وطن في مهب التهريب.. في شبوة يهربون الديزل إلى الداخل..

* ما هي حكاية الحارس الذي ضبط التسلل فأخرجوه من المرمى؟
*  الجهات المختصة والسلطة المحلية.. عوراء، صماء، بكماء...
 
شبوة: شفيع محمد العبد
تهريب اليزل في محافظة شبوة  يأخذ نمط مغاير، لا يتجاوز حدود المحافظة، وإنما يتم في إطارها، من خلال بيعه  للشركات العاملة في مجالي النفط والغاز في المحافظة، تلك الشركات التي قالت عنها الحكومة ذات يوم إنها "خط أحمر"، حين طالب أبناء المحافظة بنصيبهم في العمالة وتشغيل معداتهم وسياراتهم والحصول على التعويضات الموعودين بها جراء عمل الشركات في أرضهم.
تهريب الديزل للشركات يتم من قبل أصحاب المحطات الخاصة وتلك التابعة للشركة اليمنية للنفط بالمحافظة، بحسب مصادر مطلعة. حيث والعرض المقدم من تلك الشركات مغرٍ ويسيل له اللعاب، فسعر اللتر يتراوح بين 90 و100 ريال، في حين أن سعره الرسمي للمستهلك 35 ريالا. والعملية مربحة للطرفين، فالشركات التي يباع لها اللتر بصورة رسمية ب65-67 سنتا، ما يعادل 135 ريالا، مربح لها أن تشتريه بواسطة التهريب ب90 ريالا. وصاحب المحطة بدلاً من إن يبيعه للمواطن ب35 ريالا فإنه يبحث عن ربح أكثر من 60 ريالا.
وعملية التهريب تتم من خلال قيام أصحاب المحطات والناقلات بالبيع للشركات.
معلومات حصلنا عليها تفيد بأن تلك الناقلات التي تحمل الديزل المهرب لا يسمح لها بالدخول من بوابة الشركة -كما يحدث في مشروع الغاز المسال ببلحاف- إلا بعد أن يدفع صاحبها مبلغ 300 ألف ريال بمثابة تصريح دخول.
تلك الظاهرة تسببت في أزمة خانقة في مادة الديزل وانعدامها لفترات طويلة في المحطات، كما هو الحال مع محطة "بير علي" القريبة من مشروع الغاز المسال ببلحاف، والتي أكد مواطنون انعدام الديزل فيها لمدة تتجاوز ثمانية شهور.
أصحاب المحطات في المحافظة يؤكدون أنه لا توجد كمية محددة من الديزل لكل محطة، ويتم الحصول عليه من فرع الشركة بحضرموت حيث تصل باخرة إلى ميناء المكلا قادمة من مصافي عدن ويتم بيعه بحسب الطابور. إلا أنهم كشفوا عن حقيقة قيام فرع الشركة اليمنية للنفط، المسؤولة عن بيع الديزل ومشتقات النفط الأخرى، ببيع الديزل بكميات كبيرة للشركات العاملة في مجال النفط والغاز والتي يباع لها بالدولار، غير مكترثين بما يسببه ذلك من أزمة تعطل حياة الناس. وذكروا أن محطاتهم لا تحصل في الأسبوع إلا على "بوزة" واحدة. وتتراوح حمولة البوزة بين 18 و30 ألف لتر، بحسب سعتها.
مواطنون ذكروا أن أصحاب المحطات يقومون ببيع الديزل للشركات وأن لديهم شركاء من السلطة؛ لأنه -بحسب قولهم- لو لم يكن لديهم شركاء لما تجرأوا على بيع الديزل، ولو أن القانون يطبق لخافوا على محطاتهم من الإغلاق.
مصادر مقربة من فرع الشركة اليمنية للنفط بالمحافظة أكدت وجود ظاهرة تهريب الديزل وبيعه للشركات. واستشهدت بأنه في العام الماضي تم ضبط ناقلة من قبل الأمن وتمت مصادرة حمولتها.
أصابع الاتهام تشير بجلاء إلى مشروع الغاز المسال ببلحاف، وأنه قبلة يقصدها المهربون. وتفيد معلومات حصلنا عليها بأن التهريب يتم بعلم الجهات الأمنية والسلطة المحلية في المديرية. وذكرت المعلومات نفسها أنه قبل رمضان الماضي بأيام ارتاب أحد أفراد حراسة المشروع، والذي لم يمض على عمله في المشروع سوى أربعة أشهر، في أمر ناقلات محملة بالديزل تدخل إلى الميناء ليلاً. وبعد تحريه عن الأمر بلغ مسؤوليه بذلك، مؤكداً لهم أن الضابط (خالد جلال) يقوم بإدخال الناقلات ليلاً. وبدلاً من تنفيذ القوانين ومحاربة تلك الظاهرة ومحاسبة المتواطئين، قاموا بتهديد ذلك الحارس وأنهم سيصنعون له مكيدة تقذف به خارج أسوار المشروع. لم يأبه لذلك، وساوموه بمبلغ على أن ينفي المعلومات التي قالها عن علاقة الضابط بدخول الناقلات إلى المشروع. وأمام تمسكه بموقفه لم يجدوا مفراً من طرده من المشروع حتى يخلو لهم الجو ويمارسوا التهريب كيفما شاءوا.
وقد بذل جهداً لدى السلطات المختصة والمجلس المحلي للمديرية لإعادته إلى عمله دون فائدة علماً بأنه من أبناء المحافظة ولم يرتكب ما يستوجب ما يخرجه من عمله. بينما ذلك الضابط ينتمي لمحافظة أخرى وارتكب ما يستحق عليه العقاب، ولكنه الوطن الذي نعيش فيه بعد أن تم تهريب القيم والمعايير الصحيحة، لينكشف النقاب عن تواطؤ الجميع.
وبحسب معلومات حصلنا عليها من شركة "امكس بي" الفرنسية العاملة في منطقتي عياذ والظاهرة، فإن التهريب يتم بعلم ضابط أمن الشركة مقابل 150 ألف ريال، وتتم العملية من خلال سيناريو متفق عليه سلفاً أبرز فصوله تتمثل في وصول الناقلة إلى بوابة الشركة ويتم اعتراضها من قبل الحراسة فيستدعى الضابط ويصعد إلى سطح الناقلة ويفتح غطاء الخزان ليؤكد أن الحمولة عبارة عن "ماء" وليست "ديزلـ"، وهكذا تتم عملية التهريب تحت حماية من يفترض بهم حماية النظام وتطبيق القانون.
وعند سؤالنا عن كيفية السماح للناقلة بالمرور في النقاط العسكرية والأمنية المنتشرة على طول الطريق؟ أكدوا لنا أنها تمرّ على أنها تابعة لمحطة خاصة بأحد المواطنين ولديها فواتير تؤكد ذلك.
والأدهى من ذلك أن هناك شركات تملك ناقلات تنقل لها الديزل من فرع شركة النفط بسعر البيع للمستهلك على أنها تابعة لمحطة ما.
وهناك عمليات نصب تتعرض لها الشركات العاملة في مجالي النفط والغاز من بعض المتواطئين مع عملية التهريب من خلال تفريق جزء من حمولة الناقلة داخل الخزانات الخاصة بالشركة على أنها قد أفرغت الحمولة كاملة ثم تخرج الناقلة لتعاود الدخول مرة أخرى على أنها غير تلك التي سبق وأن أفرغت حمولتها، وهكذا تتم العملية، وكل شيء بحسابه، وكلٌّ ينال نصيبه من "كعكة" النفط، وهو النصيب الذي تحدده المقامات وذوو القربى ولو لم تكن من ذات الرداء الأحمر.
معلومات حصلنا عليها لم نتأكد من صحتها تتعلق بقيام بعض الشركات العاملة في مشروع الغاز المسال ببلحاف بتهريب الديزل الذي تقوم بشرائه من أصحاب الناقلات إلى القرن الأفريقي وبالعملة الصعبة.
بعد أن انتشرت أخبار ظاهرة تهريب الديزل وبيعه للشركات العاملة في مجال النفط والغاز وصلت إلى المحافظة مطلع هذا الأسبوع لجنة من الإدارة العامة لشركة النفط بصنعاء للتحقيق في ذلك، برئاسة فوزية بامرحول، نائبة مدير إدارة الرقابة والتفتيش بالإدارة العامة، وعضوية ممثلين عن الشؤون الإدارية والقانونية. فيا ترى ما هي النتيجة التي سيخرج بها التحقيق؟
تهريب الديزل ظاهرة موجودة يتحدث عنها الجميع، تستوجب وقفة جادة من السلطة المحلية بالمحافظة والجهات المختصة؛ كونها تشكل إهدارا للثروة وتتسبب في تعطيل حياة الناس. ولعل انطفاء الكهرباء خلال الفترة الماضية لانعدام الديزل يبقى شاهدا حيا في أذهان المواطنين.
نحن نعترف بعجز السلطة المحلية عن طرق أبواب الشركات تلك وإلزامها باستيعاب عمالة من أبناء المحافظة، كما أن عجزها يبدو فاضحاً من خلال عدم قدرتها على تحديد العمالة من أبناء المحافظة لدى تلك الشركات مقارنة بالعمالة من المحافظات الأخرى. وعجز تلك السلطة لا يتوقف عند بوابة الشركات بل ينتقل لكافة المجالات. ليس ذلك شأننا في هذا التحقيق، بل إن الإسراع بخطوات ملموسة بعيداً عن الشطط الكلامي الذي ملّه الناس وصم آذانهم وبسبب كثرته لم يعد أحد يميز بين الصدق من عدمه؛ خطوات من شأنها وقف ظاهرة التهريب ومحاسبة المتسببين والمتواطئين.
ولكي أكشف لكم المزيد من عجز السلطة المحلية بالمحافظة فإني أتحداهم أن يعيدوا الحارس المفصول إلى عمله.