عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف لم يكن رافضياً.. إصرار الأكوع على تشويه صورته مرده علاقته الحميمة بالإمام يحيى

هل كان السيد عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف مفتي حضرموت وأبرز علمائها وأدبائها في النصف الأول من القرن العشرين رافضياً، أم أنه ضحية قراءة تحيزية وتعسفية لمؤرخين أرادوا الطعن في شخصيته الثرية، توطئة للتشويش على آرائه ومواقفه واجتهاداته؟
للرد على هذا السؤال يبحر الباحث الشاب وضاح بن عبدالباري طاهر في عالم السقاف، انطلاقاً من أدبياته وقصائده وآرائه، ليقدِّم للقراء القول الفصل في الإتهام الموجه لواحد من أبرز أعلام حضرموت واليمن في القرن الماضي.
وإلى السقاف، يدقق الباحث في إتهام آخر موجه إلى حضرمي آخر هو عبدالرحمن بن خلدون، الذي أُعتبر من عديدين، بينهم السقاف ذاته، ناصبياً، أي باغضاً لآل البيت.
وضاح بن عبدالباري طاهر في كتابه «ضحايا المؤرخين: ابن خلدون وابن عبيدالله السقاف أنموذجاً»،الصادر مؤخراً عن «مركز عبادي»، إذ يدفع عن العلمين الحضرميين تهمتي الرافضية والناجية، فإنه بلغة محكمة وبروحية باحث حقيقي، يمسك بأدواته، ولا تحمله أهواؤه وعاطفته حيث تشاء، يكشف في كتابه فداحة الظلم الذي وقع علي السقاف، جراء إصرار المؤرخ الكبير اسماعيل بن علي الأكوع على إلصاق تهمة الرفض ولعن الصحابة به، وذلك في كتابيه «هجر العلم ومعاقله في اليمن»، و«الزيدية نشأتها ومعتقداتها».
ويذهب الأكوع في الكتابين إلى أن ابن عبيدالله السقاف تعرض في قصيدة بعثها إلى الإمام يحيى بن حميد الدين للصحابة باللعن، وأن الإمام يحيى أبدى اشمئزازه مما قاله (السقاف)، مبيناً له عدم رضاه بالقدح في الصحابة، وذلك في جوابه عليه بقصيدة طويلة يصف فيها نفسه بأنه: «لا يرتضي، بِنَحل الروافض مذهباً.. كلا ولم يكُ مثل جهم مُخبرا».
ولأجل إلصاق التهمة بالسقاف، ينبش الأكوع في التراث بحثاً عن ما قد يبرر حكمة القاسي علي ضحيته، واصلاً إلى أحمد بن عيسى المهاجر «الذي يُنسب إليه العلويون الحضارمة»، إذْ يورد في «هجر العلم ومعاقله في اليمن». ما ذكره المورخ صالح بن حامد العلوي في كتابه «تاريخ حضرموت»، من أن المهاجر «كان إمامي المذهب».
ولاحقاً، تابع الأكوع ملاحقته السقاف، وذلك في ندوة عن الأخير نظمتها جامعة عدن، ففي ورقة قدمها إلى الندوة، أشار إلى زيارات السقاف للإمام يحيى في صنعاء، ومطارحاته الشعرية على الإمام، قبل أن ينطق بحكمه مجدداً في حق السقاف الذي «أسفَّ في بعض قصائده، لا عن جهالة، ولكن عن علم، ظناً منه أنه يرضي بذلك معتقدات الإمام يحيى (...) فما كان من الإمام إلا أن أبدى اشمئزازه في قصيدته الجوابية مبيناً في ذلك عقيدته الصحيحة في شرعة الرسول وفي سنته». ويواصل الأكوع تشبثه برأيه إذ يخلص إلى أنه «بعد اتفاق بين معارفه (أي السقاف) وتلامذته وخلانه وأصفيائه يقولون: إنه تحول إلى محب لصحابة رسول الله».
يعزو وضاح تشبث القاضي الأكوع بفكرته الخاطئة، إلى ما يعدها ظاهرة عامة في المجتمعات التي يسودها الاستبداد، وتسيطر عليها نزعة الأثرة والتملك غير المشروع، تصبح فيها حتى الأفكار الخاطئة، والآراء المجانبة للصواب جزءاً من الممتلكات التي يصعب التنازل عنها. كما وبسبب العلاقة الحميمة التي جمعت ابن عبيدالله بالإمام يحيى، وموقفه السلبي من المعارضين لحكمه.
يُمسك الباحث بموضوعه إذ يعرض لمواقف السقاف من الصحابة، وميله إلى الوسطية، ومحاولاته الدؤوبة للتوفيق بين الإرشاديين والعلويين في شرق آسيا. ومن دحضه لرواية الأكوع، يؤسس لمنهج جديد في التعاطي مع أحكام المؤرخين، يقوم على التمحيص، واخضاعها للاختبار، وبخاصة بالعودة إلى التراث الصادر عن «ضحايا المؤرخين». الكتاب جدير بالقراءة، إذ علاوة على الانتصار للعلامة السقاف، فإن صاحب الكتاب بدا محمولاً على رسالة مبثوثة في فصول كتابه، تحث على الإنصاف والترفع عن الميول والأهواء، وهي رسالة مطلوبة في الظرف الراهن حيث العصبيات المذهبية والعنصرية والمناطقية تتأجج في غير مكان.