ضريبة التوتر

ضريبة التوتر - سامي غالب

تكشف الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها السلطات خلال الأسبوعين الماضيين عن توتر حاد يحكم سلوك المسؤولين في السلطة التنفيذية.
علينا أن ننتظر الأسوأ.
 ليس هناك ما هو أخطر على الحقوق من سلطة متوترة، تخطئ قراءة الأحداث، فتهوِّن من الأزمات الكبرى، وتهوِّل من أعراضها، فتتعامل مع أي عرض على أنه خطر وجودي يقوِّض سلطانها، ويهدد، بالتالي، الكيان الوطني.
مطلع الأسبوع الجاري تعاملت السلطة مع صحيفة "الوسط" المستقلة باعتبارها الخطر الأول على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي و"العلاقات الحميمة" مع المملكة العربية السعودية. ولأجل ذلك كان القرار، الذي لا يصدر إلا عن سلطة أحكام عرفية، بإلغاء ترخيص الصحيفة.
 بدلاً من معالجة الأزمات المزمنة في غير مكان وقطاع، رفعت السلطة مجددا شعار: لنبدأ بقتل الصحفيين!
المحقق أن قرار إلغاء ترخيص "الوسط" هو اغتيال مادي ومعنوي لحرية الصحافة، التي لا تقوم إلا على ركيزة الحق في الإصدار.
عوض احتواء التداعيات الخطيرة في الجنوب، وتحجيم "الجوع"، بما هو أخطر تهديد وجودي لليمنيين، قررت أطراف داخل السلطة أن الخطر الوشيك يهبّ من داخل مقرات الصحف المستقلة.
هذا سلوك معتاد منذ عدة سنوات، حيث تكون الصحافة، والصحافة المستقلة تحديدا، موضع التفريج الأول عن توتر السلطة. وفيما يخص "الوسط" فإن التوتر استزاد من نزعات ثأرية واعتبارات شخصية سوَّغت قرار الاغتيال.
السلطة الشرعية، أية سلطة شرعية، تأنف الاغتيال بما هو أداة الخارجين على الشرعية الدستورية. وخلال الأيام الماضية جهدت وزارة الإعلام كثيرا لتبرير قرارها "الخوارجي". وهي إذ سبَّبت في اليوم الأول إلغاء ترخيص "الوسط" بالآراء والتحقيقات والحوارات التي تنشرها، خرجت في "اليوم التالي" لضربتها النووية (!) بأسباب أخرى متوسلة تدارك آثار عدوانها على سلطان القضاء صاحب الاختصاص الحصري في النظر بقضايا النشر. شحذت وزارة الإعلام قدراتها البيروقراطية لتحشد أسبابا فنية وإدارية تتعلق بشروط ترخيص الصحيفة. كان الحصاد بئيساً، ذلك أن الذرائع التي ساقتها متهافتة، ويعوزها المنطق.
دفعت "الوسط" فاتورة علاج رجال متوترين. ولا شك في وجود "أصحاء" داخل السلطة، سيُقدّرون لها ذلك. وعليهم أن يسارعوا لتعويضها بدءا من إلغاء قرار الإلغاء، والتفرغ لمواجهة التهديدات الكامنة في أطراف السلطة والبلد، وليس في "الوسط"!
Hide Mail