قراءة في المشروع الاستعماري الصهيوني للقرن الـ21 وأهمية المنطقة في مسار التنفيذ

لم يأتِ صياغة تنفيذ هذا المشروع الصهيوني في نهاية العقد الأخير من القرن العشرين محض الصدفة، وانما من خلال محطات زمنية مرسومة ومبنية على تطورات الوضع الدولي، تأسيسًا على المسائل الآتية:

 

أولًا: انهيار المنظومة الاشتراكية:

سقط "جدار برلين" في نوفمبر 1989م، وتوحدت ألمانيا في أكتوبر 1990م، وبسقوط "جدار برلين" انهارت المنظومة الاشتراكية -حلف وارسو- بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق، في نهاية 1991م، أمام النظام الرأسمالي -حلف شمال الأطلسي- بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بعد 70 سنة من الصراع بين المعسكرين.. كان النصر اقتصاديًا بامتياز لصالح النظام الرأسمالي، حيث رفع الرئيس غورباتشيوف -آخر رئيس للاتحاد السوفييتي السابق- الراية البيضاء، وأعلن انتهاء "الاتحاد السوفييتي" رسميًا، في 26 ديسمبر 1991م، بعد صياغة الفلسفة الإصلاحية تحت مسمى البروسترويكا: إعادة الهيكلة أو البناء الاقتصادي، والجلاسنوست الشفافية، وتسلم السلطة الرئيس بوريس يلتسن، أول رئيس للدولة الجديدة: جمهورية روسيا الاتحادية، وقد أبقت الدولة الجديدة علاقاتها كونفدراليًا مع الجمهوريات المؤسسة للاتحاد: روسيا، وبيلاروسيا، وأوكرانيا، وعضوية جمهوريات دول آسيا الوسطى، والقوقاز. مقابل ذلك، انضمت دول شرق أوروبا الاشتراكية السابقة إلى عضوية "الاتحاد الأوروبي".
وعليه، حاول الغرب -النيتو التمدد حتى خطوط التماس الحدودية مع "جمهورية روسيا الاتحادية"، بهدف فرض حصار اقتصادي، وأمني. قابله رفض وتحذير الرئيس فلاديمير بوتين، وبشدة، من أي تمدد أو إقامة أية قواعد عسكرية مقابل حدود بلاده.
من ناحية أخرى، لجأ بوتين إلى تعزيز العلاقات مع "جمهورية الصين الشعبية"، من خلال تأسيس "منظمة شنغهاي للتعاون – SCO"، كرابطة "متعددة الجوانب سياسيًا واقتصاديًا، وضمان الأمن والحفاظ على الاستقرار في تلك المنطقة وما جاورها، بغية توحيد الجهود للتصدي للتحديات والتهديدات الناشئة، فضلًا عن التعاون الثقافي والإنساني، وكهدف لبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب أو المراكز، تم تأسيسها في يونيو 1991م، وكذا التوقيع على اتفاق إطاري للتعاون، في 23 ديسمبر 2003م، برئاسة جمهورية الصين الشعبية، وتعتبر روسيا، وبيلاروسيا، وأوكرانيا (حينئذ) ورابطة دول آسيا الوسطى، من الدول المؤسسة للمنظمة، فضلًا عن انضمام الهند وباكستان وبنغلاديش وإيران ، في تاريخ لاحق، وهناك دول أخرى في طريقها للانضمام.

 

ثانيًا: وضع خارطة اقتصادية للنفوذ الاستعماري الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط بما فيه التطبيع مع "إسرائيل":

في واقع الأمر، بدأت الولايات المتحدة الأميركية قبل انهيار النظام الاشتراكي، بوضع خارطة اقتصادية لنفوذها الاستعماري الجديد في العالم بعد منتصف السبعينيات من القرن الماضي. تطورت الخطة في الثمانينيات باسم مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، وافق عليه "الكونغرس"، ثم تم تعديل تسمية المشروع إلى "الشرق الأوسط الجديد"، وبدأ العمل على إخراجه إلى حيز التنفيذ، بعد استئثار الأميركيين بنصيب الأسد من موارد الطاقة في منطقة الشرق الأوسط الممتدة من أفغانستان مرورًا بالعراق ودول مجلس التعاون الخليجي واليمن حتى الصومال جنوبًا، والاتجاه شمالًا نحو الصحراء الكبرى إلى المغرب وموريتانيا غربًا، ومحاولة السيطرة أيضًا على الممرات الاستراتيجية لقطع الطريق على "الصين"، وحرمانها وشركائها من الغلبة الاقتصادية، ناهيك عن تكبيل المنطقة، وقارة إفريقيا بالقواعد العسكرية مباشرة، ومن خلال شركائها، لتسهيل تنفيذ السيطرة على المنطقة، بالتنسيق مع إسرائيل، يسبقه "التطبيع العربي الإسرائيلي"، كشرط رئيس للوقوف معًا في دينامية تنفيذ المشروع، كما هو جارٍ حاليًا في تجريف سواحل، وجزر، وموانئ "اليمن"، بمساندة لوجيستية أميركية -بريطانية، حتى يصل المشروع إلى التنفيذ الأولي المرسوم في عام 2025م، ومواصلة العمل تدريجيًا حتى يكتمل مشروع القرن.
في السياق نفسه، ما يجري حاليًا من حرب مستعرة وقصف إسرائيلي مفرط على سكان غزة، والإصرار على التهجير القسري للفلسطينيين، واحتلال غزة على حساب مصر والأردن، إنما يهدف -حسب مراقبين- إلى تسريع تنفيذ مشروع "قناة بن غوريون" المنافس أو البديل لـ"قناة السويس"، والمخطط له من ميناء إيلات مرورًا بصحراء النقب إلى البحر الأبيض المتوسط.
لذلك، تستغل إسرائيل الفرصة بمغامرة اجتياح بري لقطاع غزة، بمساندة غربية عسكرية، لتأمين مشروع قناة بن غوريون الملاصق للقطاع كجزء من صفقة القرن.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستبقى جمهورية الصين الشعبية، في وضع المتفرج إزاء تلك التطورات، وترضخ للأمر الواقع، أم أن ثمة حراكًا يشمل التنسيق مع دول "منظمة شنغهاي"، لوضع حد للنفوذ الغربي وحماية المصالح المشتركة؟
وعلينا أن ننتظر ما سيستجد من تطورات حيال الأحداث الراهنة، والتي من شأنها أن تؤدي إلى انفجار الأوضاع في المنطقة وما وراءها.

 

ثالثًا: محاربة الإرهاب:

من الجدير ذكره، أن المشروع الأميركي الصهيوني ما كان ليكتب له السير قدمًا لولا قيام "الولايات المتحدة الأميركية" بخلق عدو وهمي بعد انهيار "الاتحاد السوفييتي"، لتسريع وتيرة مشروعها في العالم. تمثل هذا العدو بالديانة الإسلامية، ولعل خطاب الأمن القومي الأميركي الذي ألقاه الرئيس "جورج ووكر بوش"، عام 2003م، والذي ورد فيه أن "الإسلام" يشكل إرهابًا ضد المصالح الأميركية والعالم، بعد النظام الاشتراكي، إلا أنه في اليوم التالي من خطابه، أعلنت دول، ومنظمات عربية، وإسلامية، استنكارها وانتقاداتها للبيت الأبيض على الخطاب، وجاء الرد الأميركي الرسمي: أن القصد من الخطاب هو محاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تشكل خطرًا على المصالح الأميركية والعالم، ويستشهد بالتنظيمات الإرهابية، وأعمالها المدمرة، مثل الاعتداء على البارجة "يو إس إس كول"، قبالة السواحل اليمنية، في 12 أكتوبر 2000م، و"برجي مركز التجارة العالمي"، في 11 سبتمبر 2001م، وأعمال إرهابية أخرى على السفارات الأميركية، ومنشآت أخرى.
كل ما في الأمر هو إيجاد غطاء وذريعة للتدخل عن كثب بشؤون الدول العربية والإسلامية، بقصد محاربة الإرهاب، وحماية المصالح الأميركية والغربية في المنطقة، والحفاظ على السلم والأمن الدوليين.

 

رابعًا: فساد الأنظمة كعامل خادم للمشروع الصهيوني:

توالت الأحداث في المنطقة بسبب فساد الأنظمة العربية العميقة، الذي عم المنطقة العربية والإسلامية قرابة ربع قرن من الزمن، كان حصاده قيام الثورات الشبابية السلمية للمطالبة المحقة في العمل، والعيش الكريم، والمواطنة المتساوية، والتي جوبهت بتعسفات وأعمال عنف من قبل تلك الأنظمة الأوتوقراطية المستبدة، أسهمت في إيجاد شرخ هائل في بنية الدول العربية ثقافيًا، واجتماعيًا، وسياسيًا، وتسهيل التدخل فيها، وتطويعها بأية طريقة كانت مباشرة وغير مباشرة، وبما يخدم مشروع القرن الـ21 الاستعماري الصهيوني، وما نشهده من حروب داخلية وحروب بالوكالة في المنطقة عامة، وما تعاني منه اليمن اليوم، يتخادم ويصب لصالح هذا المشروع الصهيوني.
وأقولها بصراحة إن اليمن بحاجة إلى إنقاذ داخلي ودولي، وما يجري حاليًا هو الهيمنة بالوكالة على سواحلها، وموانئها، وجزرها، كموقع استراتيجي متميز في وسط العالم، تعبر من خلاله ناقلات النفط والغاز العملاقة، والتجارة العالمية، والأساطيل والبوارج الحربية، إضافة إلى ما تتمتع به من إمكانيات، ومقومات تراثية، وما تزخر به من ثروات... الخ، جعلها في العالم القديم تشغل مكانة متميزة بين الأمم، ومحطة رئيسة لطريق الحرير من الصين إلى أوروبا.. وإن ما يحدث اليوم على الأراضي اليمنية يعد انتهاكًا صارخًا لسيادة اليمن، ومخالفة صريحة للقوانين والمواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن في ما يتعلق بسيادة الدول وسلامة أراضيها واستقرارها. وما هكذا ينفذ مشروع القرن.

 

خامسًا: فصل الخطاب:

"أما آن أن تنسى من القوم أضغانُ
فيبنى على أس المؤاخاة بنيانُ؟
مواطنكم يا قوم أم كريمة
تدر لكم منها مدى العمر ألبانُ"
بدأ ناقوس الخطر يقرع على الساحة اليمنية لتنبيه الشعب اليمني أن وضع اليمن في غاية الخطورة، وأنه قد حان الوقت لاجتماع نهائي في معالجة الشؤون اليمنية، يشمل أساتذة الجامعات والمكونات السياسية والمجتمعية، للتوصل إلى اتفاق حاسم لإنقاذ اليمن قبل فوات الأوان، ولات ساعة مندم.