العمالة لدى شركات النفط.. كابوس يقض مضاجع أبناء شبوة.. ما هي حكاية "الحمير" العاطلة عن العمل؟

العمالة لدى شركات النفط.. كابوس يقض مضاجع أبناء شبوة .. ما هي حكاية "الحمير" العاطلة عن العمل؟

- شبوة - شفيع العبد
من الحكايات التي يرددها أبناء شبوة بطلها مقاول قدم من المحافظات الشمالية. وبينما كان يبني غرفة لإحدى شركات الهاتف النقال على أحد الجبال، امتنع عن تشغيل أحد من أبناء المديرية، بحجة أن لديه كفاية ذاتية من العمالة جاء بها من محافظته. ففي أحد الأيام تفاجأ أبناء المديرية بالمقاول وعلى متن سيارته حمير. وعند سؤالهم عن سر ذلك أخبرهم بأنه جلبها من منطقته لتقوم بنقل المواد إلى رأس الجبل كونها "عاطلة عن العملـ"!
تلك حادثة نستشف، من خلال تعابيرها وتفاصيلها المبكية، سوء الحالة التي وصلت إليها الأمور. أبناء المحافظة النفطية يحرمون من حقوقهم. هم لا يريدون أن يحلوا محل الخبرات وأهل الاختصاص. هم يؤمنون بمبدأ: "أعط الخبز لخبازه"، من يحمل منهم مؤهلا فليعمل بمؤهله، ومن لا يملك (إلا ساعده) فلتتح له فرصة للعمل، من منطلق "الأولوية لأبناء المحافظة"، وهي المقولة التي أصمّ بها الآذان أهل القرار ولم يتحقق منها سوى مزيد من الحرمان والإبعاد، في ظل سلطة تجيد العمل بمفهوم "المخالفة" حد جلد الضحية بعبارات رنانة تدغدغ العواطف وتجري دمع القهر مدراراَ.
 ألم يكن الأجدى بتوجيهات صدرت من أعلى سلطة في البلد تقضي باعتماد 130 درجة وظيفية لخريجي كلية النفط والمعادن بالمحافظة، على حساب وزارة التربية والتعليم، أن يتم اعتمادها على حساب وزارة النفط والمعادن؟ مجرد سؤال يحمل بين ثناياه المفهوم الذي يراد لأبناء المحافظة أن يعيشوه كأمر واقع.
كان يطمح أبناء شبوة للعمل لدى الشركات النفطية التي تعمل بها وتتنوع من حيث طبيعة عملها، فمنها الشركات الانتاجية ومنها شركات المسح، بالإضافة للشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسيل والشركات المقاولة معها. إلا أن الطموحات تلك تحطمت على صخرة التمييز القائم على معايير سياسية ومناطقية. حيث يبدو أن نصيب أبناء المحافظة من تلك الشركات هو تلوث البيئة والإصابة بالأمراض، ورصاص "الأشاوس" إن هم اقتربوا من الشركات النفطية: "الخط الأحمر" حد تعبير الحكومة. وما حادثة وادي العبيلات بمديرية عسيلان عنا ببعيد.
منذ وجدت هذه الشركات في المحافظة ظهرت معاناة العمالة، والتي يأتي في مقدمتها عدم استيعاب العمالة من أبناء المحافظة والاستعاضة عنهم بعمالة من خارجها، وقد يكون ذلك لأسباب تتمثل في أن تلك الشركات مملوكة لأشخاص من محافظات أخرى ويحرصون على استقدام أقربائهم. وفيما يخص الشركات الأجنبية فإن المشرفين عليها هم أيضا من خارج المحافظة. كذلك فيما يخص تشغيل المعدات من سيارات ووسائل حفر وغيرها يتم استقدامها من خارج المحافظة. كما أن الناقلات التي تقوم بنقل أنابيب مشروع الغاز من ميناء عدن إلى المحافظة هي كذلك من خارج المحافظة وبنسبة كبيرة جداً، ويلحظ ذلك المواطن العادي والذي يكون قادماً من عدن إلى شبوة أو حضرموت أو أبين، من خلال النظر إلى لوحاتها المرورية والتي تحمل الأرقام: 2،1، أي الأمانة وصنعاء. في الوقت الذي توجد مثل هذه المعدات لدى أبناء المحافظة وبأعداد كبيرة.
حتى أن من يبتسم لهم الحظ من أبناء المحافظة ويحصلون على فرصة للعمل لدى إحدى الشركات فإنهم يتعرضون للتعسف من خلال إجبارهم على التوقيع على عقود عمل دون أن تتاح لهم إمكانية الإطلاع عليها ومناقشتها، ويتم التوقيع خوفاً من ضياع فرصة العمل، ويحدث ذلك في مشروع الغاز المسيل ببلحاف، وهو ما يتنافى مع الحق في شروط عمل عادلة ومرضية.
كذلك يشكو العمال في تلك الشركات من تدني الأجور وغياب الضمان الاجتماعي والصحي وعدم منحهم الإجازات وعدم إطلاعهم على عقود العمل، وهو ما يشكو منه العمال ويتهمون الشركات بإعطائهم أجورا غير تلك المحددة لهم من الشركة الأم.
في شكوى (حصلنا على نسخة منها) من عمال شركة "إم. إكس. بي" الفرنسية العاملة في منطقتي الظاهرة وعياذ بمديرية جردان، وهي عبارة عن مطالب قدموها للشركة، تتلخص مطالبهم في الآتي:
1 - تسليم صورة من تقارير إصابات العمل السابقة لكل من تضرر أثناء العمل في المشروع، وإعطاؤهم التعويض القانوني بأسرع وقت ممكن.
2 - السرعة في إسعاف ومعالجة كل مصاب وكل مريض من العاملين في المشروع، والتكفل بمتابعة مراحل علاجه، أسوة بكل ذوي الجنسيات الأخرى.
3 - توفير وسائل مواصلات من وإلى عتق لكل من يريد الذهاب في إجازة حقلية أسوة بكل ذوي الجنسيات الأخرى.
4 - دفع راتب الإجازة السنوية (راتب شهر كامل) لكل عامل مرت سنة كاملة على عمله في المشروع ويكون الدفع مع راتب الشهر القادم.
5 - تحديد حقوق نهاية العمل في المشروع أو في حالة الفصل أو الاستقالة لكل العاملين في المشروع وتوزيعها على كل شهر حتى يتعرف الجميع على العائد المالي الذي سوف يتحصلون عليه في نهاية المشروع كحقوق مشروعة.
6 - دفع فوارق التأمينات التي تم استقطاعها من مرتبات العمال ولم يتم دفعها لشركة التأمين بحسب ما هو موثق في استمارات الرواتب الشهرية مقارنة بما تم إيداعه في شركة التأمين.
7 - يجب على إدارة الشركة تسليم الراتب الشهري مع استمارة الراتب لكل عامل وكذلك كل استمارات الشهور السابقة حتى يكون العامل على اطلاع دائم على حقوقه المشروعة.
8 - كل عامل في الشركة له الحق في استلام مقابل مادي لأيام الإجازات الحقلية التي لم يأخذها وقضاها في موقع العمل.
كما حصلنا على نسخة من رد الشركة، والذي تضمن الآتي:
1 - سوف يحصلون على صورة استمارة الراتب الأساسي خلال عشرة أيام.
2 - من ليس له بطاقة شخصية لن يكون له بطاقة تأمين، حسب القانون اليمني.
3 - سيتم البحث مع الإدارة وحتى الآن لم نستلم أي شكوى حول إجازة العيد وسوف تدفع إذا كان هناك خطك في الحساب (مطلوب كشف بأسماء المتظلمين).
4 - سوف يحضر مندوب التأمينات اليوم إلى كامب الظاهرة وسوف يحضر غدا إلى كامب عياذ.
5 - سيقوم المدير العام بإبلاغ العيادة بالاهتمام أكثر بالمرضى وإذا كان هناك شخص لديه مشكلة فعليه إبلاغ المدير أو المنسقين وسوف يتم عمل صندوق بجانب مكتب CLO لاستقبال الشكاوى في حال كان المكتب مغلقا.
6 - سوف يتم اليوم عقد اجتماع مع سوديسكو والضغط عليهم للاهتمام بالغذاء.
7 - إذا فتح العمل الآن التزم المدير بتحضير اليوم كاملاً وإلا لن يتم الدفع.
8 - حتى هذه اللحظة لا توجد خطة لتفتيش العاملين العائدين من مأرب.
وبحسب إفادات كثير من العمال فإن شيئا من تلك المطالب لم يتحقق حتى الآن، برغم التزام القائمين على الشركة. وذكروا لنا أن العمال في إحدى الشركات أضربوا عن العمل للمطالبة بحقوقهم. وبدلاً من تشكيل لجنة لمعالجة المشكلة وتسوية الأمور بما يضمن حق العمال، تم إنزال وحدات من الجيش لرفع الإضراب بالقوة. وهو ما تم بالفعل.
 كما حصلنا على نسخة من تقرير عن العمالة اليمنية والأجنبية في الشركات النفطية والشركة اليمنية للغاز المسيل والشركات العاملة معها بالمحافظة للنصف الأول من عام 2007، صادر عن مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بالمحافظة. وبما أن التقرير صادر عن جهة حكومية فإنه بالتأكيد لن يعطي الحقيقة كاملة إلا أنه قد كشف جزءا منها. كما أن التقرير وهو يحدد نسبة العمالة في الشركات لم يحدد نسبة أبناء المحافظة من تلك العمالة. من أهم ما ذكره التقرير عدم تجاوب الشركات النفطية مع المكتب، حيث لم تقدم له بعض الشركات أي طلبات فيما يخص العمالة والآليات. كما أن بعضها لم تسمح لمفتشي المكتب بالدخول، ولم تتجاوب معهم ولم تمنحهم المعلومات المطلوبة. كما ذكر التقرير قيام بعض الشركات بالتوظيف من ذاتها غير مكترثة بالمكتب، ومنها شركة "نيبرص" حيث تستقدم عمالا من صنعاء، فعلى سبيل المثال قامت الشركة بتوظيف 53 عاملا بينهم 7 فقط من شبوة.
 ذلك غيض من فيض معاناة أبناء شبوة مع الشركات النفطية التي لم يجن أبناء شبوة منها سوى انتشار أمراض السرطان وتلبد سماء المحافظة بالأدخنة السامة، حيث انتشرت حالات الإصابة بمرض السرطان بمديرية رضوم، حيث يقع مشروع الغاز المسال بمنطقة بلحاف. وفي إحصائية أولية تجاوزت الحالات المصابة الرقم 30، بينها 22 حالة وفاة، منها خمس نساء. وقد تراوحت أعمار من أصيبوا بالمرض الخطير بين 20 و60 عاما.
 ويؤكد أبناء المديرية أن أول حالة ظهرت بعد بدء العمل في مشروع الغاز، حيث والمنطقة كانت خالية من هذا المرض وإن ظهرت بعض الإصابات النادرة إلا أنه لم ينتشر بهذا الشكل المخيف إلا مؤخراً، وتحديداً بعد بدء العمل في إنشاء ميناء تصدير الغاز المسال. ومن أبرز المناطق التي ظهر فيها المرض: الحامية، رضوم، بئر علي، العين.
كذلك حصلنا على نسخة من تقرير عن نزول اللجنة المشكلة من أعضاء المجلس المحلي بالمحافظة إلى الشركات والذي أكدت فيه اللجنة نزولها إلى كمب عياذ حيث تقع شركة "إم. إكس. بي. هوكـ" ولم يتم التعاون مع اللجنة ولم تعط لهم كشوفات العمالة الأجنبية وتلك التي من خارج المحافظة، وكذلك عقود العمل تم التحفظ عليها. وحصلت اللجنة على نسخة من كشف العمالة من أبناء المحافظة. وذكرت اللجنة في تقريرها انه بعد ترجمة الكشف وجدوا أن هناك تكرارا في الأسماء وأن البعض قد تم فصله من العمل.
وتكمن المشكلة في أن كثيرا من الشركات لا تمر عبر مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بالمحافظة وتتم معاملاتها مباشرة عبر المركز في صنعاء ولا تخضع للمكتب ولا حتى للمجلس المحلي بالمحافظة. كما أن تلك الشركات لا توجد لها مكاتب في المحافظة.
السؤال: إلى متى ستبقى معاناة أبناء المحافظة مع الشركات النفطية؟ والى أي حين سيبقون يتفرجون على غيرهم وهم يأخذون أماكنهم في العمل؟ هل ذلك قدر أم باطل مفروض؟