حتى لا نتوه وتنحرف البوصلة

كان يقول البعض إن ما حدث في اليمن منذ ما بعد تحقيق الوحدة من فشل للشراكة والدولة ومن ثم الحرب، هو من صناعة طرف واحد دون غيره أو جهة واحدة دون غيرها، بينما يغضون الطرف عن طرف أو أطراف أسهمت وشاركت بشكل مباشر أو غير مباشر، مثلًا كان يقول الناس في الجنوب إن فشل دولة الوحدة وشن الحرب على الجنوب وممارسة الاستبداد والقهر بحقه، هو من صناعة الطرف الشمالي فقط، بينما الحقيقة تقول إن هناك جنوبيين أيضًا من موقع القيادة والمسؤولية شاركوا في ذلك، وكانوا جزءًا من الحرب والدمار والظلم الذي لحق بالجنوب طوال كل هذه السنوات الطوال،

والواقع يؤكد لنا اليوم أن مأساتنا ومعاناتنا كشعب بعد كل الدماء والتضحيات التي بذلت، يصنعها شماليون وجنوبيون أيضًا، من خلال شراكتهم في نظام وحكومة فاشلة، ومن داخل عدن يمارسون فسادهم بنهب المال العام، ويدمرون الخدمات والمؤسسات، ويعبثون بالاقتصاد والمرتبات، وغيرها من صنوف التدمير والخراب، دون أن يرمش لهم جفن.
أيضًا حرب 2015 الأخيرة شارك فيها شماليون وجنوبيون وقفوا مع الطرفين، والثورات السلمية شارك فيها شماليون وجنوبيون كلًا من موقعه ومركزه ودوره، وإذا عدنا للخلف فإن دولة الجنوب السابقة كان يديرها شماليون وجنوبيون، كانت لهم أدوارهم وإسهاماتهم وتجربتهم الإيجابية والسلبية التي سيحكم عليها التاريخ، وفي دولة الشمال السابقة كان هناك شماليون وجنوبيون أيضًا، أسهموا وشاركوا في الحكم والإدارة، إذن ما حدث في اليمن منذ ما بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر وحتى اليوم، هي أحداث شارك فيها الجميع جنوبيين وشماليين، بسلبياتها وإيجابياتها، لذا يمكن القول إن التاريخ مشترك والحاضر مشترك، وإذا أردنا أن نعالج مشكلة الحاضر علينا أن نحددها أولًا بجميع أطرافها والفاعلين والمؤثرين فيها، لا أن نحاكم طرفًا بدافع من التعصب، ونبرئ الطرف الآخر، ونحن نعلم أنهم ليسوا ملائكة، وإنما مشاركون فاعلون في ما يجري للبلد والشعب اليوم.
لذا حتى لا يتم تتويه الناس عن الحقيقة، وحتى لا تنحرف البوصلة، علينا أن ندرس ونقيم الأمور بعقلانية بدون تعصب أو عواطف أو اندفاعات قد تفقدنا القدرة على تحديد الهدف واختيار الأدوات والوسائل للدفاع عن أنفسنا ومستقبلنا كشعب في مواجهة هؤلاء الفاسدين والمستهترين المتكتلين حول مصالحهم الذاتية والنفعية ضدًا على مصالحنا الحياتية والوطنية كشعب وبلد، يواجه خطر الانهيار والتفكك والتشرذم والضياع.
نحن بحاجة اليوم لعملية تصحيح واسعة لها برامج وأولويات وأهداف وتنظيم، وفيها قدر من الإيمان والشجاعة والصبر والصمود، يكون في طليعتها قادة من الشباب اليمني جنوبيين وشماليين، حتى لا يعتقد الخصوم والأعداء أنهم قد فرقونا وشتتوا جهودنا، ورموا بنا جانبًا في ملعب آخر ليس هو الملعب الذي يفترض أن نواجههم فيه ونهزمهم فيه، أو نصحح ونصلح المسار للجميع.
سوف تتكلل كل الجهود بالنجاح بإذن الله متى ما وجد الأمل والعزيمة والإصرار، فإنه لا شيء مستحيلًا مادام مصيرنا مشتركًا وهدفنا مشتركًا يرنو إلى خير البلاد والعباد، ولتكن عدن هي القبلة والمنارة التي نهتدي بها وننطلق منها.

مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام