من يتذكر.. عام على مديحة الحيدري

كالعادة، شهد العام 2008م كجميع الأعوام خسارات ثقافية يمنية بدأت مع بدايته بوفاة خسرت الفنانة مديحه الحيدري التي غيبها الموت في منتصف يناير قبل عام عن عمر ناهز ال46 سنة، وحجم الخسارة هنا لا يأتي من فقدان قامة فنية وحسب، بل إن الخسارة تتسع حين تكون الراحلة إحدى النساء اللواتي تحدين واقعهن وثقافة مجتمعهن المعبأ بألغام العيب والحرام، واستطاعت خلال عمرها القصير أن تحقق وجودا يصعب تعويضه لزمن قد يطول.
ولم يكن ثقل الخسارة هنا أيضا، بل إن الأسى يتسع أكثر في قلوب قليلة فقط، لأن لا أحد تقريبا تذكر مديحة الحيدري بعد عام من غيابها، وهو ما كان يبدو واضحا ساعة رحيلها، حيث لم يكترث سوى القليلون، ولم يشعر بفقدانها سوى من أدرك قيمتها الحقيقية، ومنجزاتها التي يصعب أن تتكرر.
الجرأة هي أهم ما ميز الحيدري خلال حياتها الفنية، وهي ما وضعتها فيما بعد في مكانة متميزة ساهمت إلى جانب السمات الفطرية الرائعة التي امتلكتها في تمكينها من طريق النجاح والإبداع. شاركت في أغلب المسلسلات الدرامية والكوميدية اليمنية إضافة إلى حضورها الكبير كفنانة يمنية في عدد كبير من المسلسلات الخليجية وكانت انطلاقتها الفنية الحقيقة في العام 1976 بمشاركتها في مسرحية "الفار في قفص الاتهام" للكاتب المسرحي عبد الكافي محمد سعيد. حصلت على دبلوم في المسرح عام 1983م، والتحقت بالمسرح الوطني اليمني بوزارة الثقافة والإعلام. وشاركت فيما بعد في أعمال درامية كثيرة للتلفزيون والإذاعة داخل وخارج اليمن، ومن ذلك مسلسل «أيام الندم» الذي عرض في 1997م ومسلسلات تاريخية لإذاعة مسقط، وكذلك مسلسل «زهرة الجريح» في عمان و«خذ وخل» والسعودي «دولاب الزمن» و«عواطف قاتلة» مع الممثلة الأردنية نجلاء عبد الله وإخراج محمد العوالي، و"سوالف حريم" للمخرج وائل فهمي عبد الحميد.
توفيت مديحة منتصف يوم الجمعة 18/1/2008، بعد عودتها إلى منزلها من أحد المستشفيات الذي أسعفت إليه صباح ذات اليوم.
ثمة الكثير من الآثار التي لن تنمحي من ذاكرة الدراما اليمنية بعد مديحة الحيدري، فقد قدمت خلال رحلتها صورة واعية عن المرأة اليمنية التي يمكن لها أن تلقي عنها أغطية التخلف، والإقصاء والتهميش، وبوجودها في ساحة الفن أعطت نموذجا يحتذى به عن قدرة المرأة على الحضور حتى في تلك الساحات التي يصعب على امرأة من هذا الواقع الحضور فيها، ومنذ بدأت بالتمثيل صار للمرأة اليمنية دورا في الدراما والمسرح، ولم يعد ذلك قاصرا على الرجال، أو محدد بزمان ومكان معينين.
ولدت مديحة الحيدري في 14 أبريل عام 1965، بمنطقة المخادر في إب. وشاركت في الدراما التلفزيونية منذ بداية الثمانينيات، وكانت ممثلة رئيسية في أول مسلسل يمني مصري مشترك حمل عنوان الأسطورة اليمنية "وريقة الحنا"، ولعبت دورها أمام الفنانة المصرية إحسان القلعاوي، والفنانة المصرية أمينة رزق التي أطلقت عليها لقب "سندريلا اليمن". وشاركت في مجموعة كبيرة من الاعمال التلفزيونية الدرامية وصل عددها إلى 97، منها على المستوى المحلي مسلسلات "الفجر"، "أسرار المجانين"، "سعدية"، "طشة وناشر"، "الثأر"، "الكنز"، "مقامات رمضانية"، "رماد الشوكـ"، "سيف بن ذي يزن" فيلم "القاربـ"، ومسلسلا "تلفزيون عبر العصور"، و"فنطزية".
شاركت في عدد كبير من المسرحيات ابتداء من "سيف بن ذي يزن" للشاعر عبد العزيز المقالح، ومسرحية "أقدام وسيقان" " في دولة قطر للمخرج صفوت الغشم. كما شاركت في مسرحية "البوفيه" للكاتب المصري علي سالم، ومسرحية "شهرزاد" للكاتب علي أحمد باكثير، مسرحية "الهوية المفقودة" للكاتب المسرحي عبد ربه الهيثمي، وحصلت مديحة الحيدري على جائزة أفضل ممثلة في "مهرجان المسرح اليمني الأولـ" في مسرحية "أصول اللعبة" للمخرج محمد الرخم.
شاركت الحيدري أيضا في أوبريت «على شرفة القمر السبئي» للكاتب محمد الشامي، و«سهيل اليماني» للمخرج أحمد الزيادي. إضافة لمشاركتها في عدد من برامج الأطفال، كما شاركت في عدد من المسلسلات في الخليج العربي مثل مسلسل "أيام الندم" في سلطنة عمان للمخرج عبدالله حيدر، و"سوالف حريم" من إخراج المصري وائل فهمي عبد الحميد، "دولاب الزمن" للمخرج محمد العوالي،" خذ وخلـ" للمخرج سائد هواري، وغيرها.
واشتركت في عدد كبير من المسلسلات الإذاعية وصل عددها إلى 120، مثل مسلسل "لطائف السمر"، "حكاية في قصيدة"، "قلوب على الأوتار"، "جزيرة الأحلام"، "إلا الحبـ"، "أحلام الفجر"، "شمعة في مهب الريح"، "إسأل مجربـ"، "خلوا لسعد حاله"، "لا مزوج سلي ولا عزب مستريح"، و"همس السواقي"، وكانت معظم هذه الاعمال من تأليف الكاتب علي السياني وإخراج عبدالرحمن عبسي.
لمديحة الحيدري بنتان (روزا وريما)، ويكفيها بعد موتها أنها ظلت السباقة في تاريخ المرأة اليمنية حتى بعد رحيلها، فقد قامت الحكومة اليمنية -ولأول مرة- بنعي وفاة شخصية نسائية عبر وزارتي الثقافة والإعلام وكانت الفضائية اليمنية وفي سابقة مشرفة قد تبنت بيان النعي وبثه في الأخبار الرئيسة مقدمة التعازي الحارة للجمهور ولأسرة الفقيدة وزملائها ومحبيها.