في رحيل محسن بن فريد: أحزان عولقية!

محسن بن فريد العولقي
الشيخ الراحل محسن بن فريد العولقي (صفحته على فيسبوك)

قال شيخان الحبشي الذي كان اميناً عاماً لحزب رابطة ابناء الجنوب المحتل في شبوة حين التقى والد راحلنا الكبير الشيخ محسن محمد بن فريد العولقي، قال له: يا شيخ محمد أبو بكر انت عدو للغنم... في كل يوم من ايامنا في لدنكم تقيم الولائم وتذبح الكثير من الذبائح، شبعنا يا شيخنا الجليل.. ترفق قليلاً بالغنم!

وسار العزيز الغالي ابنه الشيخ محسن محمد بن أبو بكر بن فريد، امين عام رابطة ابناء الجنوب، نفس سيرة ابيه الجليل مع الغنم! إذا كنت انا البسيط بين الناس، قد تكرم واقام لي من المآدب 3 كانت اولاها حين تعارفنا للمرة الاولى بواسطة اخي الاصغر محمد لدهم.. وفي بيته بصنعاء بعد رجوع الرابطة من منافيها بين القاهرة وجده تجرعها محسن وهو صغير.

في بيته العامر بصنعاء، حي الاصبحي، حيث استضافني.. اشار الى الجدار في صدارة ديوان الاستقبال حيث علقت صور بيوت آل أبو بكر بن فريد المهدمة، والتي قصفتها في مدينة الصعيد طائرات سلاح الطيران الملكي البريطاني لاصطفاف نصف آل فريد في صف مقاومة الاستعمار البريطاني، بينما النصف الآخر من آل فريد، آل محسن بن فريد كانوا يوالون البريطانيين..

وحدث الشقاق المحزن بين ابناء العمومة من العوالق، آل فريد.. وكان اظهر شرخ في سفر العوالق الطويل، وهم من يسمون في عامية مشيخة العوالق العلياء -- اهل الدولة -- وتخندق كل طرف في الخندق المواجه للآخر، ولا اقول المعادي، فالدم يحن، ويحكم، وهو ما حدث في الصلح الشهير بعد عقود طويلة من العرق والدم والدموع.. لان استقلال الجنوب العربي جمع ابناء العمومة في منافي الاغتراب.!!

ايه يا صفوان.. يا ابننا العزيز، صبراً جميلاً على فقدك لأبيك.. اغلى الرجال، واعز الرجال، واكرم الرجال، واشجع الرجال.. فالمصاب جلل جدير بأن تبكيه البواكي الى نهايات الاحزان.. في جده، بالسعودية شرفت بلقاء الشيخ محمد، ابو محسن، في بيته العامر هناك.. لم تكن عصاه تفارقه.. خبطني بها مؤنباً حين علم بانني ادخن السجائر في السر.. وقال مستذكراً : كم لعبنا في صبانا بالصعيد انا وابوك بن لدهم في حواري المدينة.. لكنك لست مثله.. فليس له مثيل!

سعدت حين علمت بصلح ابناء العمومة، فلي في الطرف الآخر صداقات ابرزها مع الزميل الضابط في الجيش حسن صالح فريد.. والذي درس في المملكة المتحدة وزامل في دراسته هناك العقيد معمر القذافي.. وحين قام القذافي بثورة الفاتح في ليبيا، قرر حسن صالح وعدد من ضباط جيشنا السفر الى ليبيا عند زميل دراستهم القذافي.. الذي اسكنهم هناك في فندق الشاطئ بطرابلس.. وبقوا هناك شهراً الى ان لقيهم القذافي بعده ليطمئن على احوالهم، واكلهم وشربهم! قالوا له: ايها الاخ العقيد، لم نجيء اليكم هنا للأكل والشرب فلدينا في بلادنا منه الكثير.. جئناكم للمؤازرة وعرض خبرتنا وتجربتنا!!

حكاية الاكل والشرب هذه تشكل للأجانب عقدة من الليبيين.. فقد تكررت معنا عام 1976م حين زرت ليبيا في مؤتمر عن التنمية والاسكان.. ومعي الصديق الاديب المصري محمد توفيق.. اخذونا عبر الصحراء في رحلة بالباص امتدت3ساعات للقاء الاخ العقيد في خيمته التي نصبها هناك.. تذمر صديقي الاديب المصري واحتج فقال له المرافق الليبي: اهدأ، سوف نعشيكم هناك عشاءً فاخراً!! فاضرب توفيق عن الطعام ولم يذق لقمة واحدة!

رحمك الله يا محسن، يا ابن محمد بن بوبكر بن فريد.. كنت بجدارة النجمة الاكبر والاسطع في السماء العولقية الملبدة بالغيوم.. وتركت ارثاً خالداً للتضحية والنضال قل مثيله.. حتى قيل، ويقال ان النساء يعجزن عن انجاب مثلك حتى في كل قرن من قرون الزمن.. نعم لن تلد النساء كماك حتى في كل دهر من دهور الزمن الذي يصعب مع مثلك ان يقاس بالسنين.