بعد عام على اختطافهما.. طفلان في غياهب المجهول

مع غروب آخر أيام العام الماضي، لم يكن أحمد الغرباني ليتخيَّل ما يخبئه حلول العام الجديد 2007، من مفاجأة غير سارة لم تكن في الحسبان، فيوم عيد الأضحى الماضي حدثت المأساة، فبينما كان الناس يلهون ويمرحون مع أطفالهم، كان الغرباني يلف أرجاء مناخة بحثاً عن نجليه الوحيدين، وهو يكاد يصعق من هول الصدمة.
بعد أسبوعين سيدخل الطفلان (أمير الدين 7 سنوات، نور الدين 5 سنوات) عامهما الثاني، في غياهب الضياع.
في مساءٍ كان ينذر بالشر، والسماء ملبدة بالغيوم، اختفى الطفلان وأحدثا بغيابهما كارثة بالنسبة لأهلهما، فوهن قلب أمهما؛ فهي بين حين وآخر ترتاد المستشفى فيما دموعها لا تفارق خديها، أما والدهما فلا يهدأ له بال، و عندما تفوته مكالمة يضطرب حتى يعرف مصدرها وما كانت ستنبئ به، ولم تكلّ له قدم في البحث عنهما، فالرجل سافر قبل 4 أشهر إلى السعودية بغرض التحسس والتحري عن أخبار طفليه.
بعد أن أدّى الغرباني صلاة عيد الأضحى في صنعاء، قصد وأسرته منطقة مناخة- مديرية حراز، لزيارة أم زوجته، وعصر ذلك اليوم جلس وولداه في منزل أحد أصدقائهم حتى تمكنا في الساعة ال5، من الحصول على إذن للذهاب إلى منزل جدتهما، وهو على بعد «خمسة بيوت»، فيما لم يتمكَّنا من الوصول إلى أحضان والدتهما.
بعدئذٍ وصل الأب المنزل ينادي طفليه، غير أنه تفاجأ بعدم مجيئهم حتى ذلك الوقت، وفجأة علا الصياح، وتجمع الناس للبحث عن الطفلين.
أسرع الأب الخائف والناس خلفه للتحري في جميع الاماكن، وتحرك إلى إدارة الأمن لإبلاغهم بـ«إختفاء ابنيه»، فما وجد في الأمن سوى شخصين فقط «وما عملوا شيء»، قال أحمد متنهداً.
وفي عرض الشارع كان مجموعة الباحثين قد التقوا بأكرم عبدالوهاب الجوفي وسألهم: هل تبحثون عن طفلين؟ شارحاً أوصافهم أجابوا نعم، فقال: «خرجوا من محل الألعاب واتجهوا خط قسم باعة». وهو الخط المعاكس لاتجاه المنزل و «تبعهم محمد المزنعي»، وفقاً لوالد المختطفين. المزنعي نفى الحدث موضحاً أن «أكرم» خصم  له «أتى معنا للبحث عن الجوفي والذي لقيناه الساعة 2 ليلاً وهو سكران». بحسب الغرباني، الذي هؤلاء وأربعة آخرين بأنهم متورطون في القضية.
ويقول والد المختطفين: «إدارة أمن مديرية حراز وأمن محافظة صنعاء لم يحضروا المتهمين ويحققوا معهم، والذي مسكوه منهم أطلقوه بضمانة وما حققوا معه سَوا» أكد ذلك أمين حجر، عضو النيابة الجزائية بمحافظة صنعاء، في مذكرة تكميلية رفعها إلى النائب العام: «من خلال الإطلاع على الأوليات التي شابها القصور، وعدم التحري وجمع الاستدلالات من قبل مأموري الضبط القضائي». وذكرت أنه وجه أكثر من مرة بإعادة التحقيقات والتحري «ولكن دون جدوى ولم يتم موافاتنا أو اتخاذ أي اجراء من المطلوب استيفاءه».
والدة الطفلين تعاني حالياً من مرض في القلب أُصيبت به جراء إختطاف «أمير الدين ونور الدين»، وتحسَّر والدهما: «ما به معي إلا هم ذكور و4 بنات»، وقلبه يكاد أن يتمزق حزناً عليهما.
ويتذكر أحمد اللحظات الجميلة مع أطفاله، وما كان يحمله أمير الدين من أحلام «كان يشتي يقع دكتور»، وهو لا يضاهى في ذكائه وذاكرته العجيبة، وفقاً لوالده.
ملت الصحف النشر عنهما ومل الأمن الحديث عن سيرتهما، غير أن والدهما لم يتوقف في تقصي حكايتهما؛ في نهاية أغسطس الماضي سافر إلى السعودية آملاً في لقائهما، ظل هناك لأكثر من شهر ونصف متنقلاً بين مدنها وأجهزتها الأمنية ومراكز إيواء الأطفال فيها، يتلمس وقع ولديه، أيضاً كان يوزع صورهما وأرسلها مع «العمانيين والاماراتيين وباقي دول الخليج مع حجَّاج من هناك».
يمضي الغرباني ببطء شديد ويتطلع أمامه متسائلاً: «هل هذه قضية رأي عام والا قضية الغرباني؟» فخسارته ليست ضئيلة «خسرنا الأرض ب2 مليون مع الزلط مع الجهَّال (الطفلين) واحنا ندور العدالة والدفاع عن حقوق الانسان والحريات»، يعدد الغرباني ما فقده حتى الآن.
أحمد الغرباني، رجل من فئة البسطاء ذو أنفة وكبرياء، وبخطى حثيثة يواصل ما بدأه في عامه الماضي، ويشكو بلهجة عفوية: «لو كان عيالي من أولاد المسؤولين لقلبوا الدولة عاليها سافلها، أما احنا المساكين، احنب بروحك». مضيفاً: «لو كانوا إرهابيين إن قد لقوهم».
يبدو أنه لا يقصد سوى لفت نظر الدولة وإشعارها بقضيته التي تقر النيابة بوجود تراخٍ في إجراءات التحقيقات والتحريات «المفروض ان الدولة تتابع مش أنا، هذه قضية اختطاف، ورجعت اتلاحق لي انا والدولة»،
لم ينس الغرباني (45 عاماً)، الذي يحمل وجهه تباشير بالخير، أن الجهات الأمنية اليمنية لم يعطونه عناوين الهاربين من المتهمين في السعودية: «غرمائي الآن ستة أشخاص أربعة في السعودية هاربين وأطالب بإيصالهم، واثنين هنا كان بعضهم محبوس وفكوه الأمن بضمانة تجارية»، سرد غرماءه مستنكراً تساهل الجهات الامنية، «لم تنفذ حتى أوامر البرلمان واللجنة المكلفة من يحيى الراعي».
حينئذ، لم يعد لدى الرجل، الذي خدم في الجيش 23 عاماً «والدولة ما خدمتنا بهذه القضية»، سوى أن قال «لا حول ولا قوة إلا بالله». ثم دعى عبر «النداء» جميع الخيرين والجهات الأمنية والقيادات ذات العلاقة إلى التعاون في البحث والتحري عن ابنيه، والأمن إلى إجراء تحقيقات صارمة مع المتهمين. وتساءل: «عاد شي أخس (أسوأ) من ما يشلوا أطفالك؟!».