اللقاء المشترك وذيل الحصان

اللقاء المشترك وذيل الحصان - محمد ناجي احمد

في الانتخابات الرئاسية السابقة تم رفع سقف المعارضة الكلامية إلى مستوى نشط، جعل القارئ للمشهد يصدق جدية هذا الذي يحدث فوق السطح، فالخطاب التحريضي من كلا الطرفين (سلطة ومعارضة) أعطى إيحاء بأننا أمام صراع بين كتلة سياسية «يفترض» أنها متسقة في حركتها وتفكيرها، وأن وصولها الى سدة الحكم مسألة وقت لا أكثر، وبين طرف هو تجمع لمصالح تحالف المشايخ والجيش وكبار التجار والذي توطد مع التقادم وإنْ تخلله على السطح بعض الاهتزازات. ومن أجل إعطاء المشهد دراميته المطلوبة كان وجود الشيخ «حميد الاحمر» ومقارناته بين حكم اليوم وحكم الامامة بحماس وطموح ربما يذكر البعض باستعادة إرث وطموح عمه «حميد حسين الاحمر» في سياق استعادة صراع قديم بين الامام «أحمد» ومشايخ القبائل في الشمال، ذلك الصراع الذي انتهى بانتصار المشايخ وفرض شراكتهم الفاعلة في الحكم، فبعد أن كان الشيخ في عهد الامام «احمد» يحتاج الى إذن الامام بعد كل مهمة تنفيذ أو «خطاط» يقومون بها هم ورجالهم - لكي يعودوا الى أسرهم، أصبح الشيخ بعد «26سبتمبر» فاعلاً ورقماً هاماً في «مجلس قيادة الثورة» وصانعاً بالوكالة لأنظمة الحكم بعد 5 نوفمبر1967، فابتداء من مشهد رفع البندقية في وجه «البيضاني» بعد «الثورة» مباشرة الى السخرية من «العسكر» باعتبارهم بعيدين عن روح الفروسية، كما جاء في رد الشيخ سنان أبو لحوم على حسن العمري الذي انزعج من «نخيط الشيخ سنان»، مروراً برفع البندقية في وجه «السلال» في اجتماع رسمي انتهى بحجز السلال في غرفة الاجتماع من قبل المشايخ ثم تهجيره بعدد من الثيران.
نعود الى المشهد الانتخابي الذي رفع طموح المعارضين وصوَّر لهم أن عجلة التاريخ قد تحركت ولن تتوقف بحسب تعبير النائب علي عشال في اقتباس واضح من حتمية الأدبيات الماركسية والاشتراكية التي كانت تنظر الى حركة التاريخ بحتمية قدرية ينساق وراءها الإنسان. عجلة التاريخ هذه لم تكن أكثر من عجلة تم دحرجتها بين نقطتين محسوبة بنتائج الانتخابات التي دخلها «المشترك» مغفلاً عن عمد نسبة الأمية والفقر من ناحية، وعدم قدرة « المشترك»، على تقديم بديل مغاير لسلطة تقول بأنها قامت بتربية أكبر كروت «المشترك»، هذا الكرت الذي تم سحبه مرة أخرى ضمن سياق من التسويات جعلت «محمد قحطان» يمتن كثيراً لهذا السحب ويؤكد على تلك التربية وإن في سياق الاستفادة المتبادلة بحسب حواره مع صحيفة «الأهالي»، وهو غزل متبادل كان قد بدأ به «الرئيس» في حواره مع صحيفة «الوسط» حين تحدث عن «اللقاء المشترك» باعتباره فكرته التي سعى الى تأسيسها في إطار حزب واحد طالما و «الاشتراكي» -بحسب تعبيره- قد اصبح ملتزماً بالاسلام وشعائره، وهو كلام ليس بعيداً عن واقع برامج الناصريين والاشتراكيين الذين لم يكتفوا بالحديث عن الاسلام كدين ودولة بل وشدَّد بعضهم على ضرورة الالتزام بالشعائر الدينية كشرط للعضوية.
إذن، يبدو أن هناك مسافة تم القفز عليها بين «مشترك» الشهيد جار الله عمرو «مشترك» الرئيس «صالح»، ماهو موجود في الساحة سواء الانتخابات الرئاسية السابقة والتي شاركوا فيها رغم أن موازين القوى لم تكن في صالحهم ومع ذلك شاركوا ونزلوا المعركة بشعارات سماوية تستجدي المشاعر الدينية: «ياحنان يا منان انصر فيصل بن شملان»، في تواز مع الفتوى، وهذه الاخيرة وظفها«الرئيس صالح» واستخدمها بفاعلية إعلامية إلى جوار موازين القوى التي بيده، وما بين «مرشح» تواكل «لقاؤه المشترك» على الله في فوزه، وعلى فساد السلطة، متناسياً سيطرتها وتحكمها بملعب الانتخابات، وآخر جهَّز ملعبه وفريقه باصطفاف يجمع الجيش والأمن والحكومة والتجار ومشايخ القبائل، وبإعلام مسوِّق لهذا الاصطفاف. بين هذين الطرفين وطبيعة هذا الملعب تكون النتيجة معلومة سلفاً، وتصبح عجلة التاريخ ملهاة مأساوية يتسلى بها المواطن اليمني في مقيل القات ونشوته وغيبوبته.
 إن الدور الذي قام به «المشترك» لم يكن أكثر من «وظيفة الذيل» التي تحدث عنها محمد قحطان في صحيفة «الاهالي» قائلاً إنهم «سيتركون الحصان ليتنافس مع ذيله» إن لم توجد شروط المنافسة الشريفة في الانتخابات النيابية القادمة، وحديث من هذا القبيل، وربما بنفس العبارة السابقة، قد قاله قحطان في انتخابات سابقة!
هل سيستمر الاصلاح والمشترك بالقيام بوظيفة «الذيل» لإعطاء مصداقية عن «التداول السلمي للسلطة»؟! يمكننا أن نقرأ المشاركة «الرمزية» - وهذا تعبير قحطان- في الاعتصامات الجماهيرية الاحتجاجية على غلاء الاسعار، الذي اختزله المشترك، الى مادة القمح فقط، رافعين أرغفة الخبز في دلالة رمزية ايضاً. لا تريد أن توسع دائرة الاحتجاجات، فقط تريد تحريك الموقف السياسي المزهو بالانتخابات الرئاسية السابقة، هذا النزول «الرمزي» المطلوب منه تخفيض الأسعار أم الوصول الى تسويات، وإن كانت ليست على الطريقة القديمة في تعاملها مع «حزب الشدة»، إلا أن نتائجها في امتصاص واستباق الغضب الشعبي يؤدي الى نفس الوظيفة.
إن ما قاله الرئيس صالح عن توبة الاشتراكيين كتبرير لصيغة «اللقاء المشترك» ليس بعيداً عن خطاب الإصلاح التعبوي لفكرة اللقاء مع الناصريين والاشتراكيين، فالآخرون عدلوا مواقفهم وأصبحوا مؤمنين يرتادون المساجد (كما جاء في رثاء الشيخ عبدالمجيد الزنداني عن التزام الشهيد جار الله عمر وحضوره للصلاة في مسجد جامعة الايمان إسقاطاً لدافع الجريمة التي حاول البعض إلصاقها به وبجامعته)!
وهنا يصبح اللقاء المشترك المبني على هدف سياسي آني وليس على احترام التنوع الفكري لقاء إلحاق وضم فكري يوازي الإلحاق والضم السياسي الذي تمارسه السلطة الحاكمة وتشكو منه المعارضة.