عائدون في البساتين: نحب السلام، ونفتقد مقديشو

«أحب السلام كما أحب بقاء وحدة اليمن، ولو حصل إنفصال، سنفضل أن نرجع الصومال»، قالها يمني ولد في الصومال وترعرع فيها حتى مطلع التسعينات، معارضاً ما يردده البعض بشأن الوحدة وإعادة النظر فيها، ومفضلاً معالجة أوضاع الناس كبديل عن التهور.
عند عودته، قرر عبدالرحمن علي الصنعاني أن يقيم في منطقة البساتين بمدينة عدن بعد أن خانتهم الظروف. ولأنه لم ير بلده ومسقط رأس أبيه ولا يعرف أحداً من أسرته؛ فضَّل أن لا يبارح عدن، موضحاً أن والده الذي ينتمي إلى قبائل همدان، كان فخوراً بنفسه وأنه ترك قريته في العشرين من عمره دون أن يترك له أثراً فيها.
نهاية القرن التاسع عشر قدر ل علي الصنعاني أن يغادر أرضه بعد أن أصابها الجفاف في سنوات عجاف شهدتها اليمن، قاصداً العاصمة مقديشو التي كانت تنعم بالخير الوفير والتجارة المربحة وهي المجال الذي حقق فيه نجاحاً ومكاسب كثيرة.
قبل أسبوعين، كان عبدالرحمن الصنعاني، وهو في عقده الثامن يجلس على مقعد «بلاستيكي» إلى جوار مسنٍّ آخر هو عمر عبدالرحمن البيتي 82 عاماً، يتبادلان الحديث حول قساوة الحياة، متحسرين على السنوات الرغيدة في الصومال.
لقد كوّن الصنعاني الابن ثروة عظيمة. لم يتوقع أبداً أنه سيبحث عن مآل ليعيد مجده الذي بناه مع والده فما بقي له من مال لا يكفي قطار الحياة في اليمن، إذ يبدو كل شيء في الصومال أرخص بكثير مقارنة بعدن.
يصف الرجل معاملة الناس في مقديشو بالطيبة قائلاً: « جاء والدي إلى الصومال وما يعرف لغة صومالية، لكنهم اكرموه بأحسن معاملة ولم يطلبوا منًّا أي بطاقة طول حياتي إلا وقت الاستعمار البريطاني قالو لنا نقطع إقامة»، منتقداً بعض اليمنيين وكذا الصوماليين في نظرتهم التفريقية فهو كما يقول ضد «الطفيلي اللي ينظر بتفريق ولا يستحق التقدير».ورغم حبه لمقديشو، إلا أنه يفضل هويته اليمنية في الصومال ولبعده عن بلده كان يتابع «إذاعتي الشمال وعدن»،.
 نزح عشرات الآلاف من اليمنيين إلى اليمن فور اندلاع الحرب الأهلية في الصومال.
ويطلق على هؤلاء وصف «العائدين» تمييزاً لهم عن «اللاجئين» الصوماليين، واختار أغلب هؤلاء الاستقرار في منطقة البساتين.
ومعلوم أن أغلب سكان البساتين هم من العائدين، خلاف الانطباع المغلوط عن أن «البساتين» هي مستقر للاجئين الصومال.
وبحسب مصادر متطابقة في البساتين، فإن عدد العائدين يبلغ 3 أضعاف عدد اللاجئين. ومثل الصنعاني وآخرين فإن العائدين وخصوصاً من الجيل الثاني والثالث هم من أمهات صوماليات.
أما عبدالرحمن البيتي، الذي كان جالساً جوار الصنعاني، فقد عاش حياته متنقلاً بين زائر لحضرموت مرات عديدة بعد أن خرج منها العام 1935 وعمره 7 سنوات، واستقر في الصومال. وخلافاً لوالده، فقد ارتبط بالجنس الصومالي بالنسب، مخلفاً 9 أبناء، أصغرهم من الذكور يمتلك محل «بنشر» في البساتين.
 البيتي عمل في الزراعة ويقول: «كنا أغنياء: مال وغنم وبقر وجمال، وكنا نزرع في أي مكان ولا أحد يكلمنا».
الشاب حسين عبدالرحيم، في الثلاثين من عمره، بدا ساخطاً على غير عادته، كما أكد لي الصنعاني، ومبعث سخطه الأوضاع المعيشية الصعبة. ومع أنه يجيد ثلاث لغات: «الانجليزية والصومالية والعربية» إلا أنه يشكو من الفاقة وعدم توافر فرصة عمل ويقول: «كنا نشتغل في الصومال وتخرجت من الثانوية».
 «عازب، وما فيش بيس»، اختصر حسين مشاكله في 3 كلمات، لكنه استدرك قائلاً: «يمكن لأني مواليد الصومال».
رجع في رحلة عبر البحر مع جماعة من الصوماليين ويذكر أن رحلتهم كانت مخيفة وفضل أن لا يتحدث عن التفاصيل.
ويصور الصنعاني مشهداً للوضع الذي عاشوه لشهرين حال وصولهم، حيث نام هو و11 من أبنائه متكومين في غرفتين مساحة «متر ونصف ولا نستطيع أن نمد أرجلنا».
مع هذا، فرجوعه المفاجئ إلى البساتين بحثاً عن مأوى التقى مع أسباب أخرى (هي عدم الاستقرار في الصومال وأوضاع الحرب التي كانت نكبة لا تنسى بالنسبة لهم) دفعته مع يمنيين كثر عاشوا هناك إلى العودة إلى بلدهم الأول وموطنهم الأصلي.
halajamrhMail