سأكسر جدار الصمت!

سأكسر جدار الصمت! - إلهام مانع

صمتُ طويلاً.
هل لاحظتم صمتي؟
وضاق صدري بصمتي.
لكن للصمت كان ما يبرره.
ورغم أمتناعي عن النطق كنت اتحدث... طوال الوقت.
كنت أكتب. عاكفة على الكتابة كما لو كنت ناسكة لا أعرف من الدنيا سوى الكلمات وصفحات الكتب. ولو أردتم الصدق مرت علي فيها لحظات احسست فيها أني تلاشيت وتحولت إلى مداد لحروف الكلمات التي سطرتها.
والمحصلة؟ كتاب بعنوان "سأكسر جدار الصمت: من أجل إسلام إنساني"، كتبته بالإنجليزية وسيصدر بالألمانية.
وككل تجربة، قد يخرج الإنسان منها بخبرة أو معرفة تمكنه من أداء افضل، تعلمت اشياء من فترة صمتي.
أنتبهت على سبيل المثال أن الكتابة بلغة أخرى قد تكون فرصة للإنسان، كي يخرج من سوار سجنه.
أظنها تجربة يعايشها كل من يكتب ويتحدث بأكثر من لغة.
أحياناً تقيدنا لغتنا الأم، تسجننا في معتقل نحن من بنى جدرانه، بأيدينا هذه.
ربما لأنها ترتبط بالكثير من "العيبـ" و"الخطوط الحمراء" التي تعلمنا أنه يحسن بنا ألا نتجاوزها.
رضعنا العيب مع أحرفها.
وتعلمنا أن لا نكتب "كلـ" ما نفكر به بكلماتها، وأن هناك أشياء تقال، وأخرى نحفظها في الكتمان.
فألينا على أنفسنا أن نصمت حتى ونحن نكتب، ونصرخ بالجمل.
نصمت مع العيب، والخوف، والحرج.
لي تجربة طويلة مع الكتابة بلغة أخرى، لكنها كانت محصورة دوماً في الإطار الأكاديمي.
هذه أول مرة أكتب فيها عن موضوع يهمني، كفلذة كبدي، بالإنجليزية.
وكنت أعرف من قبل أني عندما اتحدث بالأنجليزية أو الألمانية لا ألتزم بحدود العيب التي نفهمها. بل كنت اخترق بالكلمات ما يخطر على بالي، وأشرحه بوضوح، بلا رجفة، بلا رعشة، وبلا وجل.
على سبيل المثال، في برنامج تلفزيوني ناطق بالألمانية تحدثت مع مخرج الفيلم عن تجربة المرأة الحسية مع من تحبه، وعن تجربتي أنا، ولم أخجل! لم أشهق. لم أجفل، ولم أتوارى. بل وجدت الحروف تتجانس في كلمات وتخرج محددة باللون الأسود، كأني أعُلمَها كي تنفذ إلى الذهن وتستقر.
لا أتصور نفسي قادرة على فعل الشيء نفسه بالعربية.
في الواقع، وكي لا أكون متجنية على نفسي، لم أفعل ذلك، وبقدر، إلا في مجال الكتابة الأدبية، عندما كتبت "صدى الأنين" التي صدرت عام 2005، وفي "بلاخطيئة؟" التي ستصدر قريباً عن دار الساقي.
نفس الشيء حدث وأنا أكتب "سأكسر جدار الصمت: من أجل إسلام إنساني". كنت اكتب كأني أولد من جديد بالكلمات. أكتب ما أفكر فيه دون خوف. أكتب كأني أفكر لنفسي، بصوت عالي.
وقررت بعد أن أكملته، أن أعود إلى الكتابة بالعربية، وأن اتحدى الحدود التي تفرضها علي لغتي. قررت أن اكتب كما أفكر وأؤمن، دون رتوش تخفف من وقع الكلمات.
ولأني أعرف أني سأضطر للعودة إلى الصمت من جديد، كوني ملزمة بكتابة نتائج دراستي عن الدولة العربية وحقوق المرأة في الستة الأشهر القادمة، انتهز فرصة الأسابيع القادمة للحديث من جديد.
سأتحدث، وأكسر جدار الصمت، ذاك الذي نفرضه على أنفسنا ونحن نتكلم بالعربية.
وأبدأ معكم الأسبوع القادم مع حديث قارئة عقبت على مقال "اغتصاب؟" الذي كتبته في موقع شفاف بتاريخ 6 يونيو 2006. حديثها يستحق أن نقف أمامه، ونعود إلى موضوع إغتصاب الزوج لزوجته.
 أراكم على خير إذن!
[email protected]