استنقاع

استنقاع - منصور هائل

يبدو أن الحمقى والمجانين سيتكفلون، وحدهم وقبل غيرهم، بشغل الفراغ المروع الناتج عن تراجع وفشل الساسة، وانحسار وإقصاء وغياب السياسة. ومن الوارد والراجح، مع شديد وبالغ الأسف، أن تتجزأ وتتصومل وتتمزق البلاد، بجنوبها وشمالها وجميع جهاتها الأربع إلى إرب يتناهشها أمراء وجنرالات حرب بضرواة لا ترحم، ولا يستبعد أن يتشوش أمامنا مجال رؤية صورتنا في المرايا المنكسرة، وأن يستعصي علينا التكهن بشكل الماضي الذي سنأتي عليه وبالاحرى سيأتي علينا بعد أن صار من المحال، ومن شطح الخيال، الحديث عن «مستقبل أفضل» في بلاد يحفها ويلتحفها الماضي المنتظر بجهامة من يأتي وهو أمضى مما كان عليه في غابر الايام والأزمان.
والحاصل أن هذا الكلام لا يصدر عن مصاب باضطراب الأدلة وانعدام الوزن والمعنى بقدر ما يصدر عن شاهد عيان يتوسل التقاط بعض اصداء وشظايا الأحداث المتفجرة والمنذرة بخرق يتسع إلى المستوى الذي لن تنفع معه كل محاولات الرتق والترقيع لأن أحداث الأيام الأخيرة تقطع بانحدار إلى قعر الاستنقاع في برك الدم.
ولست في وارد التحذير من الاندفاع إلى المجاهل المرة والمهاوي المدمرة، لأن ما يحدث يشير إلى وقوع الفأس على الرأس، وينبغي أن يُقرأ كما هو عليه في الواقع وليس كما نشتهي ونتمنى.
ثم لا بأس من أن نعترف بأن أنفجار الأحداث الدامية في بحر الأيام الممتد إلى لحظة هذه الكتابة قد حصل بفعل جملة من العوامل التي أستطيع القول بأن الجوع كان في صدارتها.
والجوع هو ما دفع إلى انفجار الشباب العاطلين الذين كانوا ذهبوا من الضالع وردفان إلى معسكر الاستقبال في يريم وأوصدت في وجوههم فرص التجنيد على غرار ما حصل للشباب في كرش والصبيحة الذين أغلقت أمامهم فرصة التجنيد بمعسكر الاستقبال في الجند تعز، وما كان من أمر آلاف الشباب الذين حرموا من ذات الفرصة في أبين.
إن انكسار آلالاف من الشباب العاطلين عن العمل وتفاقم شعورهم بالغبن والتهميش والاقصاء كان بمثابة الشرارة التي اشعلت السهل وامتد خط لهبها من عدن إلى الغيظة.وقد تغلف ما حصل بعناوين وشعارات شتى، ولكنه لم ينف الواقع الفاقع بحقيقة أن الجوع كافر، وأنه سوف يحرق اليابس والاخضر، ولا يمكن تزويق الكارثة بحصر دائرتها في مربع صراع «الحرامية والعسكر».
mansoorhaelMail