ثورتنا... واستقلالنا

ثورتنا... واستقلالنا - سعودي علي عبيد

كعادته دوماً، كان علي عبد الله صالح احتفل في 25/9/2007م، وسط عسكره وأمنه ومخابراته، بالذكرى الخامسة والأربعين لانقلاب 26سبتمبر 1962م على نظام المملكة اليمنية المتوكلية، وإعلان نظام الجمهورية العربية اليمنية. وفي لحظةِ الاحتفال تذكَّر علي عبد الله صالح، أنّ هناك ثورة قامت في الجنوب، تمخَّض عنها استقلال وطني في الثلاثين من نوفمبر 1967، نتج عنهما إقامة دولة وطنية، كان يخشاها القاصي والداني، وفي اللحظة ذاتها أعلن أنّ احتفاله ذاك، هو للمناسبات الثلاث: سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر.
 ولأنها ثورتنا، ولأنه استقلالنا، ولأنَّ الجنوب دولتنا والحضن الدافئ الذي نلوذ إليه في ساعات أفراحنا وأتراحنا، فقد أعلنَّا إقامة احتفالنا الكبير بمناسبة الذكرى ال44 لثورتنا المجيدة، ثورة 14أكتوبر 1963م، وقررنا أن يكون احتفالنا هناك، في المكان الطاهر الذي انطلقت منه أول طلقة ضد الغزاة المستعمرين، وهناك من ذاك المكان الذي سقط فيه أول بطل شهيداً من أجل استقلالنا، الذي نلناه بالتضحيات في 30نوفمبر 1967م، من ردفان البطلة الباسلة والصامدة دوماً.
 وكعادته دوماً، أراد علي عبد الله صالح أن يختطف منّا فرحتنا وابتسامتنا، فاستخدم مختلف الأساليب لإرهابنا، واستجمع كل قواه، العسكرية والأمنية والمخابراتية، لكي يعطِّل احتفالنا في ردفان الأبيّة. ومن أجل ذلك، فقد عمل في الاتجاهات الآتية:
1. عندما استشعر علي عبد الله صالح خطورة زحف أبناء الجنوب نحو ردفان، للمشاركة في الاحتفال المخطط له، تحرك شخصياً ووصل إلى عدن سراً في آخر ليلة من رمضان، وجمع مطبخه وأزلامه، وقرر على الفور اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات الهادفة إلى عرقلة احتفالنا، إنْ لم يكن تعطيله بشكل كامل. وكان القرار الأول هو إقامة احتفال في قاعة فلسطين بذكرى ثورة أكتوبر، بعد أن كان احتفل بها في صنعاء في التاريخ الذي أشرنا إليه أعلاه.
2. وفي صبيحة أول أيام عيد الفطر، انتقل علي عبد الله صالح إلى تعز، وبالضبط إلى مسجد الجند للمشاركة في صلاة العيد، وللإعلان من هناك بواسطة خطبة ناصر الشيباني لحرب إبادة جديدة ضد شعبنا في الجنوب، وهو السيناريو ذاته الذي اتبعه علي عبد الله صالح في حربه السابقة علينا في صيف 1994م. (وسوف نتحدث عن هذه المسألة في موضوعٍٍ آخر).
3. ومن أجل أن يضمن حضوراً معقولاً للحفل الذي رُتب له في قاعة فلسطين، أو خوفاّ من عدم الحضور، لذا فقد تمّ إرفاق دعوات الحضور بمبلغ خمسة آلاف ريال يمني مع كل دعوة، كما تمّ جلب الناس من خارج الجنوب للمشاركة في احتفال السلطة.
4. وبهدف تخويف مواطني الجنوب والحدِّ من مشاركتهم في فعالية ردفان، فقد أقدمت السلطة على تقطيع الجنوب بواسطة زرع عشرات مناطق التفتيش في كل طريق وسهل وجبل، حيث حشدت لذلك الآلاف من عناصر الجيش والأمن والمخابرات المتعددة التسميات، ووزعت قوائم سوداء بأسماء العديد من الشخصيات بغرض اعتقالهم.
5. ولم تقف السلطة عند هذه الإجراءات الإرهابية ضد مواطنينا، بل ذهبت كعادتها عند كل اعتصام سلمي لنا، فأقدمت على قتل أبنائنا بدم بارد، حيث هاجمت الأطقم العسكرية ساحة الاحتفال، وقتلت أربعة، هم الشهداء: شفيق هيثم حسن، محمد نصر هيثم، عبدالناصر قاسم حمادة، وفهمي محمد حسن، كما جُرح في الحادث نفسه 15 مواطناً، وتم اعتقال العشرات في مناطق مختلفة من أرض الجنوب.
6. وفي يوم الثلاثاء الموافق 16/10/2007م، نفذت السلطة عرضاً عسكرياً في ما يسمى بالمنطقة العسكرية الجنوبية، وألقى علي عبد الله صالح خطاباً حربياً، هدد وتوعد فيه شعب الجنوب. وفي ذلك فقد سلك الطريق نفسها والسيناريو ذاته اللذين بدأ بهما حرب صيف 1994م. كما أن تنفيذ هذا العرض في تاريخ 16/10، وليس في تاريخ 14/10، لهو دليل واضح على ارتجال السلطة لهذه الفعالية، وعلى أنّ الهدف الحقيقي من إقامة هذه الفعالية في عدن، هو اختطاف المناسبة كما تمّ اختطاف الوطن الجنوب، ولكن إلى حين.
وبهذه الصورة البشعة، قررت وأصرت سلطة صنعاء أن تحتفل بثورتنا على طريقتها الخاصة، أما نحن شعب الجنوب فقد احتفلنا بثورتنا المجيدة بالشكل الذي يليق بها.
لقد كان يوم الرابع عشر من أكتوبر 2007م عظيماً ورائعاً وشامخاً، كعظمة وروعة وشموخ النسخة الأصلية ليوم الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م. وقد اكتسب احتفالنا هذا هذه السمات الجميلة بفعل مجموعة من العوامل، نذكر منها على سبيل المثال، تحمّل الآلاف عناء ومتاعب السفر من مناطقهم المختلفة إلى ردفان، والحشود الكبيرة التي شاركت في ذلك الاحتفال الجماهيري الضخم، والجهود المادية والمعنوية غير المتناهية التي قدمها إخواننا في ردفان، المتمثلة في استقبال واستضافة ضيوفهم في أروع ما يكون الاستقبال والاستضافة، وبما يتناسب وعظمة المناسبة، والتنفيذ الرائع لهذه الفعالية من جميع من شاركوا في هذا الحفل.
وأخيراً نقول لكلِّ شعب الجنوب بأنه لا يوجد أمامكم إلاّ طريقان لا ثالث لهما، إما الحرية والاستقلال أو العبودية والتبعية. وطريق الحرية والاستقلال ليست مفروشة بالورود، بل هي مقرونة بالتضحيات. وما الشهداء الذين سقطوا منذ بدء ثورة الاستقلال الثانية، بدءاً بشهداء حضرموت عام 1997م (بن همام ورفيقه)، مروراً بشهداء الضالع وحضرموت، وأخيراً وليس آخراً انتهاء بشهداء منصة احتفالنا بالذكرى ال44 لثورة ال14 من أكتوبر، سوى الخطوة الأولى على طريق الاستقلال. ومن أجل بلوغ ذلك الهدف ينبغي أن تتخلصوا من شيئين؛ الأول كل ما علق بكم من أوهام فيما يخص التاريخ المشوّه لليمن، والثاني أن تتخلصوا من عادة ونزعة الخوف وإلى الأبد. كما أن عليكم أن تتمسكوا بالأشياء الآتية: الأول وحدتكم وحبكم لبعضكم، والثاني، الإيمان القوي الذي لا يتزعزع بعدالة قضيتكم، والثالث، النَّفَس الطويل في كفاحكم من أجل الانتصار لقضيتنا، وأخيراً سلوك النضال السلمي في معركتنا الراهنة.
 وفي الأخير تحية إجلال لكل شهداء ثورة أكتوبر الأم، ولشهداء ثورة الاستقلال الثانية، والتحية والثناء لكلِّ أولئك الشجعان الذين تحملوا عناء السفر من صنعاء وغيرها، لكي يشاركونا فرحتنا واحتفالنا، وهم كُثر، وهم معنا دائماً في قضيتنا العادلة. وكما كان احتفالنا بذكرى ثورتنا، سيكون احتفالنا كذلك بذكرى استقلال وطننا الجنوب في الثلاثين من نوفمبر القادم، وسنردد فيه قسم الجنوب، وسننشد مع الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح نشيد الذئاب الحمر:
"ذئاب نحن في فوق جبالنا المشدودة القامه
نصيد الفجر، ننسج للضحى لنهارنا هامه
وننقش في جبين الشمس موكبه وأعلامه
ونحفر للدخيل القبر، نسحقه وأصنامه"