حسن الإبي عمره 117 عاماً ويعيش مع المرضى النفسيين منذ 25 سنة.. كائن مقيم في النسيان

حسن الإبي عمره 117 عاماً ويعيش مع المرضى النفسيين منذ 25 سنة.. كائن مقيم في النسيان - هلال الجمرة

«أنا أشتي حبة سع هذه (رصاصة) وبس»، رددها مسن يعيش مع مرضى نفسيين في مستشفى الأمل للطب النفسي (المصحّة النفسية سابقاً).
لم يكن حسن الإبي، المعروف بـ«العم حسن»، مريضاً نفسياً أو متخلفاً عقلياً، بل مسناً. ولد عام 1890، فنيت أسرته ولم يعد له سوى ابنة أخيه، تزوره أحياناً.
هذا المسن يقطن منذ 25 سنة. فقد كان في الرعاية الاجتماعية قبل افتتاح المستشفى في 2003 وتأسيس المصحة عام 1991.
كان العم حسن ممدداً رجليه وواضعاً إحداهما على الأخرى بلا مبالاة، مسنداً ظهره الى شبك حديدي داخل حوش المستشفى حيث اعتاد الخروج من غرفته، التي يسكن فيها مع خمسة من المرضى النفسيين المزمنين.
لا توجد دار للعجزة ولا رعاية من الدولة، لهذا اضطر المستشفى الى رعاية هذا المسن وكفله أحد الخيرين، حسب مدير الادارة النفسية في المستشفى.
سمعت قصته من أحد الأخصائيين النفسيين، وتلهفت شوقاً لسماعه و هو يسرد قصصه عن تقلبات الحياة والسنوات الجميلة التي عاشها.
- كيف حالك ياعم حسن؟.
 - «لا تحاكيني من صحتي ومن الدنيا! حاكيني من ديناكم ،من عيشتكم»، أجاب بيأس.
فهو لم يعد يأبه لهذه الدنيا ولا للعيش، وإنما ينتظر رصاصة تخترق قلبه الجريح فتريحه وتخلصه، من بلاد سئم معايشتها، ووطن عاصر معه أربعة أنظمة اعتلت حكمه.
- ليش هكذا؟
يجيب وعيناه على ساحة المستشفى: «أنا أشتي أموت خلاص.. أنا منتظر لرصاصة من زمان، ايش باقي؟ ما عادنا صغير ولا عادنا ولدت».
وكنت أستمع إلى العم حسن باهتمام. واستطرد قائلاً: «خليني أجلس! رُح لك! أنا بس اشتي أموت ،رُح شل لك واحد ثاني انا تاعب مريض آه! آه!». يتأوه من ألم بداخله حيث برر لي عبده سيف الشعبي الكان برفقتي حينها: «عمي حسن من الضعف والكبر بيحس أن كل عضو يؤلمه حيث عرضناه طبيب في إحدى المرات وأكد أن حالته ناتجة عن كبر سنه».
عندما أكثر من إلحاحه حاولنا تهدئته فهو حساس جداً فقلت له: «الله يشفيك». وعاد وركز نظره عليَّ قائلاً ببطء وكأنه يريد إعطائي الفرصة لسماعه وتدبر ما يقوله وليس لأنه مُسن: «يشفيني ليش؟! عادنا خلقت؟! عادنا صغير؟! أنا بس أشتي رضاء الله».
واستمع العم حسن إليَّ بصبر ثم سألني: «أيش يعملوا لنا أيش يسووا أنا ما أعرف علي عبدالله صالح.. هو رئيس نفسه بس، أنا ما أعرف احد..».
وصل به الغضب أوجَّه ومد يده فأخذ العمامة من على رأسه ورمى بها بجانب قدمي: «رُح لك.. أنت ابني رح لك.. أشتي ترح لك لا تحاكيني، آهه!». وأتم كلامه بما ابتدأ به وكرره في حديثه كثيراً: «اشتي حبة سع هذي وبس أرتاح أنا مليت هذه الدنيا».
كانت دقائق قصيرة ولم تكن مليئة بالمعلومات كما هي مليئة بالاحزان والكرب، لذا فقد أكمل لنا بعض قصص عمنا حسن من ارتاح له وتكلم معه بقلب مفتوح خاصة عندما عرف أنه من أبناء محافظة لحج وأنه يعود إلى الشطر الجنوبي، هذا الرجل هو الاستاذ عبده الشعبي، اخصائي نفسي.
الشعبي يقول إن العم حسن «من أقدم نزلاء المستشفى ومن فئة المسنين ولا يوجد له، حسب معلوماتنا سوى بنت أخ تزوره بين الفينة والأخرى».
وأضاف: « ما يزال يستحضر تاريخ البلد شماله وجنوبه وعاصر العثمانييين والانجليز ويفضل أيامهما على ما هو سائد اليوم».
وعن حالة العم حسن أوضح الشعبي: «هو يعاني من فراغ فهو عاش حتى فترة قريبة مع فئة المتخلفين عقلياً وبناءً على طلبه تجاوبت معه ادارة المستشفى وأعطوه غرفة مع بعض المرضى المزمنين الذي ينسجم معهم، بحكم كبر سنه». العم حسن يرتاح مع بعض النزلاء فهو يتعامل مع النزيل «عايش» بطريقة خاصة جداً وتربطهما علاقة حميمة وأبوية. فأحياناً ترى العم حسن يؤكل «عايش» بلطف وحنان أبوبي تناول بعض الطعام. وتحدث عن شهر رمضان بيأس: «رمضان هذا رجل ولا مرة؟! أنا ما أعرف هذا رمضان».
 وعن النظرة التشاؤمية للحياة التي ينظر إليها العم حسن: «هذه النظرة هي بحكم السن والمشاكل وغياب الأسرة التي لا نعرف عنها أو عن مصيرها»، قال الشعبي.