اليمن.. فيديو بلال

اليمن.. فيديو بلال - منصور هائل

التقيت بصديق متقاعد, ظريف، غادر عدن قبل أكثر من عام لتلقي العلاج في القاهرة، واستطاب له البقاء والتسكع بين مقهى «زهرة الميدان» في وسط البلد وغرفته المكركبة على سطح عمارة غير بعيدة من المقهى، واصبح يتذرع بمعوقات شتى حالت دون رجوعه السريع إلى أحضان عائلته، وبالأخص زوجته التي كنت أعلم أنه لم ينقطع عنها أكثر من شهر منذ اقترانهما قبل أزيد من ثلاثة عقود.
سألني عن أحوال اليمن وسألته عن أحواله. وقال إن الحال من بعضه، وغمز، وأردف أنه يعرفني كشخص حليم وينبغي أن أفهم أن تحسن حالته يتوقف على تحسن أحوال البلاد والعكس، وأنه لم يبق في القاهرة عبثاً أو من أجل اللهو والطرب وأنه... وأنه... ينطوي على مشروع كبير، خطير، سيأتي وقته؟!
استعجلني الجواب عن حالة اليمن بإلحاج، في مقابل أن يكشف لي عن سر العمر والفرصة التي لم أحلم بها قط.
وأجبته: سأصارحك أن حالة اليمن اليوم لا تختلف بالمرة عن حالة جهاز الفيديو حق بلال فضل، وهي محفوفة بمصير فيديو بلال في كل الأحوال: الانهيار.
 اشتط وتبرم لاعتقاده أني أتمسخر؛ ما أجبرني على أن أحكي قصة الصحفي المصري المتعدد المواهب واللاذع بلال فضل (بالمناسبة هو من أب يمني).
تحدث بلال عن انهيار جهاز الفيديو الذي اشتراه منذ عشر سنوات وهو مستخدم وبعد أن كان مر على أكثر من خمسة عشر نادي فيديو، وشاهد عليه عدداً مهولاً من أشرطة الفيديو، ودفع للأندية غرامات تأخير قيمتها أكثر مما دفع أهله على تربيته، ورحل صديقه- أي الفيديو- بعد أن تعرض لإهانات لم يتعرض لها مواطن في لجنة.. يكفي أنه كان يعمل في أيام البطالة أكثر من 16 ساعة دون توقف، ويجبر على شرب أفلام منحطة وخربانه، ويضرب ويركل ويخضع للاصلاح من قبل أناس لا علاقة لهم بالهندسة، وتُستخدم لإصلاحه أساليب وأدوات بدائية فجة أفضت في النهاية إلى الاجهاز عليه تماماً.
يقول بلال: «سأسمع منكم: طيب كيف تدعي أنه انهار فجأة بينما تعترف بكل هذه المرمطة التي تعرض لها في خدمتك. ولهذا الذكي سأقول إنني كأي مواطن مصري صالح لا بد أن يصف أي وكسة يتعرض لها انها حصلت له فجأة حتى لو كانت علاماتها تتعاظم أمام عينيه يوماً بعد يوم. تُغرق المياه العمارة على مدى سنوات دون أن يتحرك أحد لوقف ذلك وعندما تنهار يولول الجميع لأنها سقطت فجأة».
وهكذا يضرب بلال الأمثال بعبد الناصر والسادات ومبارك، وقلت: هذه هي اليمن يا صاحبي.. هي الفيديو حق بلال، أو تلك العمارة المنهارة وطالما أننا ندرك أنها تنهار ولا نفعل شيئاً لتدارك الانهيار، فليس من حقنا الولولة وتقمص دور من نزلت عليه مفاجأة صاعقة.
أطمأن صاحبي لما سمع مني وأخبرني بأني أسير على خطه، وأنه سيجهر بسره الخطير الذي حرص على كتمه طويلا إلى أن التقاني وقال إنه يمتلك قدرات باراسيكولوجية خارقة تمكن من رؤية ما سيأتي من أهوال بدقة فوتوغرافية، ولو كانت ستأتي بعد عام أو أكثر.
وزاد: إنه لم يشأ توظيف قدراته في النزاعات والحروب الداخلية، أو لخدمة مآرب أنانية وزعامية.
ثم زاد: إن الحساسية الاستشعارية للأسماك تستوطن أعماقه، وأنه التقط ذبذبة الزلازل والبراكين التي ستجتاح اليمن قبل ستة أشهر، وقد صبر الكثير ولم يبق سوى القليل، وسوف ينتظر لأن البلاد ستحتاج لمن يلملم أشتاتها وشتاتها، ومن الراجح أن عناية الأقدار قد تأتي بـ«المنقذ» بعيداً عن الطوفان.
كان كريماً، متواضعاً، ولم ينبس باسم «المنقذ»، وتمتم: أعوذ بالله من كلمة أنا.. وختم كلامه: أعتقد أنك فطنت لسبب عدم رجوعي إلى أحضان البلاد والأحباء حتى الآن.
وافقته: نعم.. إنه فيديو بلال فضل.

mansoorhaelMail