كتاب وصحفيين كتبوا عن

كتاب وصحفيين كتبوا عن عبدالكريم الخيواني

* يوم صحافة حزين - سامي غالب
* الذين اختطفوه العام الماضي سجنوه هذا الأسبوع - نبيل سبيع
* عندك القلب والسكر وعندهم القوة والسلطة.. إبتسم يا عبدالكريم.. شلوه الحبس؟! - فكري قاسم
* قفص الخيواني - محمد الغباري
* حنايا - هدى العطاس
* لو كان صوت فيروز يكفي.. أشياء يقولها حزني متأخراً كالعادة - وضاح المقطري
* الحرية للخيواني وللوطن.. ولكل هؤلاء جميعاً - محمد المنصور
 
 
 
يوم صحافة حزين
 

سامي غالب
Hide Mail
 

في 9 يونيو 1990 اختار أعضاء المؤتمر التوحيدي لنقابتي الصحفيين في اليمنين الشمالي والجنوبي، المجتمعون في صنعاء أن يضعوا لمستهم الخاصة على لوحة المستقبل الوحدوي الواعد، فقرروا أن يكون "9 يونيو" عيداً سنوياً للصحافة اليمنية.
بعد 18 سنة قرَّر فرسان العهد الـ" مابعد وحدوي"، الاحتفال وحدهم، وعلى طريقتهم، بالمناسبة الوحدوية: طردوا المضيفين من القاعة، وأعادوا الخيواني إلى السجن المركزي، وشربوا نخب " النصر المؤزر".
علينا أن نعترف: لقد تمكن الحكم الغشوم من إلقائنا في بئر الأحزان في اليوم الذي ابتكره زملاؤنا الوحدويون ليكون يوم " أفراحنا الوحدوية".
بواسطة "القضاء" تنزل "قَدَرُ" الحكم الجهول، محققاً هدفين بضربة مزدوجة: حبس الصحفي المغضوب عليه الذي يأبى المكرمات الرئاسية، وإلباس "9 يونيو" الحداد.
في سبيل الهدفين الوطنيين العزيزين تم التضحية بالقضاء اليمني أمام العالم أجمع. اكتفى القاضي بجملة واحدة:يُحبس عبدالكريم الخيواني لمدة 6 سنوات.
نطق بالعقوبة المقررة وسكتْ. لم يشأ أن يهدر وقت السادة الحضور في تفصيل أسبابه الوجيهة كحيازة الخيواني صور عن حرب صعدة الثالثة إسوةً بالعشرات من زملائه الصحفيين.
بجملة منطوقة واحدة أعيد الخيواني إلى السجن ليتعلم كيف ينبغي أن " يتخاطب مع الأسياد". وتم مواراة "يوم الصحافة" الثرى حتى لا يشوش على "يوم الإعلام اليمني" الذي أعلنه فخامة الرئيس علي عبدالله صالح في "19 مارس"، ما يفصح عن رغبة فرسان الحرب الأقنان في فك الارتباط بين الصحافة و22 مايو، حتى تُنسب البقية الباقية من هامش حرية الصحافة إلى مكرمات "الواحدية" التي يجري تكريسها منذ حرب 94، لا إلى فضائل شركاء المنجز الوحدوي.
الاثنين 9 يونيو 2008
 
 
 
***
 
الذين اختطفوه العام الماضي سجنوه هذا الأسبوع
 
 
نبيل سبيع
nabilsobeaMail
 
 
هل يسير عبدالملك الحوثي على الخط السليم باستخدامه السلاح في التعبير عن نفسه وجماعته؟ أم أن الخط السليم هو النضال السلمي المشروع الذي اختاره صحفي أعزل مثل الزميل عبدالكريم الخيواني أو قادة الاحتجاجات الجنوبية (العزل أيضاً) مثال حسن باعوم؟
الخيواني الآن في المعتقل بعد حكم الاثنين الفائت الذي قضى بسجنه6 سنوت. بالموازاة، يتواصل اعتقال قادة احتجاجات الجنوب السلمية في انتهاك صارخ للقانون والدستور اللذين يكفلان لهم (كما للخيواني وأي إنسان يمني) الحق في التعبير عن نفسه والمطالبة بحقوقه سلمياً. فمن يسير على الخط السليم: الخيواني وقادة الجنوب الجدد أم الحوثي؟
رغم أن الحوثي لا يمثل اليمنيين بمطالبه وشعاره ورغم أن التعبير المسلح الذي يستخدمه لا يلقى احترام المؤمنين بالنضال السلمي (وأنا أحدهم)، إلا أن المتمرد الشاب يعبر عن نفسه بحرية وطلاقة خارج السجن على النقيض من باعوم والخيواني مثلاً. وأكثر من هذا، فهو يرسل ممثلاً له إلى الدوحة للجلوس على طاولة التفاوض مع سلطة صنعاء باعتباره طرفاً سيداً ليس تحت رحمة قضاء يحكم بالتوجيهات التلفونية، ولا يحتاج إلى مكرمة عفو من نظام حكم يستخدم البلد بالكامل ككرت لعب على طاولة الكوتشينة السياسية. وفي النهاية، فإن الطريقة التي تتعامل بها السلطات مع الصحافة واحتجاجات الجنوب تكشف أن الحوثي يعبر عن نفسه باللغة التي يفهمها ويحترمها متخذ القرار في صنعاء.
لقد حمل الحكم ضد الخيواني انتهاكاً صارخاً للقانون والدستور والتزامات ومعاهدات اليمن الدولية، قبل أن يكون انتهاكاً لحرية الصحافة وشخص الخيواني. فهو (الحكم) أنبنى على إهدار كلي للدفاع ولم يشر إلى أي دليل أقيمت عليه محاكمة الزميل الذي تعرض لسلسلة من الانتهاكات والاعتداءات المحرمة دولياً خلال مشواره النضالي السلمي.
وقد كان حكماً مافيوياً (من مافيا) بامتياز، لأن تعريف المافيا ينطبق على أي مجموعة تقوم مصالحها على قمع الناس ونهب حقوقهم وتمارس سلطتها خارج القانون. وهذا ما يحدث في اليمن بالضبط.
المؤكد أن الحكم ضد الخيواني استكمال لعملية اختطافه والاعتداء عليه بالضرب في أغسطس الماضي. لا فرق بين الحدثين، إلا في أن أفراد العصابة الذين اختطفوه واعتدوا عليه قبل أقل من عام لم يفعلوا ذلك بحكم قضائي هاتفي كما حدث أمس الأول.
 مثل حادثة الاختطاف، جاء الحكم كعمل خارج عن القانون والدستور، واعتداء مافيوي بالنتيجة. ويمكن القول إن الجهة التي وقفت وراء اختطاف الخيواني، في أغسطس الماضي، كانت موجودة، الاثنين الفائت، في المحكمة الجزائية المتخصصة، وأن الحكم كان بمثابة اعلان صريح منها عن وقوفها وراء عملية الاختطاف.
الحوثي، وكل من يستخدم السلاح في التعبير عن نفسه ومطالبه، خارج عن القانون ومتمرد على سلطة «الدولة» بالضرورة. ولكن عن أي قانون وأي «دولة» نتحدث؟ ما من قانون أو «دولة» مؤسسات يتمتعان بالسلطة والسيادة في اليمن. فالحكم في صنعاء خارج عن القانون والدستور ومتمرد على فكرة وحلم «الدولة» اليمنية. وما يشهده البلد اليوم لا يسير إلى أى أمل بوطن محترم يتمتع بالسيادة والقانون والعدالة. ما يشهده اليمن اليوم  هو صراع عصابات وميليشيات مسلحة على تقاسم السلطة والثروة عبر انتهاك كل شيء.
 
 

***
 
 
عندك القلب والسكر وعندهم القوة والسلطة.. إبتسم يا عبد الكريم
شلوه الحبس؟!
 
 
فكري قاسم
fekry
* على فكرة يا عبد الكريم، نسيت أقلك: آخر مرة – وأنا جاي إلى صنعاء- لم تنكسر زجاجة الشعير التي طلبت أشتريها لك معي من بوفية محمد صغير في تعز. بصراحة أنا تئآمرت مع نفسي عليك وخبأتها. أصلاً عندك سُكر، سامحني أرجوك.
< السُكَّر مرض غبي أحياناً.. يعني قد الواحد محوَّط بمرارات الدُنيا كُلها ويزيد"ينبع" له مرض السُكر! قِِلة ذوق للأمانة.
عندك القلب أيضاً، وتدخن. واللي ما عندهم قلوب ولا عقول من أصله، كُلما تعثرت خُطاهم في صعدة رجعوا لافوق راسك يا "خيواني" كما لو أنك عاصمة الحوثيين!
مرة يضربوك وفي ظنهم أنهم ضربوا التمرد على قفاه!!
مرات يسجنوك مقتنعين أن إجراء كهذا يعني أنهم قبضوا على التمرد ورفعوا فوق رأسك أنت، علم الجمهورية المتحارب عليها في صعدة.
< تعرف يا عبد الكريم، إنك تبدو بالنسبة لنظام يمكن تسميته مجازاً: مدرس رياضيات فاشل، عملية إختصار إلى أقرب كسر عشري!؟ كم أنت خصم يسير الإصطياد يا صاحبي، وكم نحنُ مُتفرجين بألبابٍ من خُلّبْ!...
< جميعنا يعرف، بما فيهم أنت والَسَجَّان ما تُهمتك بالضبط.
إبتسم يا صاحبي.. عندك السُكر والقلب، وعندهم القوة والسلطة.. وعندي لك خبر حلو:
 أووه ه ه، نسيته سامحني ارجوك.
كل الذي اتذكره الآن أنني يوم الإثنين الفائت "موعد جلسة النطق بالحكم" أول ما صحيت من نومي -متأخراً طبعاً- طلبتك على الهاتف. كُنت أخشى أن أجده مغلقاً، فمعنى ذلك أن حُكماً جائراً لحقا بك. لكن الحمد لله الهاتف رن.
الله يا عبد الكريم كم فرحت.. ليس من أجلك بقدر فرحي أن القضاء في اليمن طَلّق ملعب السياسة، أوهكذا سيكون.
فرحت كثيراً لأجل حاجة اسمها "اليمن". بعد الرنة الرابعة ردت إبنتك، أضنها إباء سألتها مستعجلاً:
- كيف حالك حبيبتي؟ (ردت علي بصوت كما لوأنه خرج للتو من تحية العلم).
- بخير.
- فين بابا؟
- شلوه الحبس!
أنصدمت والله. ومن كثر المرارة التي طفحت في حنجرتي لحظتها وددت أن أسألها: من هم اللي شَلَّوه الحبس؟
شوف على سؤال غبي! قَلَّك منهم؟!
بعض الصدمات تخلَّلي الواحد أخجف.. المعذرة يا صاحبي.
ثم أني لست ذكياً للحد الذي يجعلني أبلع سؤالي ذاك خوفاً من أن تنطق إبنتك باسم الغريم ويضبطوا عليها مكالمة هاتفية تصير –لاحقاً- إدانة كافية لإتهامها بأنها عضو في خلية إرهابية، ربما، تخطط لتسميم طابور الصباح؟!
< والله إني أكتب من غير نفس " الله يسد أنفاسهم"، هل ستغفر لي يا صاحبي؟
بكرة ستنتصر الشجاعة على الغضب الأعمى.. إبتسم يا باشا.
 
 

***
 
 
قفص الخيواني
 
 
محمد الغباري
malghobariMail
 
بحجم الصدمة التي شكلها الحكم الذي صدر بحق الزميل عبدالكريم الخيواني، كانت ردود الأفعال المحلية والدولية؛ لأن الجميع كان يعتقد أن تفنيد فريق الدفاع عن الزميل لما جاء في قرار الإتهام كفيل بجعل المحكمة تنتصر للقانون لا أن تصبح أداة لتصفية الحسابات السياسية.
 إذا ما اعتقد هؤلاء أنهم قد وضعوا الخيواني خلف قضبان السجن المركزي، فإنهم واهمون لأنهم بذلك وضعوا انفسهم في قفص اتهام دولي تكشف معه زيف الإدعاء المتكرر عن وجود قضاء مستقل ونزيه وعادل، و لأن المتتبع لمسار القضية منذ بدايتها يدرك عجز النيابة عن تقديم أي دليل يثبت اتهامها للرجل بالاشتراك في تشكيل عصابة مسلحة تدين بالولاء لعبدالملك الحوثي.
حين داهم الأشاوس غرفة نوم الزميل الخيواني واقتادوه بملابسه الداخلية في عملية نوعية لم نشهد لها مثيلاً على جبهات القتال، قيل لنا إنه متلبس بتهمة جنائية خطيرة، إلاَّ انه وبعد جلستي تحقيق تبين أن وجود اسطوانات تحوي لمشاهد من المواجهات في صعدة وصوراً من رسائل للوساطة القطرية وحوار لعبدالملك الحوثي هي كل الأدلة التي سيقت كمبرر لتنفيذ تلك العملية.
وعند النطق بالحكم لم يقدم القاضي في حيثيات حكمه ما يبرر الإدانة الظالمة للخيواني، ولا مبرراً للعقوبة بالغة القسوة التي أنزلت عليه حتى أن من في قاعة المحكمة لم يصدقوا عندما تفوه القاضي باسمه ضمن قائمة المدانين ومدة العقوبة.
حتى ليلة الجلسة المخصصة للنطق بالحكم كنا نعتقد بأن الاحتجاجات المحلية والدولية على استمرار محاكمة الخيواني قد تؤدي إلى مراجعة جادة داخل أروقة الحكم قبل الإقدام على مغامرة إدانته ومعاقبته. وحين سألني الزميل سامي غالب عن توقعاتي جزمت له أن أطراف كثيرة داخل الحكم تدرك عواقب مثل هذه الخطوة خصوصاً وأن الاستهداف السياسي في القضية كان واضحاً منذ بدايتها، وقبل ثانية من النطق بالحكم كانت قناعتي ما تزال كما هي.
الآن وقد ارتكبت مثل هذه الحماقة وأودع الخيواني في السجن المركزي لا ينبغي أن يترك لأطراف في الحكم أن تواصل سياسة الاستهداف والتنكيل بالزميل لمجرد اختلافها معه في المواقف السياسية، ولابد من إطلاق سراحه بموجب الضمانة المودعة في سجلات المحكمة، وماتزال هناك فرصة لاصلاح هذه الفضيحة لدى محكمة الاستئناف.
منذ سنوات وأنا أختلف مع الصديقين سامي ونبيل المحمدي «المحامي» حول انتقاد أداء القضاة والأحكام التي يصدرونها وأقول بشكل مستمر إن افتقادنا للقضاء العادل والمستقل يجعل الآلاف تحت رحمة ذوي النفوذ أكان ذلك في القضايا السياسية أو حتى القضايا التجارية وفي القضايا الجنائية حيث تهدر الدماء تحت جبروت أصحاب النفوذ السلطوي والقبلي.
اليوم وقد تكالبت على الصديقين مصائب القضاة أجدني أكثر جرأة على محاججتهم في موقفي ومطالبتي بأن تسقط كل العقبات القانونية والحصانات التي منحت للقضاة لكي يتسنى للمتضررين من أدائهم وأحكامهم مساءلتهم، لأن السلطة لابد أن تقترن بالمسؤولية وبالقدرة على المساءلة.
الواضح من مسار القضية أن وسائل اخرى هي أفيد من اجتهاد الاصدقاء: هايل سلام، ونبيل المحمدي، ومحمد المداني في حشد كل النصوص القانونية المؤيدة لبراءة موكلهم لأن القاضي لم يعرج عليها حتى من باب الاعتراف بأنهم قدموا ما يلزمهم به واجبهم.
 عندما تطرح المعارضة ضرورة أن يصبح رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة عرضة للمساءلة عند مخالفتهم للقوانين أو إساءة استخدامهم لسلطاتهم, فإنه ومن باب أولى أن يشمل هذا الحق مختلف السلطات حتى لايجد طرف من الاطراف نفسه في منأى عن الحساب، وتتحول دعاوى الاستقلالية إلى دكتاتورية من خلالها يتم معاقبة المعارضين وأصحاب الرأي، وتضيع بين ثناياها حقوق ودماء الناس.
 
 
***
 
 
حنايا - هدى العطاس

hudaalattasMail
 

ستة أوسمة على صدرك يا عبد الكريم، مقابل كل سنة أراد النظام سجنك فيها، فأوسع لك –من حيث لا يريد– نوافذ المجد، وفي مقابل ستة شواهد إدانة على سلطة العسف التي ترصدتك. فكلما أوغلت السلطة في جورها أوغلت في إدانة نفسها. أرادت أن تجعل منك أمثولة، فإذا بك مثالا بهيا، وإذا بها تمثل بسلطة قضائها وتلوي عنق الحريات والحقوق، وتصادر حرية التعبير التي طالما وما فتئ يتغنى بها إعلامها الرسمي.
من المفارقات السوداء أن يسجن صاحب الرأي ست سنوات لحيازته مدلولات تأتي في صميم عمله ويسمح بها قانون ممارسة المهنة، أو بناء على مكالمة تنصتية لا تمتلك حق الدفع القانوني، وما إلى ذلك من القرائن الهزيلة، بينما يحاور الحوثي وهو أحد أطراف الحرب، ويدفع إليه بالوساطات الدولية. سيقال إن السلطة مغصوبة على فعل ذلك. بغض النظر، فإنه إذا نجحت وساطات الحوار واتفقت أطراف الحرب ستسقط عن الحوثي كل التهم وهي شريطة إرساء السلام. وحتى لا يفهم أنني ضد ذلك، ليت هذا يحدث حتى تجفف مستنقعات الدم التي تستوطنها أوبئة الفرقة والضغينة والدمار من أقاصي اليمن إلى أقاصيه. وفي هذا المقام أليس من الرعونة والسعار الزج بالمواطنين في السجون وكَيْل التهم جزافا في ظل توجهات الحوار ومشاريع الوساطة!؟ ألا يستحق الأمر وقفة حصيفة وتقدير بعيد النظر للأمور!؟
في الضفة المغايرة، ولأول مرة، تتوحد مواقف الإدانة والاستنكار ضد الحكم الذي صدر بحق الزميل الخيواني. وما ذلك سوى استجابات شرطية ولدتها حيثيات وملابسات الحكم الصادر لدى المتعاطين مع وسائل الرأي، الذين استشعروا أن هذا الحكم الجائر لا يعني الخيواني فقط بقدر ما يشير إلى خنق سقف الحريات والتضييق على وسائل الإعلام ومؤسسات الرأي، وأن الظلم طوفان لا تخصيص لديه وحالما يقع سيعم الجميع.
لقد تنادت مؤسسات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات وغالب المؤسسات الإعلامية لإصدار بيانات الاستنكار والاحتجاج. وهذه ردود أفعال ومواقف لا تغمط أهميتها. غير أن مخاطر هذا الحكم القضائي وتبعاته تتجاوز الوقوف عند إصدار البيانات وتحتاج إلى وقفات ومواجهات تماثل في قوتها وردعها قرار المحكمة الجائر... وحديثنا ممتد.
 
 
***
 
 
لو كان صوت فيروز يكفي
أشياء يقولها حزني متأخراً كالعادة
 
 
وضاح المقطري
w-maktariMail

* إلى عبد الكريم الخيواني: هم لا يستمعون لفيروز حتماً، ولو أنهم يفعلون ذلك فإن بهجتها لا تلامس قلوبهم.. لأنها لو فعلت فسوف تنتصر الحياة فيهم قليلاً.. ولكنهم لا يحبون.
هل يكفي أن أكتب عن فيروز مرة أخرى كي أشعر أني فعلت شيئاً يذكرك بها، ويزيدك إحساساً بقيمة الحياة وبهجتها التي نناضل من أجل أن نحتفظ بها مبتسمين وطيبين قدر الإمكان، أو كما تحاول أن تشعر بها أنت كمعنى للإحساس بالحرية لا أكثر.؟ وهل حقاً كنت أنا من ذكرك بها قبل عام إلا قليل؟ أم أنك في سجنك الذي أعادوك إليه الآن كنت تنتصر لنفسك بحريتك وذكرى صوتها الذي يعبر في بالي الآن كعزاء غير مجد على خسارات كثيرة كان آخرها ساعة خذلتني وأنت تخطو داخل قاعة المحكمة الكئيبة دون أن تلتفت إلى أني نهضت كي أصافحك، وربما أحتضنك، بعد أن أمضيت وغيري ساعة كاملة في انتظارك أمام المحكمة المنتصبة كمشنقة ساخطة على أحلامنا، واعتقدنا حينها أنك سبقتنا إلى الداخل لهفة على شهادة أعدائنا لنا ببراءة ندرك أيضاً أننا لسنا بحاجة لها طالما ونحن ندرك أنها فيك وفينا، وإن كنا فقط نطلب منهم أن يتركونا وشأننا لا أكثر.
خذلتني وأنا أحاول الاطمئنان من خوفي وهواجسي بك.. تركت كفي تمتد في الفراغ ليمسك بها عسكري ساخط بحدة وخشونة آمراً إياي بالجلوس، وأنت تمضي إلى صدر القاعة منتظراً حكمهم الذي حال بعده الجنود بيننا وإياك، ومنعونا بشجاعتهم المعتادة من الوصول إليك، ثم منعوا عنك الزيارة لعلمهم بحاجتنا لها أكثر منك في تلك الساعات الحزينة من ظهر الإثنين الشقي.
فيروز الآن تنتصر لذكرى لحظات لم أتماسك فيها قط، وأنت تشكرني لأني جعلتها على صفحات الثوري وفي مدى حلقتين إلهة البهجة المتوجة دائماً، قرأت أولاهما داخل السجن وثانيهما بعد خروجك، وقلت لي حينها: كم يشعر الواحد منا بحاجة لفيروز كي يشعر بمعنى الحياة في أحلك لحظاتها.. ولك الآن أن تتصور كيف لفيروز أن تكون الحقيقة الوحيدة التي هربت إليها مسترقاً لحظات في غفلة الذين كنت معهم كي أسمعها من هاتفي النقال أو حين ورود مكالمة إلى هاتف العزيز بشير السيد طوال ساعات كنا فيها وأحمد الحاج معاً نحاول الابتسام مكرهين.. وأصدقك القول على خجل.. لقد شاهد كل منا دموع الآخرين التي حاولنا إخفاءها بسذاجة لم نكن نجيد أكثر منها.
<<<
[كان الحكم قاسياً].. هكذا قال الذين حاولوا تبرأة أنفسهم من خوفهم، ولم يقولوا أن الحكم كان محاولة كريهة للانتصار عليك، أو كأنهم لم يعرفوا أن ما حدث لم يكن أكثر من انتقام شرير يرتكبه الذين تسكن في قلوبهم كلماتنا قاسية كما طلقاتهم في ظهورنا العارية إلا من بساطة أحلامنا.. لم يشاهد أحدهم أن القاضي وهو يلقي علينا ما أملي عليه لم يكن شجاعاً قط، ولم يملك من الجرأة ما يمكنه من النظر في وجوهنا، فانحنى حينها مكباً على ورقته سارداً ما فيها حتى النهاية بارتباك وقلق ولغة مختلة الحروف وغير متماسكة، ولم يعرف أولئك أن حصاراً قاسياً أحاط بك عقب انتهاء الجلسة المعدة لسحق آمالنا البريئة كأنما يخافون أن يملك جسدك النحيل قدرة على تجاوز أسوار أمنهم المزعوم، وحواجز خوفهم المشرعة في كل مكان.
أتخيل الآن بدقة كل شيء، وسأفعل ذلك كي لا تضيع اللحظات التي نسرق فيها معنى لحياتنا وللقيم التي لابد أنك آمنت بها حتى أنهم آمنوا بأنك أكبر منهم، ولذا أعدوا لك سجنا ومحكمة وقضية. سأفعل ذلك بالتأكيد الآن وغدا. فكثيرون أبرياء يذهبون كل يوم إلى السجون، وكنت تعرف ذلك. بيد أن ذهابك إليه مختلف كثيراً، ؟. ذهبت إليه لأنك صحفي باحث عن الحقيقة التي لا تعني سوى أن تسمى الأشياء بمسمياتها فقط. فكشفت بذلك أن الحاكم الذي أودعك هناك، هو من دخل في مغامرة لم يحسب حسابها في صعدة، وهو من يدفع الآن ثمن أخطائه الثلاثين ويحاول الآن البراءة من خطيئته بالانتقام منك، وهو من قهر المواطنين الجنوبيين باحتلال كل شيء لهم من أراضيهم وحتى أسماء شوارعهم ومدارسهم وذاكرتهم، ويحاول الآن المضي في انتصاراته الزائفة أكثر، وكما أنت الآن محكوم بسجن على ذمة الحقيقة، ينتظر غيرك أحكاما جاهزة أيضاً في نفس المحكمة.
نعم فكل شيء يستحق أن نتخيله بدقة وأكثر كي نناضل من أجل أن يحيا كل ما في كيانك حراً أكثر يقظاً وعنيداً ومقاوماً، من أجل أن نعمل على حريتك دائماً.
سأتذكر إذا كفك التي أحسها الآن تربت على كتفي بحنان بالغ وشهي، سأتذكرها أكثر كي أعرف أيضاً أن شعورك الأبوي تجاه الآخرين كان يليق بي، وسأحزن كثيراً لأن آلاء التي استقبلتنا ظهر الاثنين عن باب بيتك بحاجة لذلك الحنان وتلك الأبوية أكثر مما تظن، وأن علينا إذا أن نعمل من أجل أن تعود كفك التي أحسد آلاء عليها إليها.
وسأتذكر أن المشاعر التي تكنها أعماقك تستحق أن يعمل الجميع من أجل أن يبقى صاحبها حراً، وأن تكون وارفة على الدوام. لا لشيء سوى أن كل شيء بهيج يستحق الحرية والحياة.
 
 
***
 

الحرية للخيواني وللوطن.. ولكل هؤلاء جميعاً
 
 
محمد المنصور
 

يوم آخر من أيام البلاد المرهقة حد العياء، يبزغ في توجس يلف الكثير من أصدقاء وأقارب الصحفي «عبدالكريم الخيواني» الذي وضعته السلطة نصب عينها منذ أمد. هذه المرة خالفت السلطة كل توقعات وتمنيات من يريدون لليمن صحافة حرة، وقضاءً مستقلاً وعدلاً وحرية، وراحت أبعد من كل تشاؤم سبق مهزلة المحاكمة التي كان الخيواني نشازاً فيها بدءاً وختاماً. كانت المحاكمة/ المحاكمات التي تعرض لها الخيواني منذ العام 2004 والإعتداء والترهيب بأبشع صوره التي طالته حتى غرفة نومه، صورة من صور الحرب التي فرضت على صعدة واليمن منذ منتصف 2004، وطالت في جانب منها من يحملون في جوهرهم رفضاً للحرب، ونشدانا للسلام والاستقرار بصورة حملات الاعتقال والتنكيل والمحاكمات المشكوك في نزاهتها وحيادية واستقلاليتها، بل ودستورية المحاكم المتخصصة وما سبقها من إجراءات وما أسفرت عنه من نتائج، تصب جميعها في مجرى تسييس وتوظيف القضاء، آخر ملاذات الإنسان المواطن أمام جبروت السلطة القامعة، التي تذهب بهذا النوع من (القضاء المتخصص) تارة باتجاه ما سمي بتنظيم القاعدة وأخرى باتجاه الحوثيين، وفقاً لمؤشرات الأحداث في الداخل وامتداداتها الاقليمية والدولية.
بالنتيجة أثمرت عناوين الحرب على الارهاب في بلدان متخلفة -اليمن أولها- ما نراه من تغول لسلطة الدولة ممثلة بالسلطة التنفيذية وأجهزتها على ماسواها من سلطات قضائية وتشريعية منذ أحداث 11 سبتمبر المشؤومة، وتعمقت أكثر بالنتيجة والممارسة في حروب صعدة التي نحن في مرحلتها الخامسة، التي يجمع المتابعون على أنها الأشد فتكاً وضراوة ونتائج كارثية كذلك.
عبدالكريم الخيواني واحد من ضحايا الحرب -الكثيرين- في بعدها الصحفي الإعلامي المناوئ للحرب ومنطقها -إن جاز أن لها منطق- العبثي الذي يقف على خلفيات سياسية -أيديولوجية- دينية- اجتماعية تتشكل منها مفردات الأزمة الفاجعة التي تشخص غياب الدولة الوطنية الجامعة، بنتيجة ما آل إليه مفهوم المواطنة في الواقع السياسي والاجتماعي، وما تعرض له من محق وسحق على كل صعيد.
في شخص عبدالكريم الخيواني يستهدف حكم الجزائية الجائر واللامبرر" حرية الفكر والصحافة، والانتماء السياسي وتستهدف المعارضة السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، ومنظمة الحقوق والحريات التي تتعرض للتنكيل بما تسفر عنه الحرب في صعدة من مآس وكوارث وتشريد وقتل وخراب لا موجب له، وبما يوازيها من أجواء قمع وترهيب، وحملات اعتقال ومحاكمات، وتعسفات وضعت في مرماها: قادة الحراك الجنوبي السلمي (الكاتب الكبير محمد محمد المقالح، الفنان فهد القرني، العلامة محمد مفتاح، العلامة سامي الوزير) وعشرات آخرين لا نعلم عنهم ولا عن أسباب اعتقالهم ومسوغاتها شيئاً.
يمثل الحكم الجائر والعنيف ضد الخيواني عنواناً لمرحلة، لم تعد السلطة السياسية والأمنية تعول فيها على تحسين صورتها أمام الرأي العام العربي والدولي، ولم تعد تأبه لتقارير ومواقف منظمات حقوق الإنسان العالمية.. لأنها كأنها تغلب لغة العنف على من وضعتهم في دائرة الخصومة من صحفيين وكتاب وقادة رأي وأحزاب سياسية.. في حين تعمل كذلك على الاستفراد بما تبقى من مظاهر الشراكة السياسية مع المعارضة (أحزاب المشترك) التي قامت على أساسها الوحدة اليمنية؛ ما يوسع دائرة الأزمة الوطنية الشاملة، وينذر بمزيد من التعقيدات والنتائج الخطيرة. المطلوب عاجلاً في هذا الظرف العصيب الذي تمر به اليمن وضع حد سريع وعاجل للحرب العبثية في صعدة، وإطلاق سراح المعتقلين من قادة الحراك في الجنوب، والإفراج عن المقالح، والخيواني، والقرني، والعودة إلى لغة الحوار والتسامح في الخطاب الاعلامي، وعلى مستوى علاقة السلطة الحاكمة بغيرها من شركائها في المنظومة السياسية، إن كانت ما تزال تؤمن بمبدأ الشراكة في الوطن للخروج من النفق المظلم الذي أوصلتنا إليه مجمل السياسات الخاطئة.
 الحرية لعبد الكريم الخيواني، ومحمد المقالح، وفهد القرني، ومحمد مفتاح، وسامي الوزير، وعلي منصر محمد، واحمد عمر بن فريد، ويحيى غالب أحمد، وعلي هيثم الغريب وكل رفاقهم، وكل المعتقلين ظلماً وعدواناً وتعسفا.. في وطن لم يعد يحتمل المزيد.