أحرقوه بالأسيد وأخذوا 5 آلاف كانت بحوزته

لم يقترف جرماً ولم يسرق أحداً، لكن للجناة قوانينهم وأهدافهم كما ووسائلهم.
 صباح السبت الماضي غادر نشوان نشطان محمد، 22 عاماً، الذي يعول زوجه وخمسة أبناء، منزله في خط الستين قاصداً سوق الجملة للخضار. لديه بسطة خضروات متنقلة (عربية) هي مصدر رزقه وعائلته.
لم يكن إبن وصاب السافل بمحافظة ذمار يتوقع أنه سيحدث له ماحدث.
كانوا ثلاثة اعترضو طريقه انتزعو جاكته الذي كان يرتديه وأخذوا منه 5 ألف ريال هي رأس مال تجارته ثم صبوا مادة الأسيت فوق رأس نشوان المكتف طريح الرصيف.
 الأسيت كان سريعاً فتّاكاً. تفجرت عيناه وجمدت حدقاتاها وتفحمت بشرة وجهه، وشفتيه أيضاً. وحين نقل إلى قسم الحروق بمركز طيبة للتجميل في مستشفى الجمهوري بأمانة العاصمة، كان قد مضى على الحادثة ثلاث ساعات وخلالها تغلغل «الأسيت» إلى الطبقات الداخلية لبشرة وجهه، وحدها لسانه ما تزال تنبض قادرة على النطق، واصفاً لمندوب البحث الجنائي بالمستشفى ما حدث، ثم طلب اصطحابه إلى منزله: «أشتي عيالي روحونا...». ربما شعر أنها لحظاته الأخيرة وحين زرته قبل ظهر الأحد الماضي في الطابق الخامس بمستشفى الجمهوري، كانت حشرجات صوته تدوي واصلة إلى طارود الطابق الثاني، ساعتها كان عاجزاً على الكلام،  لحقت لسانه بعينه وجلد وجهه قبل ساعات من زيارتي.
دلفت إلى الغرفة وأقتربت من السرير، شاهدت رأسه المتفحم وعيناه ذات الغشاء الأبيض وجفنان جامدان لا حراك فيهما وجسد مغطى ببطانية ترتفع وتهبط بفعل عملية تنفسه المسموع، و إلى جوار نشوان جلس صهيره محاولاً ترطيب شفتيه بالماء عبر قطعة قطنية، وينطقه الشهادة.
كانت اللحظة مرعبة خرجت وعلمت بعدها أن نشوان فارق الحياة بعد ساعة من مغادرتي.
 محمد الحجاجي وهو طبيب في مركز طيبه للحروق، أفاد حينها أن حالة نشوان حرجة وتحديداً بعد هبوط وظيفة الكلى.
وأشار إلى أن مادة الأسيت أتلفت أنسجة حدقات العينين وحولت جلد بشرته إلى جلد قاس كالمدبوغ وهو ما أفقده القدرة على النطق.
منذ وفاة نشوان لم تبادر الأجهزة الأمنية لبث الطمأنينة، ومن هم الجناة؟ وما مصيرهم!؟ ومعلوم أن الأسيت كأداة جريمة، لم يسبق أستخدامها في عمليات سرقة تصل إلى 5 آلاف ريال.
والباعث للقلق أن تكون الحادثة مؤشراً لظهورسلوك إلجرامي وسائلة "الأسيت" والهدف لا يعدوا 5 آلاف ريال!.
 

 البارود يحصد الضحية ال19 خلال 20 يوماً
 
ظهيرة الخميس الفائت بدا «قيس صالح» منتشياً رائق البال. لقد أنجز هذا الشاب الوسيم البالغ من العمر 17 عاماً، مبتغاه منذ الصباح الباكر، وها هو عائد إلى دياره في منطقة بني قيس بمحافظة عمران مزوداً بالبارود الذي سيمكنه من تفتيت وسحق أكوام الصخور المتبقية تلك التي تقف عقبة أمام توسع مزرعة عائلته.
غير أن الشاب المتطلع لم يعد إلى دياره، والبارود صب ج غضبه دون الصخور، في مكان آخر، قدر أن أيكون أحضان قيس وأبن عمه «هادي محمد» 12 عاماً.
في الطارود الشمالي بمركز «طيبة» للحروق والتجميل في مستشفى الجمهوري بأمانة العاصمة، يستلقي قيس على أحد أسرة الغرفة رقم 1، فيما ابن عمه في الغرفة رقم 4، مندسان تحت رفاعة حديدية صممت بشكل يقي إحتكاك الاغطية القماشية باجسادهم المحروقة، شديدة الحساسية.
وحين أُزيح الغطاء (بطانية) عن قيس كي اتحدث إليه وآخذ صورة له، ازداد أنينه حدة، وغدا يرتجف بقوة حد بعثر صوته عندما حاول شرح ما حدث.
 كان قيس وابن عمه قبل وقوع الحادثة جالساً في المقعد المجاور لمقعد سائق ناقلة مياه ينتمي إلى منطقته «بني قيس» منتظراً لحظة تحركه نحو الديار عقب امتلاء خزان الناقلة من البئر كان خرطومه يمتد إلى الخزان.
 وضع قيس البارود المحفوظ في كيس بلاستيكي بين أقدامه وأخذ كاسيت غنائي ووضعه في تجويف جهاز مسجلة الناقلة، لكن تراويس الجهاز  لم تدر، وحين علم من السائق الذي كان منشغلاً على سطح خزان المياه أن التيار الكهربائي غير موصل للجهاز، ومن أجل ذلك عليه العثور على سلكين متدليين أسفل آلة التسجيل وتوصيلهما معاً لم يجهد قيس لقد عثر على السلكين وأثناد توصيلهما ببعض، انطلقت شرارة كهربائية إلى كيس البارود المحاط بقدميه فحول محيط الناقلة إلى كتلة لهب ساعقة أجهزت الطبقة الجلدية الاولى والثانية في جسد قيس وابن عمه وامتدت إلى شاب آخر (يدعي زيد علي الحمزي14 عاماً) كان على بعد ٢_0 متراً من الناقلة مواصلة لعبة الفتك بجسده.
عقبها نقل ضحايا الباروت إلى قسم طيبة للحروق.
 وكانت الصدفة أن أُدخل قيس في الغرفة 1 وهي الغرفة التي يتلقى "ياسر علي محمد" 15  عاماً،  فيها العلاج منذ 20يوماً، ياسر أحد ال16 الذين أنفجربهم مخزن لبيع البارود في سوق الربوع بمحافظة ذمار أواخر يناير الماضي، والمؤسف له  أن ياسر لا يعمل في تقطيع الصخور، بل لم يسبق له أن حمله كما ويجهل  أستخدماته، لقد صادف  مرورة من أمام مخزن البارود لحظة انفجاره،و قدر له أن ينجو هو و16 آخرين أغلبهم كانو خارج المخزن، فيما لقي اثنان مصرعهما.
وبالمثل نزل هادي محمد (ابن عم قيس) في الغرفة رقم4، الغرفة ذاتها عروفت بمصدر الانين المرتجف منذ ثلاثة أسابيع، أنها أوجاع "أحمد محمد اللسامي" 36 عاماً، هو أيضاً من ضحايا آلة القتل «البارود» الذي انفجر في مخزن ذمار أثناء تواجده فيه، لقد كان يسدي خدمة  لأحد أبناء قريته -يعمل في تفجير الصخور وإستخراج أحجار البناء- طلب منه شراء كمية من البارود.
ياسر الذي انقطع عن الدراسة في الصف السادس الابتدائي قال بنبرة مصاب بنزلة برد: لم أدر إلا والحريق يشتعل في ملابسي، أصبت بالإغماء وحين أفقت كنت هنا وأشار إلى الغرفة رقم 1.
بصعوبة تمكن قيس حين سألته إن كان سيعاود العمل وأستخدام البارود، أجاب "لا"  وقال: «لن أعمل مجدداً في هذه الشغلة".  أمضى قيس  الثمانية الأشهر السابقة يزيل كميات من الصخور الموجودة في إحدى مزارع عائلته بعبوات من البارود، هذه المادة المتفجرة سريعة الاشتعال التي تفتك بضحاياها يومياً من أولئك المتعبين الباحثين عن لقمة العيش من بين الصخور.
 إذ يمتهن المئات هذه الحرفة (قطع صخور الجبال) مستخدمين أدات قتلهم المنتشرة في عديد محلات تعمل خارج القانون.
balsaeed