«جنة عدن».. حرام لذيذ

«جنة عدن».. حرام لذيذ - منصور هائل

كنت بصدد «خيانة القضية» بانحراف مؤقت لم اجد بداً من اقترافه لأسباب شخصية محضة دفعتني للانهماك في تدبير الاعتذار المناسب لاصحابي في «المقيل» ومنهم شخصيات معروفة بانتسابها لنخبة البلاد التي اعلم انها لا تساوم ولا ترحم من يختلج بأوهى انحراف، فما بالكم بمن يعتزم الاقدام عليه وفعله وينسى انه، بذلك، يحكم على نفسه بالانعدام في رصيف المهملات بمقتضى قرار هذه النخبة التي ستوصد دونه باب الدخول الى ناديها لأنها لا تقبل في صفوفها من يهدر وقته بالتفاهات، وينغمس في الملذات والوله من غير حساب لجسامة المرحلة، وحراجة المنعطف، وحساسية الموقف، ودقة الظرف و.. كافة مصفوفة هذه العناوين المعروفة والمرصوفة بإحكام من اجل الحفاظ على «الامة» وفي سبيل تأمين درجة حرارة مرتفعة لهمم وعزائم اولادها!
وكمن انطوى على اثم مبهم، وتسربل بحرام لذيذ غادرت «المقيل» فرحاً بقدرتي على تمويه انسحابي بمهمة تندرج في اطار خدمة «القضية».
كنت على ثقة بأن الصدفة ستكون رحيمة كعادتها واني لن اجد أياً منهم في المكان الذي اقصده، فتلك مسألة «مبدأ» بالنسبة لهؤلاء!
لم اتحسر كثيراً على المواد الاضافية التي ستنطرح على مائدة «المقيل» خاصة بعد ان شاركت في تعاطي مقتطفات الوجبة الرئيسية، وكانت على قدر كبير من الدسامة، وقد اتينا عليها كما في كل يوم وعلى الدوام، ولا جديد في محتويات المائدة غير المزيد من اشلاء وجثث القتلى، في صعدة، حضرموت، الضالع، غزة، كربلاء، الاوراس..الخ.
ولسعني عقرب تأنيب الضمير بدعابة وانا اضحك من نفسي وعليهم وكيف استطعت اقتطاع ساعة ونصف من الزمن الثمين الذي ينبغي ان يصرف من اجل «الامة» وفي الاستغراق بالقضايا و«السرديات الكبرى»، وكيف غامرت بالذهاب الى حفلة رقص وطرب.. ياللعجب!
كنت مبتهجاً بنجاتي من سخرياتهم وتقريعاتهم اللاسعة واللاذعة، وشكرت لساني التي لم تزل بكلمة رقص او حفلة، وباركت قدرتي على انتقاء قلة من اصدقاء المروق والشراكة في الخيانة.
... المؤلم اننا لم ننخرط في الطقس الاحتفالي لأن اصفاد السنين كانت تكبل اجسادنا، كما اننا لم نسكر بغير مقاطع ضئيلة من الفاكهة، ومن مقتبسات الفن المختارة من واحة البوح الواسعة والوارفة التي كانت تشكل حياة الاجداد والآباء والناس في المدينة عندما كان في الزمن واليمن متسع للمدينة، وكانت: عدن.
اغتسلنا وتطهرنا وحلقنا في الاجواء بخفة الفراشات، وحملقنا في بعضنا وأنفسنا مذهولين بأجنحة ملونة كثيرة انزرعت فينا كيما نطير ولا نكف عن تجاذب التحليق بلغة لا تقال ولا تكتب لأنها أكبر وأكثر من هذا وذاك.
... كان ذلك في مساء الاحد الماضي9 سبتمبر عندما احتضن بيت الثقافة بصنعاء باقة رائعة من مقتطفات الرقص والغناء العدني التتويجية لفعالية «فلكلوريات عدن» التي أقامها بيت الموروث الشعبي. فشكراً لأولئك الذين يقترحون علينا مجاراتهم في الاطلال من النافذة العكس كيما نرى انفسنا على غير ما عهدنا ان نراها، وكيما نحاول استعادة الحياة من الاحلام المهدورة والمغدورة، ونحاول الاصاخة لوتر صوت الطرب فينا.. هذا اذا لم ينقطع اصلاً.
فلتكن محاولة لممارسة الحياة إن امكن، فهل نملك القدرة والجدارة على ذلك.
mansoorhaelMail