عن الكيل بمكيالين وأحيانا بثلاثة

عن الكيل بمكيالين وأحيانا بثلاثة - هدى جعفر

- "من يريد أن تشاركه أفكاره السياسية لا يريد أن يشاركك أفكارك السياسية".
(نسيت اسم القائل - مجلة العربي)
- خبر قرأته مؤخرا:
تم تقديم عرض مسرحي في سوريا يعارض السفور والسافرات بشكل رئيسي.
(العربية نت)
الفكرة أزعجتني بحق رغم أني متحجبة -بارك الله فيبي- أن يكون هناك هجوم على النساء السافرات لأنه أولا هي حرية شخصية كفلها الإسلام منذ قرون (لا إكراه في الدين) و (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) عندما كانت كلمة أمريكا ليست موجودة في أي كتاب ولا حتى في شمس المعارف، وسكان انجلترا يتصارعون كالوحوش قرب خندق جلن الكبير وتمارس ملكات أوروبا السحر لتسوس شعوبها (بالصميل) ويتسلى الرومان برمي العبيد والمسيحيين إلى الأسود والدببة في الارينا!!
وثانيا: هل انتهت مشاكل المرأة العربية حتى نتحدث عن السفور؟ وماذا عن السفور الأخلاقي الذي تمارسه النساء المحجبات على نطاق واسع؟ أعتقد أن الجميع يؤيدني في هذه النقطة وكيف أن المسرحية انتهاك واضح للحرية الشخصية وقيم حقوق الإنسان إلى آخر هذا الهر... عفوا..الكلام.
ولكن هل سيظل موقفك هو ذاته لو علمت أني كذبت في تفصيل صغير وهي أن المسرحية كانت ضد الحجاب وليس ضد السفور؟! هل ستظل حماستك كما هي إن كان جوابك نعم - وأنا اشك – فمبروك روحك الحقوقية، أما إذا كان لا فهذا يعني أن هناك مشكلة ما في ضميرك الليبرالي الحر!!!
لان الحق هو الحق سواء في ارتداء الحجاب أم في خلعه
يقول الخبر الصحيح انه تم عرض مسرحية تونسية في سوريا تعارض الحجاب وقد لاقت نجاحا كبيرا وليس الغريب أن تلقى المسرحية هذا النجاح ولكن الغريب هو أنني لم أسمع صوتا واحدا من (الحقوقيين) ليقول من باب الإنصاف والمنطق أو حتى المجاملة إن هذا انتهاك للحريات الشخصية وسخرية من معتقدات السواد الأعظم من الشعوب العربية ولملايين المحجبات في العالم العربي
الحق في خلع الحجاب يساوي تماما الحق في ارتدائه وأي انتهاك للحق الأول يساوي بالنتيجة انتهاكاً للحق الثاني
وهذا مالم أجده عند الكثير من أصدقائي الحقوقيين الذين يرون في نظام مثل هيئة الأمر بالمعروف - وأنا أوافقهم - فكرة غير إسلامية وغير إنسانية على الإطلاق،ويجدون النقاب – وأوافقهم هنا أيضا – رمزاً للتخلف خصوصا عندما نعرف أن 90% من المنقبات في اليمن يفعلن ذلك إما مجاراة للتقاليد أو مداهنة للعائلة أو لأن الفتاة قبيحة أو (شوعة) كما يقولون هنا في عاصمة الثقافة (عاصمة هنا بمعني مانعة) وقلة قليلة ترتديه من منطلق ديني ومن لم يصدقني عليه أن يركب طائرة قادمة من أي مكان إلى صنعاء وترى الفتيات اليمنيات يلبسن النقابات بسرعة قبل الهبوط في هذه المدينة وقبل الفضيحة المجلجلة.
هؤلاء الرفاق الحائرون دوما والذين يتشدقون في كل مناسبة بالحقوق وبوجوب احترام الحرية الشخصية أراهم لا يتورعون عن وصف الحجاب بأقذع الصفات وأسوئها – وأنا متحجبة وموجودة بينهم – وليس هذا فقط بل يدعونني إلى خلعه بغباء عجيب، والنكتة حينما قال لي صديق ليبرالي عزيز إن علي خلع الحجاب لأني لست مقتنعة به وأنني ارتديته تحت ضغط العائلة والمجتمع، ولا ادري من أين أتى (العوبلي) بهذه المعلومات مع العلم أنها المرة الأولى التي يراني فيها أقصد كانت المرة الأولى، أليس هذا تعد على حقوقي؟ أليست السخرية من مقتنعات الآخر من نواقض الديمقراطية؟ أليس من حقي عليهم أن يحترموا قناعاتي مثل ما يجب على الجميع أن يحترموا قناعة من تخلع الحجاب أو من يبدل دينه؟ أنا لا أدافع عن الحجاب كمسألة دينية فكل واحد "حر في موزو” كما يقول سمير غانم في مسرحيته الشهيرة ولا أدافع عن الحجاب من زاوية شخصية، فأنا لست بانتظار احد كي يصدقني أو يقتنع بأفكاري، ولكني أدافع عن المنطق الذي يفرضه مصطلح حقوق الإنسان غير الموجود، ما اتضح لي مؤخرا أن هناك حقوق سفور، حقوق لبس البحر، حقوق رد الفعل، حقوق شرب الخمر، حقوق نتف اللحية، حقوق الحقوقيين ولكن لا وجود لمصطلح حقوق الإنسان كما يجب أن تكون, في الحقيقة لا يوجد الآن سوى حفنة من الرفاق الحائرين والحائرات، الأحياء منهم والأموات ومكيالين وأحيانا ثلاثة!!!
[email protected]