النزاعات والثأرات في مأرب تضربان التعليم في العمق

إدارة أمن مأرب تعاملت مع المواطنين بمسؤولية في تطبيق قانون منع السلاح، وأدعو وزير الداخلية بصفته رئيس اللجنة الوطنية العليا لمعالجة قضايا الثأر، إلى الدعم المادي و المعنوي
الشريف سالم بن سعود: نريد أن تكون الجامعة مهجّرة والطريق إليها «مبرَّح»
* الوضع العام كله يحتاج إلى جهود جبارة ولكن نحن نبدأ بالتوعية وستنطلق من وسط الجامعة
* نحن لانريد أن نهجِّر التعليم وبس ولكن نراه نقطة بداية
 
  لقاء: علي الضبيبي
ali.dhubaybaybiMail
 
يتمتع الشريف سالم بن سعود، بخبرة إجتماعية جيَّدة في فض النزاعات، ويحمل تليفونين. وبين اللحظة والاخرى يرن هذا التليفون أو ذاك ليبلغه عن مشكلة حدثت هنا، أو لتأكيد موعد «صلح» هناك.
إلى كون الرجل الستيني خبير في تفكيك أعقد المشكلات القبلية في مأرب، فإنه يرأس جمعية المستقبل للتنمية والسلم الاجتماعي، التي أطلقت مؤخراً مبادرة مهمة لتجنيب المؤسسات التعليمية في مأرب تداعيات النزاعات والثأرات في المحافظة، وتسعى حثيثاً لحشد المناصرة والتأييد للمبادرة التي تعتبرها ضرورية لتأمين ظروف دراسية ملائمة لطلاب وطالبات المحافظة، التي يعاني الوضع التعليمي فيها من تعقيدات كبيرة، أبرزها انتهاك حرم المؤسسات التعليمية من قبل أطراف النزاعات.
الجمعية تعمل على تشكيل تحالف واسع يرعاه رئيس الجمهورية، ورئيس اللجنة الوطنية العليا لمعالجة قضايا الثأر، و الدكتور رشاد العليمي، وتضم شركاء من السلطة المحلية والمجتمع المدني والإعلام. وهي تخطط لحملة تأييد في أوساط الشخصيات الاجتماعية والسياسية في مأرب خلال الأيام القادمة.
«النداء» التقت الشريف سالم بن سعود في مدينة مأرب الأسبوع الماضي، وقد تحدث عن دوافع إطلاق المبادرة، والتأثير السلبي للنزاعات والثارات على الأوضاع التعليمية في المحافظة، وبخاصة معاناة الطلاب وأسرهم جراء لجوء البعض إلى تحويل المدارس والكليات إلى ساحات تصفية ثارات.
> أنتم في جمعية المستقبل تطرحون مبادرة، فحواها الوصول إلى حل أو اتفاق عام لوضع حد للنزاعات المختلفة لما تسببه من تأثيرات سلبية على التنمية والإنسان، إلى أي مدى يمكن أن تخلق هذه المبادرة أجواء آمنة؟
- بداية أرحب بصحيفة «النداء» في أرض الجنتين مأرب. نحن في جمعية المستقبل رسمنا أهدافاً مستقبلية في ضوء ما تعيشه البلاد، ونعتقد أن أهدافنا لن تتحقق إلا بتضافر الجهود ومن خلال الناس.
 الجمعية أهدافها: رفع مستوى الوعي عند الشباب، ثم حل النزاعات. لأن النزاعات تختلف والثأر يختلف. وقد يولد النزاع ثأراً، لأن الثأر قديم بين قبيلة وبين قبيلة أخرى، والنزاعات قد تحصل حتى على مستوى أرضية أو أرض زراعية أو غيرها، والنزاعات بعضها تخلق قتالاً والقتال قد يؤدي إلى ثأر.
 نحن في مأرب شكلنا جمعية على أساس هذا التعاون مع الخيرين. ونعتقد أننا سنحقق الهدف، لأن الهدف خيري وتنموي. وكل الناس يريدون الخير والتنمية. وجمعية المستقبل تسير في هذا الطريق بالتعاون والشراكة مع المعهد الديمقراطي الوطني، وبالتنسيق مع اللجنة العليا لمعالجة قضايا الثأر التي شكلها الرئيس. وبالشراكة مع صحيفة «النداء» و«مأرب برس» وصحيفة «يمن بوست» الناطقة بالإنجليزية.
الثأر موجود في مأرب والنزاعات موجودة والخيرون موجودون. ونحن نريد أن نأخذ بأيدي الناس إلى ما فيه مصلحة المحافظة. ومن خلال خبرتي في حل النزاعات، فإن بالإمكان أن تتحول الأمور إلى الأفضل إذا وجد من يدعو الناس إلى ذلك. أنا عندي خبرة في موضوع حل النزاعات، وكنت مكلفاً من قبل أولاد المرحوم عبدالله بن حسين الأحمر بعمل صلح في مأرب وأوشكت على الإنتهاء منه. وبصراحة إذا نظرنا إلى الوضع العام كله (فإنه) يحتاج إلى جهود جبارة ولكن نحن نبدأ بالتوعية وسننطلق من وسط الجامعة والمدارس وندعو كل القبائل إلى تهجير أرضية الجامعة. ندعو إلى صلح قبلي يقوم على فكرة أن تكون الجامعة مكاناً مقدساً وآمناً والطالب يذهب إلى الجامعة بصورة آمنة دون خوف.
 ندعو إلى ذلك ومعنا اللجنة العليا لمعالجة الثأر وشركاؤنا الذين ذكرتهم وكل من يهمه أمر التعليم والتنمية في مأرب. نريد أن نكوَّن شراكة موسعة مع كل الأطراف والمشايخ والوجاهات وقادة الرأي والكلمة والصحفيين، والمسؤولين في المجالس المحلية والمكاتب التنفيذية ومنظمات المجتمع المدني وكل الناس بلا استثناء سواء من مأرب أو من خارجها. المهم نصل إلى حل لهذه المشكلة.
> ما مدى تجاوب الجهات الرسمية مع هذه المبادرة التي تطرحونها؟ هل طرحتم عليهم هذا المشروع؟
- التقيت بمدير الأمن في المحافظة وطرحت له الموضوع واستحسنه وأيده، وسألتقي بالأمين العام في المحافظة، وقد بدأنا بالتواصل مع بعض المشائخ والشخصيات. إلى حد الآن الكل مرحب ومتحمس، وسوف التقي بالأخ المحافظ. وأدعو الاخ رشاد العليمي نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أن يساهم معنا، وأن يقوم بدوره كرئيس للجنة الوطنية العليا لمعالجة الثأر من خلال الوقوف معنا ودعم هذه الجهود. أدعوه إلى الشراكة باسم منظمات المجتمع المدني، وإلى الوقوف معنا وشد أزرنا وانتظر أن تلاقي هذه الدعوة استجابة منه. وأشكره باسم الجمعية عبر صحيفة «النداء» على الحملة الواسعة لمنع التجول بالسلاح في المدن الرئيسية فهذا أمر جيد وممتاز، وأنا اعتبر أن هذه أول حملة من نوعها تستحق الدولة عليها الشكر. وأشكر الاخ محمد الغدراء مدير أمن مأرب على إدارته الممتازة لهذه الحملة، وكل الضباط ورجال الأمن الذين تعاملوا مع الناس بهدوء وبمسؤولية عالية ولم تحدث أي مشكلة.
> أنتم في الجمعية استفدتم من هذه الحملة (حملة منع السلاح) وبالتالي رأيتم أن الوقت مناسب لإطلاق هذه الدعوة التي أنتم بصددها الآن؟
- نعم. الفكرة كانت لدينا منذ فترة، واحنا نعتبر هذه الخطوة التي قامت بها وزارة الداخلية خطوة نحو الهدف الذي نريده. وأعتقد أن هدفنا واحد.
> لكن الرئيس في 2003، وهو في مأرب، وجه دعوة إلى أبناء المحافظة للإقلاع عن الثأر، ودعاهم إلى صلح عام، وبعدها صدر قرار بتشكيل اللجنة العليا لمعالجة قضايا الثأر؟
- الأخ الرئيس دعا أكثر من مرة لهذا الكلام ولكن للأسف ما لقيت دعوته ترحيباً من المسؤولين ومن بعض القبائل.
> ماهو السبب؟
- السبب: أنه مافي متابعة للموضوع. الرئيس حريص على المواطنين وباستطاعته أن ينفذ دعوته، وبيده القانون والنظام. وحتى لو كانت الدولة، كما يقولون، فاقدة قوة النظام والقانون في هذه البلاد، لكن يجب أن يستوعب والمواطنون كيف يمكن أن يبنوا أنفسهم ويحقنوا دماءهم ويتركوا الأجيال يتعلمون ولا حد يعترض طريقهم إلى الجامعة.
> الدعوة إلى إخماد قضايا النزاع و الثأر وإقناع الناس بالفكرة والتواصل مع مختلف القبائل في كل المديريات والقرى ليستوعبوا هذا الموضوع ليست سهلة، ولا يمكن أن يحل الثأر بعصا سحرية أو من خلال دعوة في صحيفة أو حتى في ملتقى عام، كيف ستعملون على تنفيذها على أرض الواقع؟
- نحن في جمعية المستقبل للتنمية والسلم الاجتماعي، بدأنا الفكرة وحدنا ثم مع المعهد الديمقراطي وبالتفاهم مع اللجنة الوطنية العليا لمعالجة قضايا الثأر، ثم مع موقع مأرب برس وبعدها انضمت إلينا صحيفة «النداء». واليوم (يوم الاثنين قبل الفائت) التقينا بعميد الكلية في مأرب الاخ الدكتور عبدالله النجار وأبدى موافقته على الشراكة وبكل قوة. والطلاب والطالبات استجابوا لذلك.
> يعني أنتم تعتمدون المرحلية في تحقيق الأهداف، هل ستبدأون من الجامعة مثلاً؟
- نعم إحنا نبدأ «دلى دلى» مرحلة مرحلة حتى نصل إلى العلاج.
> يعني ليس لديكم خطة زمنية. قد تطول المدة كثيراً؟
- ربما تطول المدة قليلاً، ولكنا سنصل، وقد أصبح الطالب هو نفسه من يتبنى المشروع وكذلك الطالبة. نحن نستهدف حتى الأم التي هي أكثر المتضررين. الأم التي يخرج إبنها من عندها وهي واضعة يدها على صدرها ولا تهدأ إلا حين يعود. ومن خلالكم أدعو الجميع من وجهاء ومشايخ ومسؤولين إلى الالتفاف حول هذه الراية حتى نسرع إلى الشاطئ.
> كيف يمكن أن تكون المرأة مساهمة معكم في هذا البرنامج؟ هل تستطيع المرأة أن تأمر وتمنع في مأرب، ولا سيما في قضية ثأر مثلاً؟
- المسألة ليست أمراً ونهياً ومنعاً. القضية خلق وعي عام لدى الناس. وبعدها يتفق الناس. أنا فتحت بيتي للنساء كل ثلاثاء من أجل التوعية في هذا الإطار، ومنذ سنتين والنساء يجوا يتلقوا محاضرات توعوية. الجمعية تريد أن يعرف الرجل والمرأة أن الإسلام حرم الثأر وأنه سلوك متخلف شوه سمعتنا وأضر بأبنائنا وبناتنا.
> هل تتوقع أن تواجه دعوتكم هذه أو برنامجكم هذا صعوبات أو معوقات من جهة الناس أو من أي جهة؟
- لا أتوقع أن أحداً يؤمن بالله ورسوله ويحب وطنه وأبناءه، يحب أن يبقى الثأر، وتبقى النزاعات. ولكن أتوقع أن نواجه صعوبات لأن كل عمل خير، وأي دعوة إلى الصلاح، تحتاج صبراً وتعباً، وتجد من يحاول أن يشكك الناس. ولكن أعتقد أن الناس الذين أنهكتهم الثارات والنزاعات سيتجاوبون معنا ومع مصلحة أنفسهم وأبنائهم.
> ماهي الصعوبات التي تتوقع أن تحدث؟
- اليأس هو صعوبة كبيرة. الناس عندهم يأس أن تتحقق مثل هذه الدعوات وأن ينتهي الثأر. ولكن الجمعية واضعة هذه الأمر في حسبانها وهي سوف تعمل على إزالة هذه اليأس وغرس الأمل في عقول الناس. وأتمنى وأرجو أن لا تعترض المكايدات الحزبية والقبلية طريق هذه الدعوة لأنها خالصة لوجه الله. أرجو أن لا يتدخل أحد في عمل جمعيتنا أو يشوش على الناس، إحنا جمعية مستقلة لا نخضع لأحد. الحزبية من يريد يمارسها معروف أين ومن يمارسها. أما هذه الدعوة فهي خالصة لله ثم لأبناء مأرب بكل انتماءاتهم القبلية والسياسية والمناطقية والفئوية. لا والجمعية تدعو الأحزاب للمشاركة بشكل إيجابي في هذه الحملة وإذا ما يريدون يشاركونا يتركونا وشأننا وهم أول المستفيدين.
> تطلقون هذه المبادرة أو الدعوة من داخل الحرم الجامعي، من أوساط الطلاب والطالبات، هل لديكم إحصائيات تؤكد حجم الضرر الذي سببه الثأر على الجامعة والمؤسسات التعليمية؟ ولماذا طلاب الجامعة بالذات؟
- لدينا إحصائيات سنوافيكم بها قريباً. وعلى الصحفيين أن يذهبوا فقط ويسمعوا بأنفسهم من الطلاب والمدرسين كم يعانون من ذلك.
طلاب الثانوية العامة، تحصل عند بعض الناس؛ عندما يكمل الطالب التعليم الاساسي ويدخل في الثانوي يكون دخل في الغرَّامة، ومن دخل في الغرَّامة معناه (أنه صار) «نِصاب» فذلك يعني هناك طلاب ينتقلون من سيارة إلى سيارة حتى يصلون الجامعة لأن (الغرماء) لو عرفوا سيارته فذلك يعني الله يرحمه. في طلاب قطعوا التعليم بسبب الثأر والحالة النفسية المقلقة. وبينهم من لا يستطيع أن يحضر الاختبارات بسبب الثأر. واسألوا الجامعة تجدون هذا الخبر كل سنة. في طلاب قتلوا بسبب الثأر وهم يدرسون في صنعاء. نريد جامعة آمنة ومدرسة آمنة مطمئنة ومعهد مهني آمن. نريد طالباً يدرس ويتعلم والقبيلة والدولة تحميه من كل شيء. أبناء المحافظات الأخرى تقدموا في التعليم وتخرجوا من الجامعات، واحنا في مأرب والجوف وشبوة مازلنا نحاول أن نقنع الناس وأولياء الأمور أن الجامعة «مهجَّرة» وأن الطريق إليها يجب أن يكون «مبرَّح» وآمن للطالب وللدكتور وللأستاذ وللزائر وللباحث وللصحفي. عندما يذاكر الطالب أو يختبر وهو يفكر بحد نصب له كميناً أو أن حد با يدخل له للفصل، كيف يمكن يتعلم؟
نحن لا نريد نهجِّر التعليم وبس ولكن نراه نقطة مبدئية لأن بداية عندما تنطلق من هنا سيشعر الناس براحتهم وسيتعاونون. نحن بدأنا بهذا العمل وقد يكمِّل المشوار غيرنا. علينا أن نوجد المفتاح أولاً وبعدها كل شيء يصلح. البداية من الجامعة لشيئين: العلم أساس كل شيء، والشباب هم صنَّاع المستقبل.
> بالنسبة للجنة العليا لمعالجة الثأر، هل بدأت الحملة أم لا يزال الناس في انتظارها؟
- الرئيس دشن الحملة زمان، واللجنة يرأسها نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الأخ رشاد العليمي في صنعاء وكنا موجودين في صنعاء على أساس أن اللجنة باتنزل هنا وبا نعرف كيف نتعاون ولكن ما وصلت. نحن ندعو الأخ الرئيس ووزير الداخلية إلى المسارعة بإرسال اللجنة وأن تكون لها ميزانية خاصة وهيئة خاصة على أساس تحل مشاكل الناس. والبلاد في خير وإذا أعطوا شيئاً فهو في محله.
> انتم تركزون على التعليم وأنت صاحب الفكرة، ألا توجد عوامل أخرى تساهم ايضاً في تدني مخرجات التعليم وتخلف الطلاب عن الالتحاق بالجامعة؟ أرى أن هناك أسباب كثيرة؟
- نعم. هذا الكلام صحيح. للأسف التعليم ضعيف ومستوى الطلاب متدن إلى أبعد حد. المعلم يتحمل مسؤولية، وأولياء الأمور والمجتمع ومكاتب التربية وغيرهم يتحملون مسئولية أكبر. ربما يكون هذا الضعف عام على مستوى اليمن، لكن احنا نتحدث عن مسألة تخصنا؛ الثأر يؤثر على الطلاب ويؤثر على التعليم ويؤثر على التنمية ويؤثر على الصحة ويؤثر على الانسان ويؤثر على كل شيء. كيف نعمل ونوقف الثارات بين القبائل، هذا هو ما نريده والبداية من الجامعة ومن المدرسة. نبدأ نهجر الجامعة. ونحن نتواصل الآن مع خطباء المساجد؛ نريدهم يساهموا معنا في نشر التوعية في هذا الجانب، وقد تواصلنا مع مكتب الأوقاف ومع مكتب الأمن. ونريد المجلس المحلي أن يشعر بمسؤوليته ويقف معنا لأنه مشكل من أبناء البلاد وهم أولى من غيرهم بالوقوف معنا.
 
 
***
 

عدد الذين لم يحضروا امتحان الفصل الأول أكبر من عدد المسجلين هذا العام، والمشكلة أن هذا الرقم يفوق حتى عدد الناجحين أنفسهم
النزاع والثأر  في مأرب يضربان  التعليم في العمق
 
 
تراجعت أعداد الطلاب الملتحقين بكلية التربية والآداب والعلوم في مأرب هذه السنة عن العام الفائت إلى أزيد من النصف.
السنة الدراسية الماضية 2006-2007 بلغ عدد المسجلين 1547 طالباً وطالبة. هذا العام العدد تراجع بشكل مهول، بالكاد وصل عدد المسجلين إلى 673.
طلاب العام الفائت أنفسهم لم يصمدوا طويلاً. إذ لم يدخل الإمتحان منهم سوى 1200 طالباً، وتخلف عن الحضور 347. وحتى الذين دخلوا الإمتحان لم ينجح منهم غير 650 طالباً وطالبة، والبقية رسبوا.
والحصيلة إن عدد الذين بقوا من العام الفائت يفوق عدد الذين نجحوا فيه. وأيضاً يزيد عدد الباقين من العام الماضي على عدد المستجدين هذه السنة.
تقول الكشوفات الرسمية أن 808 من طلاب المستوى الأول (العام الفائت) رسبوا في الإمتحان، وإن عدد المستجدين في المستوى الأول هذا العام لم يبلغ سوى 673 فقط.
وإذا كان الطبيعي أن مجموع المقيدين في كشف طلاب المستوى الأول لهذه السنة، المستجدين والباقين- هو 1481 طالباً (673 مستجدون+ 808 باقون) فإنه لم يدخل امتحان، الفصل الاول منهم سوى 770 طالباً، فيما 697 تخلفوا عنه، وبالتالي يكون عدد الذين لم يحضروا امتحان الفصل الأول فقط، أكبر من عدد المسجلين هذا العام برمتهم. وهذا رقم يفوق حتى عدد الناجحين إلى المستوى الثاني من طلاب السنة الفائتة.
وإلى الآن، وطبقاً للأستاذ صالح العكيمي مسدس مدير ادارة القبول والتسجيل في الكلية، فإن أكثر من 600 طالب انقطعوا عن الدراسة.
مدير إدارة القبول عزا هذا العزوف عن الدراسة إلى أسباب كثيرة: «بعض الطلاب لا يستطيعون الوصول إلى الكلية للدراسة بسبب النزاعات القبلية وبعضهم بسبب الثارات ولكن هناك طلاب دخلوا الكلية بمستوى تعليمي متذني جداً ولم يحالفهم الحظ بالنجاح هنا، فقرروا مغادرة الكلية». وزاد أوضح أن سببباً هاماً، إلى حد ما يؤثر على بقاء الطلاب في الجامعة: «الحالة المادية الصعبة».
لم يمر على تأسيس كلية التربية والآداب والعلوم في مأرب سوى عامين فقط، لكن ومن خلال المؤشرات والأرقام، فإن الكلية قد لا تصمد، لاسيما وإن بقيت الأوضاع الحالية قائمة. فإلى كون الطلاب يتسربون منها بالمئات، وينهارون عند أول اختبار، هي أيضاً تعاني من نقص حاد في التجهيزات والمعامل. فالكلية التي تتألف من 3 كليات في الأصل (تربية، آداب، علوم)، يفتقر طلابها وكادرها التعليمي حتى إلى مكتبة جامعية.
وإذ تدرِّس الحاسوب، الفيزياء، الكيمياء، والأحياء، فإن طلابها يشارفون على إكمال سنتهم الثانية دون أن تلمس أصابعهم لوحة الـ«كيبورت» أو أنابيب مزج التفاعلات الكيميائية. فضلاً عن ذلك؛ فإن باص الكلية الذي يقل هيئة تدريسها من وإلى صنعاء، هو الآخر عُرضة للتقطع والنهب من قبل أطراف النزاعات.
منتصف الأسبوع الفائت زارت جمعية المستقبل للتنمية والسلم الاجتماعي في مأرب، كلية التربية هناك، وكان معها ممثلون عن المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية (NDI) و مندوب صحيفة «النداء» الأهلية وزملاء من موقع «مأرب برس» الاخباري، والتقوا العميد وعدداً من أعضاء هيئة التدريس والطلاب وتناقشوا معهم.
كان النقاش دافئاً. ولقيت دعوة الجمعية بشأن الإقلاع عن الثأر وتهجير الجامعة، ترحيباً حاراً. لقد تحدث الدكتور عبدالله النجار عميد الكلية عن معاناة الكلية وبالذات من النزاع القبلي، بحرقة. قال إن النزاعات والثأر في محافظة مأرب يضربان التعليم في العمق. وأفاد أن باص الكلية تعرض للنهب في الطريق أكثر من مرة. وأوضح أن عدداً من الطلاب العام الماضي وهذا العام «تخلفوا عن الإمتحان بسبب الثأر».
كان العميد يتحدث من مكتبه وعشرات الطلاب متحلقين حواليه. وبدا الرجل، وهو يتحدث عن مشاكل النزاعات في مأرب وتأثيراتها على التعليم، مقهوراً للغاية. ثم استخرج من «درج مكتبه» ورقة مكتوبة تدعو إلى «تهجير» الجامعة.
الورقة صيغت على أساس أن تمرر على مشائخ القبائل للتوقيع عليها لتكون وثيقة رادعة لمن يعتدي على الجامعة أو يمس أحد العاملين فيها بسوء.
الدكتور النجار رحب بفكرة العمل المشترك بين جمعية المستقبل وNDI وصحيفة «النداء» و«مأرب برس» والدعوة إلى وضع حد لتأثير النزاعات على الكلية. وقال النجار- وهو شخصية أكاديمية معروفة ومرموقة: «مادام ونحن جميعاً ندعو إلى تجنيب الجامعة ومؤسسات التعليم النزاعات والثارات فإننا، في هذه الكلية، شركاء معكم وسنقف داعمين لأي صوت يدعو إلى أن تكون الجامعة مقدسة والطريق اليها آمن».
وإذ أسف عميد الكلية، لرداءة الوضع التعليمي في مأرب، نبه إلى أن الوضع سيظل على حاله «مالم يقف الناس مع أنفسهم وقفة جادة ويحترمون العلم وطلابه». لافتاً إلى إن الكلية استقبلت العام الماضي طلاب «لا يحسنون الكتابة والقراءة».
 وأشاد عميد الكلية، بالمستوى العلمي المشرِّف للطالبات وإلى تفوقهن الملحوظ. وقال إن ذلك لا يعني عدم وجود طلاب أذكياء: «هناك طلاب في مأرب يتمتعون بذكاء فائق إذا ما توفرت لهم الأجواء التعليمية الآمنة»، مشيراً إلى عدد من المنشورات التي يصدرها طلاب الكلية.
وقد ابدى المعهد الوطني الديمقراطي استعداده لدعم بعض الأنشطة الطلابية التي تساعدهم على تنمية قدراتهم ومهاراتهم في هذا الجانب. وقالت ندوى الدوسري، رئيس برنامج فض النزاعات في المعهد الديمقراطي إن البرنامج: «سيدعم الطلاب ببعض الاجهزة الكمبيوترية والفاكس، وغيرها حتى يتمكنوا من مواصلة اصدار منشوراتهم وتطويرها».
 

***
 

طلاب لا يحضرون إلا بمرافقين

تبدو الساحة الطويلة لكلية التربية مأرب خفيفة من الطلاب، فيما الزحمة لا بأس بها أمام اللوحة الخشبية المرصعة بنتائج الفصل الفائت.
ومن وسط زحمة النتائج، انسل طالب الفيزياء، سنة ثانية، عبدالله أحمد البسيس، وقال إنه غيَّر تخصصه «إلى آثار وسياحة» واضح الأسباب. من كلامه اتضح أن صعوبات شديدة اعترضت الطالب الطموح، وحرمته هذا التخصص الأهم.
لكن عبدالله، وهو الذي يرتدي البنطلون ويمشَّط شعره على الموضة، لا يزال صامدا، يتلقى الدروس والمحاضرات بكثافة عن علم الآثار. وإلى كونه طموحاً وإيجابياً، هو يقدم نفسه للصحافة على أنه كاتب بارع. لقد أبدى استعداده لمراسلة أي صحيفة والكتابة عن أي موضوع.
لكن الشاب  يتحدث بحرأة عن الوضع العام للكلية، جاش بنهدة عميقة، وقال إن عدداً من زملائه العام الماضي «وقفّوا القيد بسبب الثأر». وأضاف أن هؤلاء الطلاب كانوا ملتزمين بحضور الدروس «وقبل الامتحانات انتهى الصلح بينهم (أي بين القبيلة التابعين لها) وبين غرمائهم وخلاص ما قدروا يدخلوا المدينة خوفاً على نفوسهم».
وناشد «عبدالله» السلطة المحلية لأن يتنبهوا لهذه القضية الخطيرة: «على الاقل يتقاتلوا وما يدَّخلوش بالطلاب ولا بالجامعة»، قال ضاحكاً. وسأل: «أمانة.. عندكم التعليم هكذا خوف وثأر ومابش معامل ولا مكتبة».
وبخلاف أي كلية أخرى، يتحدث طلاب مأرب عن سلبيات ومشاكل كليتهم ولا يبالون بشيء. فإذ حمل الطالب عبدالله البسيس على الكلية بشدة واتهمها باللاَّمبالاة تجاه الطلاب، تحدث الطالب ناجي محمد الروفي عن صعوبات كثيرة تعترضهم داخل الكلية، وأخرى خارجها. وقال إن مشائخ القبائل وأعيانها: «لا يريدوا حد يتعلم». وأضاف: «إذا يريدوننا نتعلم عليهم أن يحموا الجامعة والمدرسة ولا يتقطعون لباص الدكاترة». وزاد من نقمته عليهم: «المشكلة هم يريدوا واحد محمَّل البندق ويجلس وراءهم واصل». ثم التفت إلى السلطة، التي قال إنها لم تقدم للكلية «أي دعم معنوي ومادي»، ومستغرباً: «كيف ندرس ونتعلم وما في مكتبة». وأشار بيده إلى جهة اليسار: «هذا بيت مسؤول في المحافظة وهو مبنى للكلية». ومرة ثانية، أشار إلى 3 أبواب مغلقة. قال إن الكتب مرصوصة داخلها «لكن مافي مبنى للمكتبة».
وعن الثأر وتأثيره على التعليم، ضحك ناجي ساخراً، وقال: «حدِّث ولا حرج في هذا الموضوع». وأفاد أنه في السنة الماضية تجرع المر: «كنا نخرج من البيت آمنين ونتلقى اتصال واحنا في الطريق: لا تجزعوا انتبهوا أمامكم قطاع». وذكر أنهم في بعض الأيام كانوا يعودون من الطريق إلى البيوت.
واسترسل ناجي في حديثه عن كثير من الطلاب الذين يلاقون صعوبة تحت هذا البند: «هناك طلاب لا يحضرون إلا بمرافقين لهم إلى البوابة». ثم خاطب ناجي، وهو طالب في سنته الثانية آثار، كل من يهمه أمر العلم والطلاب في مأرب: «نريد حل نهائي».
وعبَّر عن وجهة نظره حول عدد من الوثائق التي قُدِّمت للقبائل للتوقيع عليها بشأن التوقف عن الثأر: «هذه الوثائق ما تصلح أصلاً، ولا يمكن حد يلتزم بها». وذكر أسباباً تبدو وجيهة: «لابد أن تتضمن الوثيقة الموقعين عليها عقوبة رادعة لمن يخالفها أو يتجرأ على مخالفتها». وأيضاً: «يلتزم مشائخ القبائل على أصحابهم. والدولة تخترقها وتشرف على تنفيذ الإتفاق والمعاهدة». قاطعاً بعدم جدوى أية وثيقة «تخلو من زواجر وروادع تضبط المخالف».
 
 

***
 
 
.. وطالبات يرجعن من الطريق أكثر من مرة
 
ليس الطلاب وحدهم من تتبعهم النزاعات القبلية إلى باحة الجامعة، الطالبات أيضاً يعانين. وربما السبب ذاته من يقف حائلاً دون تعلم الفتاة في مأرب.
ما يقرب من 320 طالبة مقيدات في كشوفات كلية التربية والآداب والعلوم هناك. لكن مستوى الحضور ليس مطمئناً.
وفي زيارتها الأسبوع الفائت للكلية، التقت «النداء» عدداً من الطالبات وفضلَّن جميعهن عدم ذكر أسمائهن. المعاناة مشتركة بين الذكور والإناث كما هو التعليم للجميع. غير أن وضع المرأة أكثر تعقيداً في تلك المحافظة. ورغم أن المجتمع هناك يحترم المرأة، ويربأ بها جانباً عن الصراعات والنزاع، إلا أنها تكون الضحيه في كل الأحوال.
قصص إنسانية مؤثرة تحكيها الطالبات عن رحلة الأسفار إلى الجامعة. بدءاً بإقناع الأسرة ومروراً بالطريق الطويل إلى قاعة الدرس، وصولاً إلى قاعة دراسية خالية من المعامل التطبيقية والمكتبات.
تقطع طالبات مديرية الجوبة 40كم للوصول إلى كلية التربية. إنها رحلة شاقة، لكنها ممتعة بالنسبة لفتيات حالفهن الحظ في الدراسة الجامعية. على خلاف سواهن بالآلاف اللائي انتزع منهن الحق في التعليم. هناك تمثيل لكل مديريات مأرب ال14 في الجامعة لكنه ضئيل جداً لدرجة أن بعض المديريات ليس منها سوى طالبة واحدة تدرس.
وتحول عوامل عدة دون التحاق الأخريات بالجامعة. فإلى ضآلة نسبة خريجات الثانوية العامة، وتراجع اعداد المتعلمات كلما انتقلت الطالبة من صف لآخر، يقف عامل النزاع القبلي حاجزاً صعباً في طريق البنات.
طالبات مأرب تحدثن إلى «النداء» عن تأثيرات النزاعات والثأر على التعليم في كل مستوياته (من الابتدائية حتى الجامعة)، وأكدت إحداهن: «مافي شهر إلا وفي مشاكل». وأضافت: «تقريباً في نهاية كل شهر تحدث مشكلة».
وشكَت الطالبات، وبالذات اللاتي يأتين من مديريات بعيدة، قطاعات الطريق «إذا في قطاع خلاص نرجع البيوت».
في العام الماضي حالت النزاعات بين القبائل دون وصول الطالبات إلى الكلية لأكثر من مرة. وفي هذه السنة: «المشاكل أكثر»، قالت إحداهن.
وأخذت الطالبات، اللاتي يأتين من مديرية الجوبة، يعددن نزاعات هذا العام التي اعترضت طريقهن.
وفي سياق الكلام عن النزاعات وانعكاساتها المدمرة على العملية التعليمية، قالت إحدى الطالبات إن النزاع والثأر القبلي «لا يؤثر على تعليم الفتاة وحسب، بل ويؤثر على المرأة سواء المتعلمة أو الامية». وسألتها «النداء» كيف؟ فردَّت بأسى: «لأن المرأة هي التي تخسر زوجها أوأخاها أوأباها في الثأر. ومافي قضية نزاع أو ثأر إلا والمرأة تكون الخاسر الأكبر».