أحمد سيف حاشد

أحمد سيف حاشد - أبوبكر السقاف

«انضم النائب المستقل أحمد سيف حاشد إلى قائمة «المصابين» على هامش احتجاجات الجنوب بعد تلقي البرلمان طلبا بسحب الحصانة عنه تقدم به الاسبوع الفائت نواب من كتلة المؤتمر الحاكم» الشارع 1/12/2007.
قرأ نواب المؤتمر ما يريدون وليس ما يرون ويقرأون من حروف وكلمات وجمل. وهذه مناسبة ممتازة لفهم كلمة «قراءة» التي أصبحت في فكر البنيوية تعني الفهم والتأويل والتفسير والمنحى وزاوية النظر والحساب في وقت واحد، فإذا افترضنا أنهم قد قرأوا فإنهم أسقطوا لب الجملة الشرطي في حديثه الذي نشر بعنوان مثير لا يكتشف القارئ التلاعب الإعلامي فيه إلا بعد قراءة التصريح كاملاً، فقد ربط قدوم الإنفصال بموقف المتفرج الذي يكاد يسود ساحة الشمال السياسية والمدنية؛ فإذا استمر الحال على هذه الشاكلة فإن الانفصال قادم. وهذا فهم سياسي سليم؛ تدرج الموقف السياسي القائم منذ نحو تسعة أشهر في الجنوب، من الاعتصام السلمي المحدود إلى الاعتصامات الكبيرة في كل أرجاء الجنوب، وواجهت السلطة هذا الاتساع بإطلاق النار والقنابل المسيلة للدموع في ساحة الحرية بعدن في 7/7/2007، ثم بإصابة أول معتصم في 2/8/2007 في يوم الخميس الدامي، وتوالى نزف الدم والقتل في المكلا في 1/9/2007، وفي منصة الحبيلين حيث صنع رصاص النظام «عرس الدم» في مناسبة فرح وطني يحتفل فيها بذكرى المقاومة الوطنية وثورة الحرية في الجنوب؛ وهي ثورة التحرر الوطني الوحيدة في شبه الجزيرة التي نسجتها ثوار المدينة والريف.
إن فحوى قول النائب المستقل لا غموض فيها. إذا كنا نزعم أننا في الجنوب والشمال أبناء وطن واحد، فكيف ولماذا يطول صمتنا في الشمال! فهو يرى أن هذا يهدد الوحدة، التي يفترض حكماً، إن كانت قائمة في الواقع وفي العقول والنفوس، أن يهب الجميع لمساندة مجموعة أو ناحية أو مدينة، أما أن يتفرج الشماليون على الجنوب كله وهو ما يسمى بشريك الوحدة طوال هذه الفترة، فإن في الأمر خللاً، إما في الفرضية أو في المستوى السياسي والأخلاقي للمواطنين في الشمال، أو إنهم مثل النواب الشوس يرون في التفرج تضامناً ضميناً مع السلطة، وإنه «ليس في الإمكان أبدع مما كان»، ولذا فالنائب صوت نشاز في جوقة إنشاد تعرف متى تغرد ومتى تسكت وكيف وبقيادة أي مايسترو.
إن جناية النائب المستقل أنه تصرف باستقلال عقلي ووجداني وضبط سلوكه بمعايير أخلاقية سياسية لا مكان لها في ثقافة الحزب/ الأمن الحاكم، إنه مثل نظائره في غير بلد عربي منذ منتصف القرن الماضي حزب يلبس دولة، بكل أجهزتها ومالها وقضائها وسجونها وغرف التعذيب فيها. والنواب الشجعان يستنكرون أن يقلق صمتهم المتين والراسخ رسوخ جبال الوحدة، وهو الوصف الذي يكرره الرئيس وتابعه السياسي «العبد الأداة» الذي يمثل دور أحمد شوربان، والذي لا يستطيع حتى تعريف نفسه إلا إلحاقاً لها بالرئيس، كما كان العرب السادة يفعلون مع الموالي إذ يلحقونهم بالنسب.
أحمد سيف حاشد، ليس له من حاشد إلا ذكرى أدق من المحاق، أو باقي الوشم الذي يلوح في ظاهر اليد. فيرغمنا على تذكر: «لو كنت من مازن لم تستبح إبلي      بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا». ولكنه ينتمى إلى ماهو أرفع من عصبية الجاهليات كلها، البائدة والمعاصرة التي يكتوي الناس بنارها كل يوم.
اهتبلوا الفرصة وأرادوا معاقبته على مواقفه كلها ومنها تعذيب الأطفال الذي نشرت «النداء» قبل نحو شهر جزءاً من تحقيق ميداني أجراه في صعدة، ومساهته في إطلاق سجين مظلوم، وتضامنه المستمر والمنتظم مع المظلومين في صعدة والجنوب.
إنه يقدم صورة للنائب العصري تتهمهم لأنهم الصورة الأخرى التي تشارك وتتواطأ في ترسيخ تبعية البرلمان للسلطة/ السلطان، حتى أصبح ختماً من المطاط تمهر به كل القرارات غير الدستورية، وغير الانسانية، من الاعتمادات الإضافية وتوزيع الصفقات وكل ما أصبح حديثاً مشاعاً من قضايا الفساد والتستر على أبشع الخروقات التي تمارسها السلطة التنفيذية بصورة روتينية، مما جعلنا نعيش منذ 7/7/94 بصورة أشد دولة السلطة الواحدة وغياب كلي لمبدأ الفصل بين السلطات.
إنهم بموقفهم منه يؤيدون القمع والقتل الذي يُعربد في الجنوب ولذا يرون موقفه فضحاً لسكوتهم عن الشهادة. إنهم مثل حزبهم ودولتهم يرون الوحدة الوحيدة الممكنة هي هذه القائمة على السلاح والازدراء والكراهية. إنه شهادة حية وشجاعة ضداً على كل مثالبهم.
قبل نحو عقد ونصف من السنين زارني في كلية الآداب الاخ أحمد وسلمني بحثاً في الحديث المشهور عن الخلافة في قريش. وعندما طلب رأيي شجعته على نشره. ولا أعلم لماذا أحجم حتى الآن.*
قبل نحو عامين التقيت به بعد انقطاع طويل في مناسبتي تضامن مع الأخوين يحيى وعلي الديلمي، ومحمد مفتاح أمام مكتب المدعي العام، وكانت المرة الثالثة في ساحة الحرية في يوم 7/7/2007، كان والمرادي ممثلين رمزيين للشمال الحبيب.
استقر في ذهني أنه ناشط سياسي بامتياز. وليت الشباب والكهول والشابات الذين/ اللاتي، ينشطون في المجالين السياسي والمدني يقتدون به. وليس أمراً عابراً أن تكون صحيفة «المستقلة» هدفاً لصحافيِّي البلاط والأمن وعصابيِّي الاسلام السياسي، الذين يظنون أنهم يحسنون صنعا بينما هم يدمرون أقدس الوشائج بين الناس ويناصبون العداء كل ماهو حديث.
الدفاع عن حصانته واجب كل من يحترم مبدأ التمثيل ويرفض مبدأ الموالاة الرعوي.وشأن كل ما يحدث في داخل الديكور الحديث في اليمن السعيد الذي يحاكي الدولة العصرية، فإن ممارسات النواب الموالين أحدثت تحويلاً دلالياً عميقاً على معنى النيابة والتمثيل عن الهيئة المنتخبة، فأصبحت جزءاً من مفهومات جهاز معرفي جديد، لايفهم إلا في سياق دولة تسلطية، سلطانية الملامح والقسمات، ليس لها من العصر إلا أدواته ومظاهره البرانية؛ فنحن في بحبوحة إمامة معكوسة استبدلت بالسيد العدناني قبيلياً قحطانياً طال توقه إلى السلطة والملك الملذوذ. إننا في حقل دلالي يقع خارج العصر وثقافته السياسية لا تسمح ببناء دولة على الإطلاق بله أن تكون دولة مدنية هي شرط الديمقراطية الأول إذ تخرجنا من حكم الجند- العسكر- الجيش.**
ليس غريباً أن تلجأ السلطة إلى عقوبة سحب العضوية.. فهذا ما قامت به حكومات غير ديمقراطية غير مرة في مصر والسودان وسورية. وتقاس متانة الوعي السياسي والقدرة على التعبئة التنظيمية في مثل هذه الأحوال بالنجاح في الحيلولة بين هذا السحب المشين والتحقق. إنها قضية عامة.. قضية رأي عام بامتياز.
2/12/2007
* البحث جيد وموثق بصورة جيدة لتطور النظام السياسي والإداري والمالي في بدايته، ويدرس مسألة حية في الفكر التقليدي بكل فروعه لا في شبه جزيرة العرب بل في بلدان عربية بعضها تلقى صدمة العصر الحديث منذ قرنين!!
** يدعو الرئيس خصومه إلى التشبه بنواز شريف والشجاعة بوتو، فهل يستطيع أن يتشبه ببرويز ويخلع الزي العسكري.