خالد فضل منصور وريادة سياسية

خالد فضل منصور وريادة سياسية - عبدالباري طاهر

في اليمن كغيرها، أنموذجان من البشر: أناس، رجالاً أو نساء، يعملون أشياء رائعة وعظيمة ولا يدعون شيئاً ولا يريدون جزاءً ولا شكوراً، ونساء أو رجال لا يعملون شيئاً, ويأخذون كل ما تصل إليه أيديهم، ويريدون أن يحمدوا بما لم يفعلوا. خالد فضل منصور واحد من الأنموذج الأول، فهو من الناس القلائل الذين يحاذرون الشهرة والظهور، ويخلدون مآثر مجيدة بمسلكهم... قبل قالهم، وهو من أكثر مثقفينا ومفكرينا التزماً بخلق «الوعظ بالحال أبلغ من الوعظ بالقال».
خرج ابن الوهط في النصف الثاني من القرن الماضي إلى القاهرة فقد كان في طليعة المبعوثين من لحج في منحة حكومية، حسب رواية رفيقه الدكتور احمد القصير، عالم الاجتماع المصري.
وحسب رواية القصر في بحث له («الوحدة اليمنية في فكر مؤتمر الطلاب اليمنيين الدائم بمصر 1956»): «رابطة الطلاب اليمنيين، التنظيم النقابي للحركة، تشكلت البنية التنظيمية للحركة الطلابية اليمنية بمصر من شكلين رئيسيين: الأول عبارة عن تنظيم نقابي لرعاية مصالح الطلاب واتخذ شكل «رابطة الطلاب اليمنيين»، وإلى جانب ذلك كان هناك الهيكل السياسي للحركة المتمثل في «مؤتمر الطلاب اليمنيين الدائم في حلوان عام 1952»، حيث يتواجد معظم الطلاب اليمنيين في مصر. وكان أصحاب هذه الدعوة مجموعة ضمن إبراهيم صادق وخالد فضل منصور وطاهر رجب وعبده عثمان محمد، وقد قام هؤلاء الأربعة بالجهد الطليعي في عملية تأسيس الحركة الطلابية اليمنية في مصر. ثم انضم إليهم آخرون، وبناء على دعوة مجموعة الأربعة؛ انعقد اجتماع في 1952. في دار البعثة اليمنية في 18 بشارع رستم بمدينة حلوان، لمناقشة تأسيس رابطة للطلاب». ويشير إلى أن الاجتماع هذا لم ينجح بسبب إعلان عبدالله الكرشمي أن «اليمني هو من يدفع ضرائب للإمام»، (مجلة الحكمة- العدد 228 ربيع 2004). كان خالد فضل منصور ضمن البعثة اللحجية الرسمية التي وصلت عام 48 وضمت إلى جانبه أحمد سعيد صدقة وصالح حرصي فرج، (ربما حرسي) وفضل حسين عنبول وناصر عامر (المصدر نفسه).
ويترصد الدكتور القصير البعثات الطلابية في اليمن كلها: الآتون من لبنان، وهم بعثة الأربعين، ومن الاتحاد اليمني، ومن البعثات الأهلية والنوادي. مشيراً إلى خمسة طلاب ينتمون إلى قرية واحدة هي «الوهط» وهم أبو بكر السقاف، وعلي عيدروس السقاف، وعمر الجاوي السقاف، ومحمد جعفر زين السقاف، ومحمد عمر حسن اسكندر السقاف، انضم إليهم فيما بعد عبدالله حسن العالم. يأتي الباحث وعالم الاجتماع القصير إلى مرحلة ثانية في تأسيس الرابطة الطلابية، مشيراً إلى أن الراحل محمد عمر حسن اسنكدر السقاف هو أول رئيس لتلك الرابطة وضم مجلس إدارة الرابطة عبدالله المقطري وعبدالله الكرشمي وفؤاد قايد محمد ومحمد أنعم غالب ومحمد علي الشهاري، مشيداً بدور أبي بكر السقاف وأحمد الشجني وخالد فضل منصور وسعيد الشيباني وسليمان حسن وطاهر رجب وعبده عثمان محمد وعبدالغني علي وعبدالله العالم ومحمد علي الشهاري، وعبدالله صالح عبده وعبدالله عبدعبدالوهاب جباري وعبدالقوي العبسي وعمر الجاوي ومحمد أحمد عبدالولي ومحمد عبدالله العصار ومحمد عبدالله باسلامة وآخرون.
ويشير الدكتور القصير إلى أن الرابطة قد أصبحت مدرسة لمؤسسات المجتمع المدني وإدارتها. مارس الطلاب من خلالها تجربة العمل الديمقراطي، ورعاية مصالحهم والدفاع عنها. وكان الفقيد الكبير «خالد» واحداً من العناوين الريادية البارزة في هذا التأسيس والتوجه الوحدوي المختلف عن ألوان الطيف السياسي الموجود حينها: الرابطة، الإتحاد اليمني، البعث، القوميون العرب، الاخوان المسلمون، والتيار الناصري.
«لقد أسهم مؤتمر الطلاب اليمنيين الدائم بمصر 56، بدور الريادة فيما يتعلق بمفهوم اليمن الواحد والوطن الواحد»، النص للقصير (وهو أحد كوادر «حدتو» في مصر). وكانت الرابطة أول حركة سياسية تضم جميع أبناء «اليمن الطبيعي»، وأكدت وتمسكت «بأن اليمن الطبيعية كل لا يتجزأ»، وقضيتها واحدة ذات كفاح واحد في سبيل التحرر والوحدة الوطنية الشاملة حسب قرارات مؤتمر الطلاب اليمنيين.
في منتصف يوليو 56 عقد اجتماع تمهيدي لعدد من الطلاب اليمنيين، وعقد مؤتمر انتخب لجنة تنفيذية من سبعة أشخاص لمتابعة تنفيذ قرارته، وشكلت هذه اللجنة من «أبو بكر السقاف»، كسكرتير عام، وعضوية إبراهيم صادق، وسعيد السقاف، وعبده عثمان محمد، ومحمد أنعم غالب، ومحمد عبدالله العصار، ومحمد عمر حسن السقاف، وقد لعب طلاب آخرون ادواراً أساسية في المؤتمر، وفي صياغة توجهاته العامة. وكان خالد فضل منصور أبرز هؤلاء الطلاب (الوحدة اليمنية، د. أحمد القصير، الحكمة عدد 228). ويشير مؤرخو تلكم الفترة، ومنهم الاستاذ عبدالله عبدالرزاق باذيب، وعمر عبدالله الجاوي، والدكتور أبو بكر السقاف، وعلي محمد عبده، أن أهم ملمح لهذه الحركة ذات الطابع السياسي التأسيسي هو الربط الجدلي والعميق بين التحرر من الاستعمار والاستبداد في آن واحد؛ وهو ما جعلها ومنذ اليوم الأول في مواجهة مع الاستعمار والاستبداد عربياً، ومع الاتجاهات السياسية المختلفة في الداخل اليمني.
وكما كان الفقيد «خالد» الضمير المتواري في التأسيس، بقي الضمير المستتر في التأسيس لأشياء عظيمة ورائعة في الحياة؛ فقد أسهم في التأسيس للحكم المحلي في لحج، كما أنه وأثناء التحضير لتأسيس العمال، والفلاحين. 68- 70 والعمل، 70-78 فقد كان منصور حاضراً ومنذ البدء.
فقد أعد الفقيد عمر الجاوي مشاريع دراسات عن حركة القوميين العرب، والبعث، والتيار الماركسي. وأتذكر أن الفقيد الرفيق عبدالقادر هاشم قد عرضها بعد أن استكمل جوانب مهمة على الدكتور أبو بكر السقاف في الحديدة أثناء إجازته وزيارته للحديدة كما قمت بعرضها على الفقيد الشاعر الكبير إبراهيم علي صادق.
كانت أول مرة التقي فيها بالرفيق خالد فضل منصور نهاية عام 69، عندما نزلت إلى عدن أنا والرفيق محمد عبدالرزاق مكين. وقد التقى مكين بالجاوي في حين كنت مكلفاً بالالتقاء بالرفيق خالد حريري، عضو اللجنة المركزية ومسؤول المنظمة في عدن. ورتب حريري لقاء مع خالد فضل وآخرين في منزله، وطرحت عليهم نتائج المؤتمر العام الأول للعمال والفلاحين والقرارات التي خرج بها.
وأتذكر بعض تعليقات منصور المقتضبة والدقيقة؛ فكان يطرح قضية الابتعاد عن أوهام السرية، وتغييب الديمقراطية، والاهتمام بالتثقيف والعمل الجماهيري.
وكان الفقيد من أكثر الناس حذراً وابتعاداً عن أجواء الصراع الدامي، فلم يشترك أو يقترب من الصراعات الدامية في الجنوب أو بين الجنوب والشمال، أي بين النظامين الانفصاليين، كتسمية الفقيد الجاوي.
عندما أبلغته بحل المنظمة في اجتماع، حضره إلى جانبه خالد حريري ومحمد عقيل الارياني ومحمد عبدالرب وآخرون، لم يعلق. وحقاً فقد كان أكثر إدراكاً منا لخطورة القرارات الآتية من عل، وهي داء «المركزية الديمقراطية» حيث تأكل الأولى الثانية، وتصبح القرارات إملاءات وقرار مصادرة للحق.
وربما كانت تلك اللحظة بداية التأسيس الفعلي لحزب «التجمع الوحدوي» فقد بقي الرفاق في الجنوب، إلى جانب أعداد في الشمال، خارج قرار التوحد مع الحزب الاشتراكي ومنهم الفقيد الشهيد حسن الحريبي، وأحمد كلز، وعبدالكريم الفسيل، ومحمد عبدالرزاق مكين، وآخرون.
وعندما أُعلن حزب التجمع، قبيل إعلان دولة الوحدة، كان خالد فضل منصور أحد مؤسسي الحزب. فقد نظر الفقيدان ورفاقهما إلى الوحدة من زاوية البعدين: الشعبي، والديمقراطي. ورفضا كرفاقهما قضية التقاسم وجولات الصراع الكالح والدامي.
آخر مرة, قبل عامين, حاولت زيارة الفقيد أنا وعبده علي عثمان, كان في صنعاء يراجع على راتبه بعد التقاعد، وقد تعاملت معه الدولة بنكران وجحود لنضاله ومكانته. فهو اولاً وأخيراً ليس من زمرة النظام ولا من طغمته، وهو خصم سياسي, بل ربما يذكر النظام بما يريد نسيانه.