مؤلم وأشد ألما.. طمس هوية الجنوب.. معاناة غربة في وطن - عفراء حريري

إلى مدينة عدن المحبة، عدن أمي، عدن أهلي وأحبائي،  عدن وطني الذي منحني عنوة وإكراها وضغطا هوية الاغتراب عنه وفيه.
مؤلم هو ما يجري في الجنوب. وأفظع منه أنك لا تدري لماذا الجنوب؟ لأنك طيلة 13 عاما تحاول البحث عن حق في مواطنة متساوية وعادلة فتجد أن هناك طمسا لهوية الجنوب، وتحديدا "عدن"، وتتجاهل الدولة، بسلطاتها الثلاث (التشريعية، القضائية، والتنفيذية) هوية الجنوب، وهي وحدها مسؤولة عما يحدث في الجنوب. أوليست؟
 السلطة الأولى (التشريعية)
التي شرعت قوانين هذه البلاد، قوانين لا تضاهيها قوانين في مضامين المساواة والعدل والكرامة، انتخبها الشعب -هذا المغلوب على أمره- لتسانده وتؤازره وتدافع عنه في قضية من أكبر وأكثر القضايا حساسية: المواطنة الغائبة عن أهل الجنوب، وأكثرها عبثا: "عدن"، باستثناء أولئك الذين تعلو لديهم مصلحتهم الخاصة على كل القيم والأخلاق والوطن أيضا من أهل الجنوب. تلك المواطنة التي تعني كل الحقوق، والمساس بها هو مساس بكل الحقوق.
إن الحرمان من الحقوق يعني أن هناك خللا في النظام. ويجر النظام المختل خللا في كل القوانين الوطنية، وتعطيل كل المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين (العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية). وهو نكران لأسمى ما جاء في التشريع السماوي والنبوي (القرآن الكريم والسنة النبوية).
 السلطة الثانية (القضائية)
هي التي تصدر الأحكام والأوامر التي لا يشوبها ظلم ولا تدخل من أحد، وتستند في أحكامها إلى التشريع السماوي للشريعة الإسلامية السمحة بكل تشريعاتها، والقوانين الوطنية والدولية. وهي التي يتوجب عليها إنصاف المظلوم وإحقاق الحق والحكم بالعدل. إن الجور في الحكم ظلمات في الدنيا والآخرة، وإزهاق حق مظلوم وعدم إنصافه هو هدم للمقدسات (وهوية الإنسان مقدسة) فما بالكم بهوية أمة في الجنوب وبخصوصية "عدن". إن التدليس والغش والضغط في إصدار الأحكام لصالح ظالم وذي نفوذ وقوة وسلطة ووساطة هو ضياع هيبة القضاء واستخفاف باستقلاليته. إن فساد القضاء (قضاة ونيابة، مع الاعتذار للنزهاء منهم) هو لعنة عليهم إلى يوم تقوم الساعة. إن كل تلك الأمور لا تمس سوى أهل الجنوب، وأكثرهم نقصانا في العدالة أهل "عدن"، في ظل اختلال ميزان العدالة.
السلطة الثالثة (التنفيذية)
هي التي يقع عليها تنفيذ القوانين والعمل على إيجاد خطط وبرامج لمصلحة الشعب كافة، ومراقبة تنفيذ القوانين والقرارات واللوائح التي تصوغها لمصلحة الشعب كافة. وهي التي يخول لها وضع الميزانية وصرفيات بنودها ومعالجة القضايا التي تدخل في نطاق كل وزارة فيها. ولها أن تنفذ في حدود صلاحياتها، فلا تنهب ولا تعتدي ولا تبحث عن مصالحها الخاصة على حساب أمة الجنوب في كل وزاراتها وجميعها لا تستخدم سلطتها التنفيذية ظلما إلا في عدن.
وكثيرة هي المهام، وكبيرة هي مسؤوليات هذه السلطات.
 ثم نأتي إلى المجالس المحلية، وهي أيضا في عدن من طيف واحد فضلا عن الكثير منها في بقية المحافظات، والشورى، وغيرها، واللجان التي لا تحصى، وكلها وما أدركت ما هو عملها سوى نهب ثروات هذه البلاد وإهدار كرامة المواطن وحرمانه من حقوقه كافة، لسبب واحد: من أين تأتي صرفياتها؟ مضاعف هو العنف والانتهاك لأهل الجنوب. ويضاعف الألم والوجع حين يتواطأ حفنة من الجنوبيين ضد أهل الجنوب، وأكثرها بيانا في "عدن".
 لسنا انفصاليين، ولكن الهوية/ يمن الجنوب، والمواطنة درجة خمسين لأهل الجنوب، والثوابت الوطنية ليست وطنية ما لم تثبت رأسيا وأفقيا في الجنوب، ولا تحمل الوطنية معالم ما لم تكن هناك هوية للجنوب. فالثروات التي منحت –معذرة! سلبت- لأولئك الوطنيين هي ثروة الجنوب: نفطا، أرضا، بحرا، جبلا، إنسانا... أعطى الجنوب ما لم تعط أرض مثله؛ ولم نجن نحن سوى الحرقة والألم ومرارة الوجع وضياع الهوية.
طمس تاريخ الهوية والمواطنة للجنوب وأهل الجنوب لم يسلم هو أيضا. تعالوا نذكر ومضة من ذلك الطمس المؤلم، ويكفينا ما طمس عنوة من تاريخ الحركة النسوية في الجنوب، لتصبح بدايته عند اتحاد نساء اليمن الذي تأرخ في 2003، معذرة! لنسوة الزمن الجميل. لا تعليق؛ فلم تعد النفس تميل لقراءة ذاك التاريخ الزائف. وفي هذا لا أقصد التقليل أو التصغير من النساء في الشمال؛ عذرا! ولكن التاريخ لا يقبل التزييف أو طمس هويته، كي يستمر الحاضر والمستقبل نضالا للنساء موحدا في حقوق مواطنة متساوية وعادلة. فيا أخواتي نحن لسن أقل منكن مستوى، ولا نبكي على أطلال الماضي، وأنتن تعلمن ذلك، فالشواهد كثيرة.
إن هوية الجنوب تطمس، وعدن تسلب يوما عن يوم، وحقوق المواطنة تنقص لحظة تلو لحظة؛ فتعالوا نحسب عدد اللحظات منذ 1994 حتى اللحظة! سنعرف في أي درجة مواطنة هم أهل الجنوب، وتحديدا "عدن" بفضل أهلها عليها وفيها ومنها. طمست الهوية ومعها المواطنة بكل حقوقها، وامتهنت بفنون التهديد والترهيب، اتهامات بقوائم طويلة: العمالة، الجاسوسية، التآمر على الوطن مثلما بدأ اغتيالا، خطفا، اعتداء جسديا ونفسيا، قمعا، إقصاء، حرمانا، وغيره، مستوقفا في الوقت الحاضر بعدم الاعتراف بالمواطنة المتساوية والعادلة والوطنية لأهل الجنوب خاصة "عدن"، لأسباب قد لعكتها الالسن من قبل الأقلام الرخيصة الحبر دون وجه حق، فلا جدوى من ذكرها.
عندما استهللت موضوعي بالسلطات فذلك لأنها قوائم النظام الذي أعطى حقا تشريعيا وتنفيذيا وقضائيا بطمس الهوية خاصة في محافظة عدن، ابتداء بهدم البناء الجميل الذي تميزت به المدينة (عدن) ولا حجة للسلطات بأنه قديم فالقديم هو ثراث وتاريخ وحضارة. ثم توالت الأحداث متسارعة في تغيير ملامح كل المدينة، وحذت المجالس حذوها.
فإن فقدت عقلي وصدقت ما تلقيته من العلم في جامعة الحقوق "قانون عام" بأن الدستور أعلى التشريع، ومن مصادره الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية سارية المفعول ولا قوة سوى للقانون، ورفعت دعوى إلى القضاء عن طمس هويتي وقضيتي إلى النائب العام عن سلب مواطنتي بكل ما شملته من حقوق، مستندة إلى الشريعة الإسلامية في سيرة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وبعده أبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما حين ظل النصارى كما نسميهم "المسيحيين واليهود" محتفظين بهويتهم وقد أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام بتركهم على ديانتهم ولغتهم وتاريخهم وكلاها محاور الهوية ثم استأنست بالمواثيق الدولية والدستور والقوانين النافذة أن يصدر لصالحي حكما ببقاء معالم مدينتي "عدن" التي أصبحت قرية في منهج التاريخ الابتدائي وكذلك الجنوب. آه! آه! آه! غصة الألم تفاقم الغضب عند أهل الجنوب، فلا مهزلة ولا سخرية ولا عفن ووباء وبلاء أكثر من طمس هوية أمة ممثلة بأهل الجنوب، وكأن التاريخ ملك أفراد لا انتماء لهم لأمة ولا لوطن سوى نهب حق الجنوب لتشكيل هوية وحدهم يعرفونها. فإن كنت تدري أن ذلك يجري فعار عليك ألا يؤلمك حال الجنوب؛ فمؤلم هو ما يجري في الجنوب، وأفظع منه أنك لست تدري لماذا الجنوب، بل لمن ولماذا وأين هوية الجنوب ومواطنة المساواة والعدل لأهل الجنوب وخاصة عدن.
وإن رفعت قضية بصدد المواطنة غير المتساوية وغير العادلة في جميع الحقوق إلى النائب العام، مستندة إلى كتاب الله العزيز الحكيم، بمجمل آياته، ثم المواثيق الدولية، ثم القوانين النافذة، أو رفعتها إلى جميعها، هل ستصدر السلطة القضائية حكما نهائيا باتا غير قابل للطعن بمنطوقه في جميع أوامره وفقراته لصالحي ولصالح أهل عدن وأهل الجنوب؟ وهل ستقف معي السلطة التنفيذية للتنفيذ؟ وإن رفضت هل سيحاسبها مجلس النواب؟
 أنا غريبة عن مسقط رأسي وعن مدينتي الصغيرة وفي كل أرض الوطن. ولكن للأسف لم يراودني يوما حلم الاغتراب، فقد مارس عليّ أبي وأمي الغبن، ومدرستي التدليس، والنظام السياسي الذي لم أنخرط في حزبه يوما الغش... جميعهم خدعوني -غبنا وغشا وتدليسا- حين غرسوا فيّ الانتماء ومحبة الوطن والتغزل بعدن وعشق البحر على امتداد الجنوب. لم يدعوني وشأني أتعلم أشياء أخرى: أن أكون غنية مالا، وليس مثلا وقيما ومبادئ وطنية، ففقدت هوية وطني وحقوق مواطنتي، وذاك هو الفقر والاغتراب. فالغنى ليس بمعنى المال، بل بالمواطنة، عدل ومساواة في الغربة وطن. والفقر ليس بالمال، بل بغياب المساواة وانعدام العدل في الوطن غربة. هنا ستجد السلطة القضائية ضآلتها لإنصافي فستصدر حكمها ضد والديّ ومدرساتي ومدرسيّ والنظام الذي كان، فذاك حكم سهل التنفيذ، وسيعتبر واجبا وطنيا لاستعادة حق مواطنة. وسيتبعني أهل الجنوب في الحصول على حكم عادل كهذا لاستعادة الهوية والمواطنة المتساوية والعادلة؛ فأخيرا وجدت السلطات والمجالس واللجان والنظام القائم حكما صائبا شبيها بما أصدرته من حكم جائرعلى عدن بنقل فعاليات منتدى المستقبل الموازي الى صنعاء، مقرة معترفة معززة مجسدة، بأن عدن قرية وليست عاصمة اقتصادية وسياحية كما يزعمون، وكي لا يفضحون ما يجب وينبغي بموجبه وعليه عدن أن تكون!
ملاحظة للقارئ: إن ذكر عدن بشكل خاص في مجمل المقال بشكل دائم لأنها كانت عاصمة الجنوب وميناءه الحر وعروس بحر العرب منذ تاريخ طويل، وستظل عدن المدينة المتمدنة على امتداد سنوات عمر الحضارة، تاريخا وإنسانا.