مياه الحكومة لعنة يحملها اليمنيون داخل كلاهم

مياه الحكومة لعنة يحملها اليمنيون داخل كلاهم - بشرى العنسي

ذات الثماني سنوات، وبجسدها الصغير أصبحت تحمل في داخلها جسماً غريباً يؤرقها ويقظ مضجعها لتتلوى من الألم كلما أقدم ذلك الغريب على أي حركة.
حصوة صغيرة تكونت في حياة «جميلة» لتغير لونها وكأنما ابتلعت الألم جرعة واحدة. وليس في يد والديها سوى النظر إليها وإمدادها بكل ما قد يخفف عنها وعنهم تلك الأوجاع.
قبل سنة بدأت «رحلة» جميلة مع الفحوصات والمهدئات والأعشاب الطبيعية، لكن تلك الحصاة اللعينة أبت، برغم صغرها، مع توقعات الأطباء نزولها في أي لحظة.
المياه المعدنية هي الرفيق الدائم لتلك الصغيرة ولجدها أيضاً؛ بعدما عانى هو الآخر من حصوتين اجتمعتا في كليته اليمنى وانتزعتا من راتبه، الذي لا يصل إلى العشرين الف ما يزيد على خمسة أضعافه قبل أن تفتتها مناظير مستشفى الثورة إضافة الى ثمن قوارير المياه المعدنية التي غدت تؤرق جيبه وجيب ابنه عبدالله (والد جميلة).
 قد لا يكون أحمد غيلان وزوجته وابنته وحفيدته وجارهم، الذي رفض الحديث لـ«لنداء» (حي سبأ) هم فقط من يتجرعون ثمن المياه المعدنية كثمن أيضاً لصداقتهم القديمة مع الحنفيات.
فربما لا يخلو أي بيت من مرض الكلى سواء كانت إلتهابات أو حصوات أوقد يتطور الأمر إلى فشل كلوي. والماء الذي يعتبر من أحد مكونات الحياة يأتي ليكون سبباً في إنهائها كونه جاء عبر أنابيب الحكومة قبل أن يستقر في خزانات وحنفايات المستهلك.
الدراسات الدقيقة التي تحدد نصيب المياه في أمراض الكلى قد تكون معدومة في اليمن، لكن المستشفيات المحلية والخارجية خير دليل على تزايد ذلك المرض.
الدكتور نجيب أبو أصبع، رئيس قسم الكلى في مستشفى الثورة، اعتبر الماء الملوث والأملاح الزائدة فيه من أسباب ارتفاع معدل مرض الكلى تكاتفاً مع المسببات الأخرى.
أكثر من 2000 من مرضى مستشفى الثورة مصابون بالفشل الكلوي، و630 مرضى زراعة الكلى، وعشرة آلاف آخرون مصابون بالحصوات، مع سرد «أبو أصبع» لهذه الأرقام طالب بتنقية المياه وعمل فلترة لها.
قنبلة موقوته على رأس كل بيت
معلم يهتدى إلى البيوت بحسب لونه، فيقال لك: منزلي فوقه خزان بلون كذا وبكبر كذا. ومع تعدد ألوان تلك الخزانات من الخارج فهي كذلك من الداخل، بحسب لون الماء الذي يصل في حينه متعكراً كمزاج وضمير من أرسله.
شكت ليلى من الماء الذي كرهت لونه وطعمه. وبرر مدير المؤسسة ذلك بعدم نظافة المستهلك. وعلق صديق علي أن المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي تريد أن تتماشى مع مزاج المستخدمين فتعطيهم كل جديد من لون وطعم. وتظل الخزانات القابعة على قمم المنازل تنضح بما فيها للساكنين إلى أن يثبت كل منهم نظريته.
ياهارب من الموت
يحاول الواعون الهروب من مطب الحكومة ليرتموا في أحضان القطاع الخاص بحثاً عن الأمان والنظافة في ماء الكوثر أو مياه الوايتات. ولكنهم لا يلبثون أن يكتشفوا أنهم واقعون في مطب آخر، وأن إهمال حكومتهم وصل إلى ذلك الماء كون الرقابة على مياه الكوثر والمحطات التي تنتجه معدومة.
مركز المياه والبيئة بجامعة صنعاء اكتشف، من خلال بحث شمل 8 محطات لمعالجة المياه في كل منطقة من أمانة العاصمة, أن معظم الآبار ملوثة, وأن الدبات المستعملة لحفظ الماء غير نظيفة, وتؤدي الى تلوث الماء.
boshrasalehaliMail