المجوهرات ليست دائماً ثمينة

المجوهرات ليست دائماً ثمينة - منى صفوان

"لا، يا زكي، ما تقولليش! الست ممكن تنسى عشيقها, أبوها, أخوها! لكن مجوهراتها، مش ممكن".
 هذا الحوار المقتطف من يسرا وعادل إمام في فيلم "عمارة يعقوبيان", يصلح كثيرا أن يكون بداية لحديث طويل عن علاقة النساء بمجوهراتهن.
علاقة كانت محل بحث قصير من قبل لورا بوتر، مصممة المجوهرات الانجليزية, التي أرادت التعرف على مداها عند اليمنيات، في إطار جولة تدريبية قامت بها مؤخرا في صنعاء.
لورا كان قد عُرض لها الشهر الفائت معرض صغير مع مجموعة من زملائها المصممين, في بهو مركز صنعاء التجاري. المعرض نظمه المركز الثقافي البريطاني، الذي أظهر اهتماما بما نشرته "النداء" قبل ثلاثة أسابيع، في تغطية وحيدة للمعرض جاءت عفوية, نقلت انطباع الزوار وردود أفعالهم اللامبالية, التي أذهلت لوهلة المنظمين, فليس هذا ما أرادوه من معرضهم.
المصممة عند زيارتها لصنعاء الأسبوع الفائت وجدت أن ردود الفعل هذه طبيعية. وأكدت لي أن هذا المعرض إن عرض في قلب بريطانيا نفسها سيلاقي رد الفعل ذاته.
فالمعروضات لا تجعل الزائر مكتفيا بفهمها من مجرد إلقاء نظرة, أو قراءة ما كتب بجانبها؛ فوجود المصمم يضيف كثيرا لما يشاهده, وهذا افتقده المعرض. فبعد جولة سريعة مع المصممة, يظهر البعد الفلسفي للمعروضات.
فصنبور المياه الذي يعرض كواحد من مقتنيات المعرض النفيسة, جاءت المصممة بفكرته من عادة خلع الناس لخواتمهم الثمينة في الحمام, والتي يكون لها بعد نفسي وعاطفي كـ"دبلة" الزواج, ولذلك ارتبط الصنبور بشيء نفيس. أما مجموعة الخردة التي هي عبارة عن أوسمة عادية, تكون فقط ثمينة لأنها ترتبط بحياة أشخاص وقصص بطولاتهم.
وضمن مجموعتها "أرملة الصياد" تكون المجموعة المصنعة من أدوات صيد السمك ثمينة لأنها وسيلة نسائية لمنع الرجل من الخروج للصيد, والانتقام من الأداة التي تأخذه بعيدا عنها.
هكذا ترتبط المجوهرات بحياة الناس، وبالذات بحياة المرأة, طبقا لنمط حياتها, وهذه الصورة الفلسفية, تأخذ بعدا اجتماعيا يضفي قيمة مادية على المجوهرات حتى لو صنعت من مواد رخيصة, وهذا البعد كان غائبا طوال مدة العرض عن الزائرين الذين لم يهتموا كثيرا بالغوص في التفاصيل لسبب بسيط, أنه لم يكن هناك من يرشدهم إليها. فالارتباط النفسي بالمجوهرات يضيف إلى قيمتها المادية. غير أن القيمة المادية الأخرى التي تظهر في فلسفة المجوهرات هي الجهد المبذول فيها.
 "بوتر" التي قدمت من بريطانيا خصيصا لتدريب عشر فتيات على كيفية تصميم المقتنيات النفيسة من أشياء بسيطة, قربت مفهوم المجوهرات للمتدربات. فليست المجوهرات هي كل شيء ثمين, بل إن كل شيء بسيط حولنا مرشح لأن يكون مقتنى نفيسا وباهضا. لذلك كانت المواد البخسة حاضرة في معرض فني للمجوهرات, أدوات من القماش والورق، وكلها بذل فيها جهد, وارتبطت بقصص إنسانية أضافت لقيمتها المادية.
هذه هي المجوهرات من وجهة نظر الجيل الجديد المتحدي للأطر التقليدية, ومنها أطر وظيفتها, والمواد المصنعة منها. وهذه المجوهرات الجديدة تحتاج لدعمها بثقافة البيئة المحيطة حتى لا تنفصل, وتغيب عنها تماما.
فالمجوهرات بصفتها مجالا خصبا للتعبير, ترتبط بحياة الناس، والنساء تحديدا, وعند تغير نمط الحياة, يتغير الذوق المرتبط بها, وأسلوبها, ونمطها, وأيضا المواد المصنعة منها.
والخرز كان هو محور ورشة التدريب. فالمصممة ترى أن الخرز كمادة أولية هو الأساس لصناعة أي حلية.
إلى جانب الأهمية الدينية التي يكتسبها في المجتمع المسيحي والإسلامي على حد سواء, في صناعة المسابح, وإن كانت المسبحة الاسلامية تختلف عن الأخرى المسيحية في حجمها، لكنهما تتفقان في الوظيفة. الخرز يمكن أن يصنع من أي مواد حولنا, فكيف نحول الشيء البسيط إلى خرزة؟ هذا هو الدرس الذي يمكن أن يغير كثيرا, ليس فقط في تصميم المجوهرات ووظيفتها, بل أيضا في حياة الأشخاص الذين سيحترفون هذا النوع من الفنون.
فقدرة الفتيات على توظيف ذلك في بيئتهن اليمنية لا يدخلهن مجالا خصبا فقط, بل أيضا يوفر لهن فرص عمل جيدة وجديدة, لأنهن يستطعن بيع تلك الأعمال والربح من ورائها.
لورا أخذت أفضل خرزة صممتها كل مشاركة، وسوف تضمها جميعا في إطار عقد واحد يحتفظ به المركز البريطاني في صنعاء. هذه الذكرى ستكون ذات قيمة مادية كبيرة لأنها ترمز لجهد الفتيات, وأيضا إلى طريقة مبتكرة تدخل عالم الحلي اليمني, الذي يكرس وقته لصناعة الحلي بطريقته التقليدية.