًا يقطع يدها ويد غيرها ممن تعودوا استلاب ثرواتها ومصادرة سيادة قرارها السيادي المستقل... لتكمل غزة بمفاجأتها المذهلة التي أخرجت بايدن وغربه الشيطاني من عزبة الشيطان، شيطان عولمة قاتلة تعيد بأشكال ومسميات باطنها يغاير داخلها، لتغرز مخالبها بأي ثمن على جسد كل من يقول لها لا.
خامسًا: قد سبقت أمريكا اللاتينية ذلك، وها هي تواصل مدى الثورة البوليفارية لتنهي للأبد مفهوم الحظيرة والحديقة الأمريكية الخلفية.
سادسًا: مفاجأة غزة وضعت ليس النظام فقط العالمي المهترئ، بل إنها وضعت النظام الرسمي العربي الأكثر اهتراءً أمام سؤال كبير.... والآن ماذا أنتم فاعلون؟ البحر أمامكم والعدو من خلفكم‼بات العالم أمام مشهد درامي بوجه تبدو عليه الحيرة والدهشة ليرتدي إما وجهًا إنسانيًا غاب عنه عمدًا، وإما وجهًا متوحشًا لم تعد اللحظة الراهنة التي خلقتها غزة تسمح له بالمرور المزيف أو البريء، وهنا الفارق في لحظة حرجة من تاريخ العالم، عالم أمريكي غربي يتعالى على الكل، وآخر حليف له صهيوني التوجه والاتجاه والدعم تمكينًا له ليطرد شعب فلسطين ويحتل أرضه، العالم بات مطالبًا الآن ليقرأ ما يجري لغزة بعيون حية، وليست ميته بعيون غير منحازة، ليقف بمسؤولية أمام الصلف الصهيوأمريكي أوروبي المنحاز مع الجلاد ضد الضحية، والذين يسوقون مفاهيم تروج وتدعم استمرار حمام الدعم عبر تبني منطلقات تقول:

1. لا وقف لإطلاق النار مهما كانت الضحايا مدنيين أطفالًا نساء، لا يهم، الأهم القضاء على داعش حماس، وإطلاق المعتقلين الإسرائيليين لدى حماس، لأنهم خضر العيون بشر، وليسوا مجرد حيوانات كما نعتوا شعب فلسطين.
2. لا سبيل لعودة مظاهر الحياة حتى يتمكن شمشون من هد المعبد المستشفى على رأس أم فلسطين.
3. النظام الدولي عجز عن محاسبة لجم جماح دولة الكيان عن جرائمها وهي ليل نهار تبيد من تبقى من شعب وكيان غزة وفلسطين، ولا بأس لديها تفضلًا إن أدخلت نتفًا من المساعدات المسماة إنسانية، لكن الثمن الذي تدفعه فلسطين يوميًا دمًا أرواحًا حياة، لتذهب أدراج الرياح، وبالمقابل هناك ضمير عالمي خرج من قمقمه يتحرك يطوف يزلزل أرجاء العالم، ذاك ورب العزة أخرج بايدن وشلته عن طورها... ذاك ورب العزة مفهوم وملاحظ... لكنا هنا مثل غزة نسأل نبحث عن دور الأخ والشقيق بعيدًا عن المسكنات عن حكايات قبل النوم، لأنها أولًا ضئيلة ضعيفة معاني معزوفة إدخال المساعدات، فذلك أمر مفروغ منه هو سلاح العاجز يجب أن يرافقه فعل على الأرض ثالث.. بعيدًا عن منولوج تبادل الأسرى كمقايضة تنهي ما يحاولون تسميته وضع نهاية لداعش غزة وسلاحها وقياداتها وعنفها... ذاك مطلب دفعت غزة ثمنه دمارًا ودماء، ولن تقدم للقاتل الصهيوني الغربي وطنها فلسطين على طبق من فضة، ذلك أمر بات نهج حياة الأكثر أهمية لغزة..

إن لم تتحول المفاجأة التي خلقتها غزة مع ما يترافق معها من تضحيات يقدمها شعب فلسطين على أرضه، غزة، شعب فلسطين لن يقبلوا بفلسطين وطنًا حرًا كامل السيادة، فلن تذهب الدماء هباء، تلك رسالة غزة تترجم مفاجأة غزة وليفهمها من أراد أن يفهم

ماذا يعني إصرار فلسطين شعبًا ومقاومته أنه يعني له الكثير، وهو الذي خبر زيف كيل الوعود ليقف رافضًا الدخول في أي مشاريع مساومات رخيصة، وهذه المرة لن تمر على حسابه وعلى جسده، أي أوهام معلقة بالهواء كما سارت أكاذيب زمن ولى... لديه قاموسه السياسي الجديد القديم المطروح تسنده قوة وعبقرية فاجأت من لم يعمل حسابه لحساب الشعوب المستعمرة حين تخرج من قمقمها لقاموسها الجديد وأسسه التالية التي لا تقبل المساومة:

1. لا لنكبة جديدة... لا تهجير جديد... لا رهان على الأرض مقابل السلام.. لا لغزة أريحا أولًا، تلك أراضٍ فلسطينية.
2. لا لإبراهيمية بلهاء تلغي وجود فلسطين أرضًا وشعبًا ودولة كاملة السيادة.
تلك رسالتهم وعيونهم شاخصة ودماؤهم تنزف لإخوتهم عربًا مسلمين مسيحيين تقول:
انتهى زمن الرقص على الجليد... أصبح مصيرنا مسارنا...
وجودنا على مسار جديد... محاط بالنار بالحديد، يحرق كل معتدٍ غاشم أثيم.
3. كل المشاريع الاستعمارية التي كانت وتجددت بدءًا بقيام دولة الكيان وحروبها التوسعية خدمة لأشكال توسعات ومشاريع استعمارية مستجدة أولها تدمير منظومة ما تبقى من كيان الدولة العربية المستقلة، وليس آخرها مشروع قناة بن جريون وطريق الهند الخبيث السريع خدمة لدولة الكيان مع محيط وأسواق من أقاموها.
ذاك كله بات مفهومًا مرفوضًا، لكن الأكثر أهمية سؤال اللحظة الحاسمة المطلوبة عربيًا، تلك التي تلبي معاني ما أنتجته لحظة مفاجأة غزة، ليكون للعرب كيان فاعل ودور يُخشى ويحترم يعمل الآخر المتغطرس له ألف حساب، لأنه كيان عربي إن تعاضد حقًا، إذ هو يمتلك عناصر قوى ولها ثقل بميزان معايير المواقف. الأهم من ذلك تمكنها كيف تخلق على أرضية صلبة خططًا وتوافقات لبيان تأثيرها وخطر قواها ووضعها بساحة المعركة نصرة لغزة لقضية العرب الأولى فلسطين.
كي يتم ذلك فأمر دونه تحديات جمة ترتبط كلها بمواجهة عربية لعوامل الضعف والتشرذم، حيث العرب يمتلكون مفاعيل قوى حقيقية الكل يعمل حسابها عدا النظام العربي الرسمي نفسه المدرك، لكنه يتعامى تحت أجنحة النأي بالنفس حتى وإن أدى الأمر للبقاء داخل مراكز العناية المدللة كلًا بغرفه الخاصة والخاصة جدًا، والتي تشدها للأسف روابط مع قوى تناصب شعب فلسطين العداء المطلق. لذا نقول هنا بأن من أهم متطلبات نجاح أية قمة عربية يتداعون لعقدها، والأمر يتطلب عقدها بالضرورة وعاجلًا دونما تماطل، مع ضرورة توفر وتوفير عناصر وعوامل نجاحها، ويأتي بصلبها التوافق على معالجة القروح والجروح التالية معالجة حقيقية تشكل مدخلًا لواقع عربي يخدم صمود غزة ولا يخذلها... العناوين التي تتطلب ذلك نوردها كما يلي:
أولًا: تصحيح واقع ومسار وجوهر العلاقات العربية -العربية، لتصحيح اعوجاج ما نراه ضحكًا على الذقون.
ثانيًا: علاقاتنا مع أمريكا والغرب لا ينبغي أن تكون هي الأساس، بينما العكس بات مطلوبًا علاقاتنا البينية هي الأهم بعيدًا عن ذيلية وتبعية المحاور التي لا تخدم قضايانا، وبعيدًا عن التطبيع، ونزيد القول وضوحًا، لأن وضعنا العربي يفصح عما يلي، ويتطلب موقفًا عربيًا كليًا لا يكتنفه أي غموض:
1. مصر القوة العربية الأساسية محاصرة بالمعنى الجوهري سياسيًا واقتصاديًا، القمة أمام سؤال حول دعم مصر دعمًا حقيقيًا حتى لا تظل تحت ضغط أمريكي ودولار أمريكا، وبالتالي تحت ضغط صندوق النقد والبنك الدوليين.
2. سوريا لا معنى لعودتها للجامعة العربية مهيضة الجناح تنهش فيها قوى داعش وغيرها تحت مظلة قانون قيصر... باتت سوريا أمام استحقاقين لا بد منهما:
- حل سياسي وطني داخلي بمساعدة العرب والعرب أولًا، وبعدها يأتي الأصدقاء، عدا ذلك يكون وضع سوريا داخل النظام العربي كالطفل المفطوم فقط، ولم يتم تزويده بما تتطلبه مرحلة ما بعد الفطام، ذلك وذلك تحديدًا مطلوب لسوريا لتكون رقمًا كما كانت ونريد لها أن تكون.
- يأتي بعد ذلك متطلب التوصل لحلول وطنية عربية عاجلة بعيدًا عن وصايات خارجية للأوضاع في الجمهورية اليمنية المعلقة على مرجوحة المساومات الإقليمية والدولية... ومثلها وفق رؤية وطنية قاعدتها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وتطوير ما يتطلب تبعًا للمتغيرات، يشارك فيه الجنوب كطرف أساس، وليس كرقم مضاف، يقرر ما يريد.
كفانا حربًا ودمارًا، ولم نعد نرى من كل من كان أو أتى متأخرًا إلا جعجعة ولم نرَ طحينًا.
كذلك يتطلب الأمر معالجة للملف اللبناني والليبي والسوداني، بعيدًا عن بوس اللحى وتبادل القبلات، الأمر يتطلب سياسة ترقى لحالة فهم تحسم متطلبات بلدان شقيقة تتدمر تحت المرأى والنظر.
ثالثًا: يتطلب أمر نجاح القمة العربية وأهمية خروجها بقرارات ترقى لجوهر ما خلقته مفاجأة غزة من عبر ودروس تاريخية، ضرورة إعادة القراءة قراءة جيوسياسية لموقعنا ولما نملك من عناصر قوة هنا، بالإضافة لما ذكرنا نتحدث تحديدًا عن أمرين:
الأول: حماية مصادر المياه الإقليمية العربية، والثاني: حماية ما لدينا من مداخل بحرية كباب المندب وقناة السويس، وماذا يعني لنا ذلك؟ وماذا يعني للعالم مدخل باب المندب؟
رابعًا: إعادة النظر عربيا بقضية المياه ومصادرها ومحاصرة عناصر التهديدات حولها بسوريا والعراق مع تركيا، مياه نهر الأردن مع دولة الكيان، والأهم والأكثر أهمية الخروج من نفق التعامل الصامت سياسيًا والمكشوف تمويلًا من قبل البعض لسد النهضة الإثيوبي شريان الحياة لمصر والسودان.
أية قمة لا تتعامل بجذرية مع ما أشرنا إليه، ستشكل انتكاسة، لأنها على أرضية المواجهة المطلوبة تتطلب تمويلًا وتسليحًا... ولن يكون ثمة معنى إن عقدت القمة وأصدرت فقط بيانات إبراء ذمة.. إنها محطة تاريخية: نكون أو لا نكون... محطة عنوانها: مشروع خيار شمشون الصفري كما أشرنا، لا نريد مجرد بيانات تسمعنا ضجيجًا، ولكن على الأرض لا نرى طحينًا.
لدى العرب من عوامل وعناصر العزة والقوة ما لا يخطر على بال، فهل أنتم يا حكامنا على مستوى لحظة غزة؟ افعلوها فباب التاريخ ينتظر... وإن أحسنتم قراءة لحظة غزة ستضعون باقي المتاجرين بقضية فلسطين أمام محك تاريخي، فقد كانوا يتاجرون ويتذرعون بغيان الدور العربي الغائب. افعلوها حتى لا تركب إيران وحيدة تلاحقها تركيا على ظهر جياد أتباعها، وهي بعيدة عن المنطقة، لتبدو كفارس يدافع عن قضية فلسطين، وأنتم بمنامكم تغطون وتشخرون... وقد سبقتكم كافة الشعوب العربية التي استوعبت روح المبادرة لغزة، وباتت على استعداد أن تدعم بالروح فلسطين كي لا تضيع مرة أخرى تحت عنوان نكبة القرن المتولدة من صفقة القرن السيئة السمعة.